يشكل الضوء بالنسبة للأعمال البصرية المختلفة عنصراً أساسياً، يضيف أو ينقص من قيمة العمل كما بإمكانه توجيه المشاهد إلى بؤرة أو فكرة محددة، وكمحاولة لإخراج الضوء من إطاره "العنصر" أقيمت ورشة عمل في كلية الفنون الجميلة بدمشق ليحول موضوعاً بحد ذاته يتيح احتمالات ونتائج لا متناهية تحت عنوان "اتجاه الضوء".
موقع "esyria" حضر في المركز الثقافي الألماني "غوته" عرض نتاجات ورشة عمل "اتجاه الضوء" والتي تضمنت معالجة مفهومي "الاتجاه والضوء" تشكيلياً، فالتقينا من المشاركين الشابة "رزان محسن" طالبة في السنة الرابعة من كلية الفنون الجميلة، قسم التصوير الجداري وتقول عن مشاركتها: «قدمت خلال ورشة العمل لوحة من نوع "الفن التركيبي" المنتمي لأساليب الفن المعاصر، حيث عملت سابقاً العديد من الأبحاث والدراسات النظرية حول هذا الفن، ووجدت أن خوض تجربة المشاركة ستتيح لي اختبار معلوماتي ومهاراتي عملياً».
أتمنى إقامة هذه الورش باستمرار لأنها ترفع من سوية تفكير الطالب، وتمكنه من التعرف بأشخاص يحملون مفاهيم وثقافات مختلفة، وهي بمجملها قيم وخبرات أساسية لتكوين ذخيرة، وتوجه الفنان
تضيف: «الورشة كانت مفيدة وليست بعيدة عن اختصاصي "التصوير الزيتي" فبكل تأكيد لا توجد مسافة فاصلة بين التصوير ودراسة الضوء لأن الفنان بالنهاية يفترض ألا يأطره تخصصه ضمن رؤية محددة بل عليه أن يكون مخترعاً ومؤدياً بارعاً إضافة إلى كونه مصوراً، وهنا لم تكن أفكارنا تخضع لمقاييس محددة ما أتاح لنا أفق واسعة لطرح ما نرغب».
استمرت الورشة في الكلية لمدة أسبوع نفذ خلاله المشاركون أفكارهم، مشيرة إلى عملها تحدثنا "رزان": «عن طريق دراسة تأثير اللون على العين وتلقي إشعاعاته المضيئة، حاولت أن أوضح رؤيتي بعدم اتصال الضوء مع عنصر كهربائي، مستفيدة من إمكانات اللون وتأثيراته التي تتلقاها العين فاستخدمت اللون الأصفر باعتباره أكثر الألوان إشعاعاً, كما ربطت الحجم بالفراغ من خلال مفهوم المستطيل كونه يعبر عن المرأة».
من المشاركين التقينا "شيرين علي" طالبة في السنة الأولى من كلية الفنون الجميلة، وقد جسدت مفهومها للضوء من خلال ثلاثة صور فوتوغرافية, حدثتنا عنها: «حاولت التقاط تأثيرات انعكاس ضوء الليزر على الصابون، ذلك بتوجيه مسار إضاءة ليزرية على فقاعات صابون مبعثرة بعشوائية وبساطة، كرغبة مني للابتعاد عن التقليدية والمباشرة في طرح الفكرة ومحاولة للخروج عن المألوف».
