تعد قرية "الشيخ سعد" الواقعة إلى الشمال الغربي من مدينة "درعا" وعلى بعد 30 كم منها من أقدم وأبرز القرى التي شهدت وعاشت تاريخاً حافلاً في فترات زمنية طويلة بدءاً من الألف الثالثة قبل الميلاد، ما جعلها من القرى الغنية بالأوابد والآثار والمعابد والمباني التاريخية والذكريات الروحية.
لايكاد يخلو أي حجر من حجارة القرية من قصة يخفيها تتحدث عن حضارات سكنت هذه المنطقة، سواء أكانت معبداً أم حماماً أم مقاماً أم مسجداً أم مقراً لمؤتمر حربي غيّر وجه التاريخ.
تتابع الكوادر الفنية التابعة لدائرة آثار "درعا" أعمال التنقيب في الموقع للكشف عن باقي أجزاء المعبد "الروماني" الذي اكتشفت فيه خلال المواسم السابقة "المسلة الفرعونية"
حمام النبي "أيوب"
eDaraa زار القرية لإلقاء الضوء على بعض ما تضمه من أوابد، وتوقف عند حمام النبي "أيوب" الذي يقع في وسط البلدة، والحمام أو ما يقال بالعامية "وطية" أو "دعسة" النبي "أيوب" عبارة عن غرفة واحدة من البازلت أبعادها (4×4) م لها مدخل يفضي إلى داخلها حيث (نبع الماء)، ويحيط به من الشرق مقعد من الحجر يستخدمه الزوار للجلوس ووضع أرجلهم في الماء طلباً للاستشفاء من بعض الأمراض، ويشاهد في المكان حتى يومنا هذا رسم لقدم إنسان محفور بالحجر للدلالة على قدم النبي "أيوب" عليه السلام.
وأمام هذه الغرفة فسحة سماوية مستطيلة أبعادها (16×10) م مسورة من الغرب والشرق، كما توجد غرفة كبيرة بقنطرتين مقابلة لغرفة الحمام.
الباحث "نضال شرف" يقول في كتابه "نوى مركز ولاية الجيدور": «كان النبي "أيوب" رجلاً كثير المال من سائر صنوفه، وأنواعه، ومن مالكي المواشي والأراضي، وله أولاد كثر.. سُلب منه كل شيء وابتلاه الله في جسده بأنواع البلاء والمرض ولم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه يذكر بهما الله عز وجل، ونبذه معظم الناس، ولم يبق إلى جانبه إلا زوجته التي اضطرت إلى بيع إحدى ضفيرتيها لإحدى بنات الأشراف مقابل الطعام، وفي اليوم الثاني عادت وباعت الضفيرة الثانية، وعندما رآها النبي "أيوب" قال في دعائه: "مسّني الضّر وأنت أرحم الراحمين" فأمره الله أن يضرب بقدمه حيث كان مقيماً فضرب الأرض برجله اليمنى فخرجت عين ماء وضرب الأرض برجله اليسرى فخرجت عين ماء ثانية، فشرب من الأولى، واغتسل في الثانية فعافاه الله تعالى.
وعلى تل أثري جنوب الحمام وعلى بعد نحو (600)م منه يقع مقام النبي "أيوب" وهو عبارة عن بناء من الحجارة البازلتية أبعاده (15× 12)م له مدخل من جهة الشمال يؤدي إلى قبر النبي "أيوب" وقبر أحد أبنائه، ويستخدم الزوار جزءاً من البناء للصلاة.
الباحث "نضال شرف" تحدث عن أهمية موقع المقام من ناحية التبادل التجاري والثقافي قائلاً: «كانت تقام حول المقام سوق "دير أيوب" التي تعد من أهم أسواق بلاد الشام، حيث شهدت مبادلات تجارية كبيرة، مضيفاً نقلاً عن المؤرخ "المرزوقي" أن العرب كانوا متى انتهوا من مواسم أسواق "عكاظ" نظموا قوافلهم إلى "بلاد الشام" قاصدين "دير أيوب" لعقد الصفقات التجارية، حيث كانت تباع الحبوب والزيوت والتمور والخمور والألبسة والملح والمنتجات الأخرى، لينتقل التجار بعد ذلك إلى سوق "بصرى الشام".
لكن من أين استمدت القرية اسمها الحالي؟ السيد "نواف زين العابدين الحريري" رئيس مجلس البلدة وخلال لقاء eDaraa معه بتاريخ 6/5/2010 قال: «يُعتقد أن القرية أخذت اسمها من اسم الصحابي "سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الخزرجي الأنصاري"، "أبو ثابت"، وقيل "أبو قيس"، ولهذا الصحابي مقام ومسجد يحملان اسمه».
ويضيف: «تعاقبت على "الشيخ سعد" أو "قرنيم" كما كان يطلق عليها في الألف الثاني قبل الميلاد حضارات مختلفة، وهذا ما أشارت إليه الوثائق المصرية القديمة الموجودة في "معبد الكرنك" و"رسائل تل العمارنة"، وقد عثر في هذه القرية على عدد من الكنوز الأثرية تعود لفترات مختلفة، وهي موجودة حاليا في المتحف الوطني في دمشق، كما عثرت البعثة الوطنية التابعة لمديرية آثار "درعا" في هذه البلدة خلال أعمالها عام /2009/ على كتلة حجرية مكونة من قطعتين، ارتفاع الأولى (180) سم والثانية (120) سم وعرضهما (120) سم وبسماكة (50) سم وهما تشكلان "مسلة مصرية" عليها نقوش باللغة الهيروغليفية القديمة تؤرخ لفترة "رمسيس الثاني" /1315- 1292/ قبل الميلاد، وهي القطعة الأثرية الأولى التي يعثر عليها في "سورية"، ولهذه القطعة قطعة مشابهة موجودة في "متحف اللوفر" في "فرنسا"».
وتابع "الحريري" قائلاً: «تتابع الكوادر الفنية التابعة لدائرة آثار "درعا" أعمال التنقيب في الموقع للكشف عن باقي أجزاء المعبد "الروماني" الذي اكتشفت فيه خلال المواسم السابقة "المسلة الفرعونية"».
وحول الخدمات في القرية يقول رئيس مجلس البلدة: «على الرغم من الإمكانيات المتواضعة تشهد "الشيخ سعد" حركة سياحية نشطة جداً، حيث يزورها الآلاف من معظم الدول العربية والإسلامية ولاسيما "ماليزيا" و"اندونيسيا" للتبرك والاغتسال من مياه نبع النبي "أيوب" وزيارة مقامه وضريح الصحابي"سعد بن عبادة"- يتابع "زين العابدين"- أن هذه الأماكن تحتاج إلى مزيد من الاهتمام والرعاية من جميع الجهات ذات العلاقة لتكون مقصداً سياحياً مهماً قادراً على تأمين كل الخدمات الضرورية للزوار».
الجدير ذكره أن "تل الشيخ سعد" يشرف على تلين آخرين الأول "تل الجموع" الذي جمع فيه "خالد بن الوليد" جند المسلمين قبل معركة "اليرموك" التي دارت رحاها على أرض "حوران"، والثاني "تل الجابية" الذي كان عاصمة للغساسنة في القرن الأول قبل الميلاد، والذي عقد عليه أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" "مؤتمر الجابية" بعد معركة "اليرموك".