استطاعت "مريم عبارة" تلك الفتاة الصغيرة التي ترعرعت في بيئة ريفية محافظة أن تكسر الحواجز الاجتماعية والثقافية ولتتواجد مع مواهبها وإمكانياتها في عداد الأديبات الحمصيات.
فعلى الرغم من عدم نيلها للشهادة الثانوية وزواجها بعمر الرابعة عشرة وسفرها إلى خارج سورية، إلا أنها تابعت تعليمها الذاتي ومن ثمّ إنتاجها الأدبي الذي تمثل إلى الآن بستة مجموعات قصصية للكبار ومجموعة قصصية للصغار، وعدد من الروايات التي لم تنشر بعد، والتي اتسمت بمجملها ببساطتها وواقعيتها وتمحورها حول الذات البشرية للمواطن العربي وهمومه الحياتية التي تغيب عن أذهان الجميع وتعود لتعيش في قصص "مريم عبارة" التي تحكي لموقع eHoms عندما التقى بها بتاريخ 24/4/2010، كيف انتقلت من "عنترة بن شداد" وكتابة جمل ليس لها معنى إلى أول مجموعة حملت عنوان "رواسب نجومية"، وتقول:
كانت هنالك صعوبة كبيرة بخروجي للفضاء الأدبي، ولاسيما أن ما كنت أكتبه كان لنفسي فقط، أصبح الآن يخضع لقواعد أدبية صارمة ولانتقاد محترفين، إضافة إلى أن الكثير من الناس ابتعد عني وحولوا معاملتهم إلى أخرى جافة وباردة، على الرغم من كون قسم كبير منهم من الفئة المتعلمة ومدعي الثقافة، إلا أن مفاجأتي الكبيرة كانت بمساندة الجيل الجديد والشباب لي، سواء من عائلتي أو من خارجها، وانتظارهم لنتاجي بفارغ الصبر ونقدهم لكتاباتي بطريقة جادة
«أذكر نفسي طفلة بعمر الثانية عشرة لا يمكنها الذهاب للمدرسة لأنها مختلطة ويقصدها الطلاب الذكور أيضاً، فتكتفي تلك الطفلة بقراءة ما يسمح لها من كتب وجدت في المنزل، ليقع تحت يدها كتاب "عنترة بن شداد" أحد السير الشعبية المعروفة، وأثناء قراءته أعجبت بالحبكة والتشويق والمغامرة واللغة العربية الفصحى المستخدمة في الصياغة وربما علق الكثير منها في خيالها ومن ثم توقف ذلك كله بزواجها وسفرها إلى السعودية.
هذا ما أرويه عن بداية تعلقي كطفلة صغيرة في عالم الأدب، هذا التعلق الذي لم أتخلّ عنه بعد زواجي خاصة أن الجو العام في السعودية لم يكن يسمح للمرأة بالخروج أو العمل، فحاولت أن أثقف نفسي وأتابع ما فاتني وجمعت المجلات الأدبية والعلمية مثل "العربي، النهضة"، وحتى طلبت من أهلي أن يرسلوا لي كتب التاسع والباكلوريا لكي أطلع عليها، دون أن يخطر ببالي التقدم لفحص نيل الشهادة الثانوية وكل ما سبق كان بعمر الرابعة عشرة».
كانت "مريم" تراسل تلك المجلات عبر بريد القراء حول ما يلفت نظرها من قضايا ومواضيع، وترسل الرسائل إلى درج مقفل في غرفتها، فهي أرادت أن تكتب وتفرغ طاقاتها على الورق ولم تكن ترغب بأن يعرف أحد بها أو بإنتاجها الأدبي، حتى محاولاتها الأولية للكتابة كانت طي الكتمان وتتابع:
«كنت أكتب كل شيء أسمعه أو يخطر ببالي، أتوقع نهايات للقصص، وأطرح قضايا وأعالجها على صفحات بيضاء تمتلئ بما أردت فعله أو قوله ولم أستطع، والمهم عندي من ذلك كله هو أن أستمر وأستمر بالكتابة وأن أطلع على المزيد مما تصدره المكتبات من كتب دينية وأخلاقية وسياسية أو حتى مجلات الطبخ والأزياء، فالنهار طويل وأنا أجلس في المنزل وليس لدي ما أفعله بعد إنهاء واجبات المنزل، فإذا ما تابعت أحد المسلسلات بشغف أتوقف قبل الوصول للحلقة الأخيرة وأعود لأتابعه عدّة مرات، وفي كل مرّة أكتب نهايته بنفسي وبطريقة مختلفة وحتى إنني أصبحت أعلم جاراتي ممن لا يتقن اللغة العربية لكي يستطيعوا كتابة قصص أو مواضيع أصححها بنفسي وأتخيل منها مزيداً من الأحداث الحقيقة التي قد تكون حدثت معهن، وكل ما أنتجه أبقيه لنفسي».