لم تنتمي الأفكار التي حاول المشاركون التطرق لها نهجاً محدداً، بل خضعت ترجمتهم لاتجاه الضوء بشكل حتمي إلى خبراتهم التراكمية ومساعيهم العملية لتطبيق تصوراتهم النظرية، هنا يحدثنا "فادي الحموي" من السنة الرابعة في كلية الفنون الجميلة، قسم التصوير الجداري، عن ترجمته التشكيلية للضوء حيث زاوج فيها بين قطعة ثلج تقطر نفسها حتى النهاية أمام ضوء وجِّه إليها ليصيغا حوارهما الخاص, فيقول: «يحمل عملي أسم "خسارة الطاقة"، وانطلقت به من نظرتي إلى الضوء كحرارة, والذي يعيدنا بآلية تلقائية للبرودة, فلاحظت أن التناقض بين الحرارة والبرودة يشكل مكملاً أيضاً، لأن وجود أحدهما يشعرنا بالأخر لذا جمعتهما بلحظة واحدة، يخسر فيها كل منهما طاقته بطريقته، كنتيجة للتأثير والتأثر».
يضيف "فادي الحموي" عن أهمية المشاركة بورشة العمل: «أتمنى إقامة هذه الورش باستمرار لأنها ترفع من سوية تفكير الطالب، وتمكنه من التعرف بأشخاص يحملون مفاهيم وثقافات مختلفة، وهي بمجملها قيم وخبرات أساسية لتكوين ذخيرة، وتوجه الفنان».
جمعت ورشة العمل والتي استمرت لمدة أسبوع خمسة عشر طالباً من كلية الفنون الجميلة في جامعة "دمشق"، وعشرة طلاب من المعهد العالي للفنون التشكيلية في جامعة "دريزدن"، صف البروفيسورة "مونيكا براندماير"، وذلك بالتعاون مع المركز الثقافي الألماني "غوته".
كما أشرفت على الورشة الدكتورة "بثينة علي" أستاذة من قسم التصوير، كلية الفنون الجميلة بدمشق وحدثتنا: «الضوء يخص كل جانب من جوانب الفن, وهنا لم تكن نتاجات الورشة هي الغاية بقدر اهتمامنا بآلية تفكير الطالب وكيفية توجيهه لمسيرة عمله، وأعتقد أن طلابنا تفاجئوا لأن أفكارهم المكتسبة من الكلية تقليدية فهي تعتمد بناء أساس قوي لطالب متمكن, لكن هذا اللقاء المشترك واختلاط بيئتين مختلفتين أو عالمين مختلفين كان من شأنه أن يخلق تواصلاً عظيماً وفائدة متبادلة, من حيث الاختلاف في ملاحظة أمور لم تكن لافتة سابقاً وبقدورها أن تغني عمل الطالب كثيراً، فقد لاحظت أن معظم المشاركين تغيرت أفكارهم أثناء فترة العمل، وهذه النتيجة الغير متوقعة هي أهم ما سعينا إليه خلال الورشة».
من جامعة "دريزدن" التقينا المشاركة "ياسمين آلت" طالبة ماجستير، وتقول عن مشاركتها: «لم أبني فكرة مسبقة عمّا سأنفذه خلال الورشة، لكن روح الشرق منحتني انطباعاً مهماً عن العمل الذي قدمته, فباعتبار أن وجود الضوء في الطبيعة يختلف بين "ألمانيا" وسورية، حاولت جمع بعض الصور التي يظهر فيها تأثير الضوء على أشياء من الشارع بشكل كبير، وبحثت عن أشياء مشابهة لتلك هنا بحيث تعكس الصور اختلاف مفهوم الضوء، وعملت مزجاً بين الصور, حيث حاولت ألا أطرح موضوع الضوء بشكل مباشر فعملت هذا الإسقاط بطريقة "الكولاج"».
تتابع "ياسمين": «العمل في مكان نزوره للمرة الأولى كان أهم جوانب الورشة، فننظر إلى ما حولنا بعيون جديدة, لإكتشاف سحر الأشياء, كما أن اللقاء مع الطلاب السوريين كان مهماً جداً حيث تم التعرف عليهم كأشخاص وفنانين، اشتركنا سوية في موضوع واحد للعمل عليه وتبادلنا آراءنا المختلفة, وبنهاية أيام التدريب أتمنى المشاركة في ورشة عمل أخرى تقام في سورية».