في ربيع عام 2003 طلب الأستاذ "صلحي الوادي" من مدرب الكورال في المعهد العالي للموسيقا "فيكتور بابينكو" أن يقوم بإعداد النسخة الأوركسترالية من عمل القدّاس الجنائزي "الريكوييم" من مقام "ري مينور" للموسيقار الفرنسي "غابرييل فورييه" والذي كتبه عقب وفاة والده؛ إلا أن المنيّة وافت "صلحي الوادي" قبل أن يتمكّن من تحقيق ذلك.
وفي ربيع عام 2010 قام كورال طلاب المعهد العالي للموسيقا بإعداد القداس الجنائزي للموسيقار "فورييه" في أمسية موسيقا وغناء ضمن برنامج من ستة مقاطع في دار الأوبرا يوم الخميس الثالث عشر من شهر أيّار 2010 إحياءً لذكرى الراحلين "صلحي وسنثيا الوادي".
أشارك في القدّاس بدورين، الدور الأول هو دور الكاهن الذي يذكر حسنات وأفعال الميّت ويتمنى له الرحمة، أما الدور الثاني فهو بمثابة بكائية
مدونة وطن eSyria التقى منسّق الحفل "بشر عيسى" الذي يقول: «هذه هي المرة الأولى التي يقدّم فيها القدّاس الجنائزي لفورييه، الذي كتب العمل بنسختين أوريجينال وأوركسترالية واليوم نقدم النسخة الأوريجينال باستخدام "أورغن" وكورال».
وأضاف "عيسى": «حاول "فورييه" أن يقدّم صيغة لطيفة للموت، وتأتي أهمية ريكوييم "فورييه" من حيث إنه يختلف عن بقية الريكوييمات الألمانية بطريقة الغناء والموسيقا، بالإضافة إلى أنه قام بإلغاء حركتين من الريكوييمات وأدخل حركتين بدلاً منهما، كما هو حال مشهد السموات، محاولاً جعل الموت يبدو لطيفاً، وشكل أول كسر للقاعدة فيما سبق المدرسة الانطباعية».
"باسل صالح" مساعد الخبير في قيادة الكورال والمغني من طبقة "باص"، قال: «أشارك في القدّاس بدورين، الدور الأول هو دور الكاهن الذي يذكر حسنات وأفعال الميّت ويتمنى له الرحمة، أما الدور الثاني فهو بمثابة بكائية».
وأضاف "باسل صالح": «هذا العمل من أصعب الأعمال وأجملها على مستوى العالم، وإن كان أشهر قداس جنائزي في العالم هو ركوييم "موتزارت"، فهذا العمل يصنّف بأنه أشهر ثاني ريكوييم في العالم، وهو يقدّم في سورية لأولّ مرة».
وقال "صالح": «الكورال الذي سيؤدي الريكوييم مؤلف من سبعين مغنّ من طلاب المعهد أدرّبهم على الباص والإلتون، ويبلغ مجمل المشتركين في الحفل ثمانين شخصاً، نتعاون تحت توجيه قائد الكورال "فيكتور بابينكو"، ويشارك في العمل موسيقيين من أهم العازفين في المعهد العالي للموسيقا».
"غادة حرب" المدرّسة في المعهد العالي للموسيقا حدثتنا عن مشاركتها في الحفل: «أشارك في ريكوييم "فورييه"، حضّرنا لتهيئة الكورال في البداية حتى مرحلة متقدّمة لتصبح تحت إشراف الأستاذ "فيكتور"، هذا الأسلوب من الغناء كان من الصعب إيصاله إلى الطلاب لأنه شيء جديد تماماً وغير موجود لدينا».
وتشارك "حرب" في أكثر من مقطع من الريكوييم، بمقطع منفرد ومقطع في الجنة مع الملائكة.
وعن أهمية حفل اليوم وأداء الطلاب لقداس "فورييه" تقول "غادة حرب": «مادة "الكورال" هي مادّة هامة جدّاً لطلاب المعهد، لأنه في الكورال يسمع أكثر من صوت في آن واحد ويجب على الطلاب أن يتحلوا بانسجام هارموني فيما بينهم، ويحتاج إلى كثير من التوافق والانسجام، وعن طريقها أيضاً يتعرف على قالب الريكوييم؛ اليوم يُقدم ريكوييم كامل من سبعة مقاطع، وكان عملنا في السنوات السابقة يقتصر على أعمال من مقطع واحد، ما يكسب الطلاب خبرة ممتازة».