لم تستطع السيدة "مريم" أن تبتعد عن الخوف والتقليد والبيئة كما تقول، فهي إذا ما أرادت أن تقول شيئاً حملته للبوح في إهداءات ومقدمات كتبها أو قصصها القصيرة التي اقتنعت بنشرها بعد إرسالها لعدد من المرايا إلى جريدة "العروبة" والتي نشرت عام 2002 وحملت اسم "المدير" وتضيف:
«لقد اكتشفت أن التغير يأتي من داخل الشخص لا من الخارج، فالمرأة في مجتمعنا إذا لم تحرر نفسها من الداخل فلن يمنحها المجتمع حريتها أبداً، ولذلك بدأت أنشر كتاباتي باعتدال وأضع نفسي مكان الشخصية وأقيدها بتلك القيود التي فرضت علي، إلى أن وصلت لمرحلة أصبحت فيها أهتم بالقراء وبآرائهم وبالتالي وجوب تحرر الشخصية مني ووصولها للموضوعية، فهي تفعل ما يقتضيه الموقف وتتغير لغتها بحسب قوانين النقد الأدبي، ذلك النقد الذي أصبحت أعرفه وأعمل به بعد إصدار مجموعتي الأولى التي حملت اسم "رواسب نجومية" وحضوري لعدد من الأمسيات الأدبية كان أولها في "المركز الثقافي الروسي" وألقيت فيه قصة حملت عنوان "مشكاة" ومن ثمّ تكررت الأمسيات في "حمص" وقرى تابعة لها، وفي مدينة "دمشق"».
تختار الكاتبة "مريم" القصص التي ستلقيها في كلّ أمسية حسب المكان الذي ستقام فيه، ومستوى الحضور الثقافي، فهي تخشى ألا تفهم قصصها بالمعنى الذي أرادته، وتزيد بعدها عن الواقع أو الوسط الذي يعيشه الآخر، كما قالت، أمّا عن الجوانب التي طرأ عليها التغيير في حياتها الاجتماعية والأدبية فتضيف:
«كانت هنالك صعوبة كبيرة بخروجي للفضاء الأدبي، ولاسيما أن ما كنت أكتبه كان لنفسي فقط، أصبح الآن يخضع لقواعد أدبية صارمة ولانتقاد محترفين، إضافة إلى أن الكثير من الناس ابتعد عني وحولوا معاملتهم إلى أخرى جافة وباردة، على الرغم من كون قسم كبير منهم من الفئة المتعلمة ومدعي الثقافة، إلا أن مفاجأتي الكبيرة كانت بمساندة الجيل الجديد والشباب لي، سواء من عائلتي أو من خارجها، وانتظارهم لنتاجي بفارغ الصبر ونقدهم لكتاباتي بطريقة جادة».
تحب "مريم" أن تكتب في الصباح الباكر مع فنجان القهوة وصوت "فيروز" لكي تستطيع أن تكمل يومها كما تقول، وإذا ما طرأت الفكرة في مخيلتها فإنها تترك كل شيء وتسارع لتصبها على الورق وتحولها إلى لوحات أو قصص، وإذا ما وجدت في نهاية أي عمل لها حزناً، فإنها تضع لنفسها نهاية مفرحة مختلفة لتعطيها مزيداً من الدعم.
الجدير ذكره أن "مريم عبارة" من مواليد "تل دو" 1966 إنتاجها الأدبي تمثل بمجموعات قصصية حملت عناوين "شاطئ المراقبة"، "الإبحار مع التيار"، "أطياف تتوسط الرمال"، "حلم فوق الشراع"، "رواسب نجومية" للكبار، و"الوصية بين السحاب" للصغار، ورواية طويلة بعنوان "لوحة لم تكتمل" قيد النشر حالياً.