تعتبر مرحلة "النيولوتيك" الواقعة بين الألف التاسع، والألف السادس قبل الميلاد من الفترات الهامة في منطقة "الرقة" لأنه في هذه البقعة، نضجت جملة من التحولات، قبل أي بقعة أخرى في العالم. ويقول الأستاذ "سوميو فوجي" رئيس الجانب الياباني في البعثة اليابانية- السورية المشتركة المنقبة في موقع "رحوم" بالقرب من "الرقة"، والتي أنهت أعمالها المسحية والتنقيبية في (30/3/2010)م: «رغم أنّ كل ما عرفناه عن بدايات هذه التحولات، إلاّ أنّنا لم نلمس الأسباب والتطورات إلاّ بقدر ضئيل جداً، لذلك نحن نسعى إلى معرفة كل شيء قدر المستطاع، ولذلك نسعى بالتعاون مع الأصدقاء من العرب السوريين في تقصينا وبحثنا المتواصل، في منطقة جبل "البشري" في منطقة "الرقة" لمعرفة سبل الاستقرار البشري في هذه المنطقة الموغلة في القدم».
يقول السيد "نورس محمد"، رئيس شعبة التنقيب الأثري في دائرة آثار ومتاحف "الرقة": «يعتبر هذا الموسم التنقيبي والمسحي للبعثة اليابانية- السورية المشتركة لهذا العام رقم /1/. وتتكون البعثة اليابانية- السورية المشتركة التي نفذت أول موسم تنقيبي لها في موقع "رحوم" لهذا العام، الواقع جنوب مدينة "الرقة" بحوالي /50/كم من الجانب الياباني: الأستاذ "سوميو فوجي"، مدير الجانب الياباني، وعضوية كل من "تاكورو أداشي"، "كي أكاشي"، "كاي سوزوكي"، "كاتسيو هيكو أهوما"، "أتسونوري هاسي جاوا"، "يو ايكي هايا كاوا"، "سيجي كا وواكي"، "أسا مو كوندي"، "كنجي ناكي"، و"هيروتو شاكاتاس".
عثرنا عليه داخل الجدار الدائري، ومن حينها عرفنا أنّ هذه الكتل الصوانية، موجودة ضمن مشغل يعود إلى فترات موغلة في القدم
الجانب السوري الأستاذ "محمد السرحان"، مدير الجانب السوري، والآثاري "أحمد سلطان"، السيد "عايد العيسى"، والآنسة "ربا ديب".
وقد بدأت البعثة حفرياتها التنقيبية الأثرية لهذا العام /2010/ في /19/ آذار ولغاية /30/ منه. لقد تابعت البعثة اليابانية- السورية المشتركة أعمالها التنقيبية والمسحية، وذلك بعد أن قامت برصد كل الظواهر الأركيولوجية في وادي "الهاجانا" الواقع في أحضان مرتفع "طار السبيعي" من الجهة الشمالية، وإلى الجنوب الشرقي من "رحوم"، وقد أشارت أعمال التقصي إلى وجود أساسات لجدر من الصخر المحلي على شكل دائرة، لذلك وعلى بعد مسافة /3/كم إلى الجنوب من قرية "رحوم"، قامت البعثة بفتح مربع باتجاه شمال جنوب أبعاده /2×2/م، وذلك لمعرفة حدود جدر المنشأة المعمارية المفترض وجودها ضمن هذا المربع، بعد المعانية التي نفذت سابقاً، وعلى عمق /10/سم».
قال السيد "السرحان": «ظهرت ضمن المربع /2×2/م قطع من الحجارة الصوانية فقط، وفي مجريات التنقيب الأثري، فإنّ ظهور هذا النوع من الحجارة إشارة إلى وجود نشاط بشري، رغم أنّ وجود هذا النوع من الحجر الصواني في هذه المنطقة نادر الوجود، وهذه كانت أول إشارة سلبية تلقاها العاملون في هذه الحفرية عن وجود الحجر الصواني. لكن في علم الآثار دائماً هناك مقولة تقول "كل شيء متوقع"، لذلك قام الجانبان الياباني والسوري بفتح مربع آخر أبعاده /4×4/ أمتار، تم الكشف فيه عن جدار دائري أساساته من الحجر الأبيض».
وقد وجهت سؤالاً إلى السيد "فوجي"، هل المربع الأول والذي مساحته /2×2/م عثرتم عليه خارج هذا الجدار الدائري أم داخله؟.
أجاب: «عثرنا عليه داخل الجدار الدائري، ومن حينها عرفنا أنّ هذه الكتل الصوانية، موجودة ضمن مشغل يعود إلى فترات موغلة في القدم».
لقد ظهر الجدار الدائري في وسط المربع الكبير، يقول السيد "فوجي": «وكما توقعنا، أنّ هذا الجدار الدائري يعود لورشة عمل متخصصة بصناعة شظايا الصوان، التي قد تستخدم كرؤوس نبال، وأدوات حادة، كان الإنسان يستعملها ويصنعها قبل /10/ آلاف سنة من الآن».
وقد عثر المنقبون بالفعل على رؤوس النبال هذه، وهي على شكل أدوات حادة تشبه السكاكين ولها حزقات في مؤخرتها للتثبيت، وذلك على عمق /75/ سم من سطح التربة. ثم قامت البعثة المنقبة بفتح مربع آخر أبعاده /1×2/م، استمرت إزالة الأنقاض من داخله حتى عمق /80/سم، ولم يلاحظ فيه سوى وجود كتل من الحجارة الصوانية القشيم غير المصنع والمجلوبة من مكان آخر إلى هذا المشغل.
وضمن الجدار الدائري الذي يحتوي في داخله، مشغلاً لصناعة رؤوس النبال الصوانية، لوحظ وجود جدر متقاطعة، وعلى الأغلب كانت تشكل حدود أحواض لفرز الحجر الصواني. كما تم الكشف في إحدى زوايا الجدار الدائري عن حفرة لموقد، تبدو عليه من الداخل آثار حرق وبقايا رماد. وقد تم أخذ عينات من هذه البقايا لتحليلها، ومعرفة أنواع مواد الحرق التي كان يستعملها الإنسان آنذاك. ونشير أيضاً إلى البعثة بطرفيها، استخدمت جهاز مساحي متطور، لتحديد المنطقة الخاصة بالتنقيب.
وقد أشار السيد "فوجي" إلى أنّ منطقة "جبل البشري"، كانت قبل /10/ آلاف سنة مغطاة بأشجار كثيفة، وخاصة شجر السدرة. وأخيراً هذه الحملة الأثرية ومن خلال موسم تنقيبي وحيد، لا يمكننا التحدث عن معطيات أخرى، نحن على وجه الدقة ننتظر مواسم أخرى.
المراجع: التقرير النهائي لأعمال البعثة لهذا الموسم "متحف "الرقة" الأثري، والزيارات التي قمنا بها لمتابعة أعمال التنقيب الأثري.