بين طيات جبل "عبد العزيز" وبعد عبور طريق وعر، يطل عليك التاريخ الأيوبي من خلال صرح على قمة جبل، حامية أيوبية تقع كعين للدولة على الممر الوحيد في هذا الجبل، قلعة "سكرة" تحكي تاريخ حضارة سادت البلاد في حقبة زمنية، ولا تزال آثارها باقية تخبر الأجيال أن التاريخ مرَّ من هنا...
موقع eHasakeh زار القلعة ورصد آثارها وعاد إلى الدكتور "عبد المسيح بغدو" مدير دائرة الآثار في محافظة "الحسكة" ليخبرنا عن هذه القلعة، يقول "بغدو": «تقع قلعة "سكرة" إلى الغرب من مدينة "الحسكة" على بعد حوالي35 كم، في منطقة "جبل عبد العزيز" وتماماً فوق إحدى السلاسل العالية منه، يتم الوصول إلى القلعة عبر طريق يتفرع عن طريق "الحسكة"– "مغلوجة"، وهذا الطريق الفرعي الذي يخترق "جبل عبد العزيز" من الشمال إلى الجنوب يمر بمحاذاة وأسفل المرتفع الذي تتوضع عليه آثار وبقايا هذه القلعة».
لكن من الملاحظ أن الصناعة السياحية لم تتبلور بشكلها الذي يجب أن تكون عليه، وأعتقد أن التركيز على الصناعة السياحية من أهم عوامل الجذب، والتي يجب أن تكون في أول اهتماماتنا
يضيف "بغدو": «من خلال زيارة العديد من الآثاريين السوريين والأجانب إلى موقع قلعة "سكرة" ومن خلال الاطلاع على الكسر الفخارية القليلة التي وجدت في باحة القلعة ومشاهدة شكل طرازها المعماري يرجح أنها أُقيمت في العصر المملوكي– الأيوبي، وشيدت من أجل غرض عسكري بحت وهو عبارة عن حامية عسكرية، ولا ينطبق عليها تسمية القلاع كقلعة "حلب" التي كانت على شكل مدينة محصنة، يوجد في داخلها جميع الفعاليات السكانية، في حين أن قلعة "سكرة" هي عبارة عن حامية صغيرة، والغرض من إنشائها كان لمراقبة السهل الشمالي لـ"جبل عبد العزيز"، والتحكم بالممر الجبلي الذي يقسم الجبل من الشمال إلى الجنوب، وهذا الممر على ما يبدو كان صلة الوصل بين السهل الشمالي والسهل الجنوبي».
وعن موقع الحامبة يقول "عبد المسيح":«إن المرتفع الجبلي الذي بنيت عليه القلعة هو مرتفع طبيعي محصن، ذو انحدار شديد من كافة الجوانب ما يشكل مع المرتفعات المجاورة المحيطة به، أودية سحيقة تحيط بها من كل الجوانب، بنيت الحامية على مساحة 150×70 متراً، ترتفع القلعة عن السهول المحيطة بها حوالي 300 متر، يتم الوصول إليها بواسطة طريق معبد ونعتقد أن الدخول إلى القلعة كان من الجهة الجنوبية الغربية، حيث الإشراف المباشر على السهل الشمالي الشرقي من خلال الفتحة التي تقطع "جبل عبد العزيز" من الشمال إلى الجنوب وهو محور الطريق المعبد الذي يمر من أسفل القلعة.
توجد آثار وبقايا لأربعة أبراج مبنية من الأحجار المحلية، حيث يستطيع الناظر من جهة الشرق وباتجاه القلعة رؤية آثار برجين هما البرج الأول والثاني، كما يستطيع رؤية آثار ثلاثة أبراج من جهة الجنوب وهي الأبراج الأول والثاني والثالث، بينما تقع آثار البرج الرابع في الجهة الغربية من القلعة، ويربط السور الخارجي الأبراج مع بعضها بعضاً، وهو متهدم كلياً ولم يبق منه سوى بعض بقايا أساسات غير واضحة المعالم، لا تعطي أية معلومات عن الأبعاد والمظهر والشكل الذي كان عليه السور في الماضي، أما باحة القلعة فهي عبارة عن أرضية صخرية من الحجر الكلسي الأصفر، يتوضع في الجهة الغربية منها بعض بقايا أساسات لجدران، قد تكون لبعض منشآت كانت تخدم القلعة ولكنها متهدمة كلياً، بالإضافة إلى وجود أربعة آبار منحوتة داخل الباحة الصخرية وتقع في الزوايا الجنوبية الشرقية من الباحة، لهذه الآبار فتحة دائرية من الأعلى بقطر متر واحد ويصبح القطر عند القاعدة ما بين 5-7 أمتار، ومن المرجح أن تكون هذه الآبار عبارة عن خزانات لتجميع المياه في المواسم الماطرة من أجل استخدامها في الفصول الشحيحة».
ويضيف "بغدو": «أجري ترميم القلعة للحفاظ عليها ووضعها في الاستثمار السياحي، وبالتنسيق مع الجهات المعنية في محافظة "الحسكة" تم فتح طريق يؤدي إلى القلعة، كما أجرت المديرية العامة للآثار والمتاحف- دائرة آثار "الحسكة" عامي 2006- 2007م، أعمال ترميم وتدعيم أساسات الأبراج وإعادة بناء أجزاء من جدران الأبراج، كما تضمنت أعمال الترميم وضع شبك حديدي لتغطية الآبار الموجودة في باحة القلعة لحماية الزائرين من خطر السقوط، وتم إشادة درج في الجهة الجنوبية الغربية منها من أجل سهولة الوصول إلى القلعة، إضافة إلى تنفيذ سياج معدني للدرج واستراحات ومقاعد».
الدكتور "أحمد الدريس" مدير الثقافة في محافظة "الحسكة" يقول: «السياحة الشعبية من أهم أشكال السياحة، وقد أدى الاهتمام مؤخراً بتشجير المناطق المتاخمة لمدينة "الحسكة" مثل منطقة "الحمة" و"جبل عبد العزيز"، إلى تشجيع السياحة ولا سيما في فصل الربيع، وتعد محمية "جبل عبد العزيز" التي صنفت عالمياً من بين أهم المناطق في المحافظة، وقد عزز أهميتها وجود قلعة سكرة الأثرية بالقرب منها، ما أدى إلى تركيز ثقل السياحة في هذه البقعة الجميلة».
ويختم "الدريس": «لكن من الملاحظ أن الصناعة السياحية لم تتبلور بشكلها الذي يجب أن تكون عليه، وأعتقد أن التركيز على الصناعة السياحية من أهم عوامل الجذب، والتي يجب أن تكون في أول اهتماماتنا».