والتقينا الموسيقي "أثيل حمدان" مدير المعهد العالي للموسيقا والذي حدّثنا عن الجديد في هذه الحفلة: «الحدث ليس بجدّته بمقدار ما هو استذكار دائم لمؤسسي المعهد "صلحي وسانثيا الواداي" الكبيرين اللذين لهما فضل كبير على الموسيقا السورية وأهم أعمدة الموسيقا الجادة السورية».
وأضاف "حمدان": «هذه الحفلة فريدة من نوعها، حيث يشارك كل طلاب المعهد ككورال مرافق لآلة "الأورغن"، كذلك أعتقد أنّه كأول مرّة تحدث في العالم أن يرافق التشيللو آلة الأورغن والكورال في عمل عظيم جداً اسمه "أفيه ماريا" أو "السلام عليك يا مريم" للمؤلف "كاتشيني"، كذلك قدمّنا ثلاثياً وترياً حيث اخترنا من أعمال صلحي الوادي مقطوعة، قدّمنا فيها حركة واحدة، ليكون ضمن برنامج الحفلة شيء من أعمال "صلحي الوادي"».
وعمّا يمكن أن تقدّمه هذه الحفلة لطلاب كورال المعهد العالي قال مدير المعهد العالي للموسيقا بدمشق: «القدّاس الجنائزي هو عمل صعب جدّاً لفورييه، سيكسب الطلاب خبرة جديدة، فهو عمل ضخم خلال ثلاثين دقيقة من غناء متواصل باللغة اللاتينية، ويرافقهم "أورغن" لأول مرّة، ، وهو ما سيمنحهم خبرة كبيرة».
وعن سبب تأخير العمل بقدّاس "فورييه" حتّى عام 2010 قال قائد كورال المعهد العالي للموسيقا "فيكتور بابينكو": «كان من المفترض أن يعرض القدّاس الجنائزي في حياة الأستاذ "صلحي الوادي"، لكنّه تأخر وكان هناك أسباب وظروف للتأخير، حيث لم يكن لدينا العدد الكافي من المغنين لنقدّم عملاً كهذا، لأن التوزيع الكورالي بالنوتات الستة لثمانية أصوات مختلفة يحتاج إلى عدد لا يقل عن ثمانين شخصاً حتى نحقق التوازن بين الأصوات وفي الموسيقا».
وأضاف "بابينكو": «ما حدث أنّ الأستاذ "صلحي" توفي في شهر أيلول، وحتى يكتمل التدريب على هذا العمل فإنّه يحتاج إلى تدريب من ستة إلى سبعة أشهر، ولا أعتقد أن الفكرة هي أننا قدمناه في هذا الوقت وليس ذاك، بل المهم ألا تنسى الناس ما قدّمه هذان الشخصان لسورية، لأن ما قدّماه للموسيقا في سورية هي ببساطة كلّ شيء».
وعن إحياء ذكرى "صلحي وسنثيا الوادي" قال "فيكتور بابينكو": «عندما يغادر الشخص الحياة يبدأ الآخرون بنسيانه- هذه هي الحياة- يجب أن يكون لدينا دائماً شيء سنوي يذكرنا بهؤلاء المبدعين، وإذا استطعنا أن نستمر بتقديم هذا الشيء بشكل سنوي عندها الناس لن تنسى هؤلاء الأشخاص لأننا إذا لم نتذكر من أسّس هذا الشيء فلن يكون هناك تطور نحو الامام، كذلك ممكن من خلال أداء هذه الأعمال بشكل سنوي أن تتطور الموسيقا الواقفة مع الثقافة في مكان واحد؛ علينا أن نعرف كيف كان يتم تطوير الموسيقا في السابق، عندها فقط سنعرف كيف من الممكن أن نتقدّم بالموسيقا نحو الأمام».
وعن مسيرة تطوّر الكورال السوري الذي أسسه "بابينكو" نفسه قال: «عندما أتيت لأول مرّة لم يكن هناك كورال في سورية، كان يوجد بعض الكورالات الصغيرة للموسيقا العربية وكانت تغنّي بصوت واحد فقط، ولم يكن هنالك كورال أطفال، الشيء الذي كان موجوداً وقتها كان من الصعب تسميته "كورال"، أقترح عليك الآن أن ترى ما لدينا من كورالات، هناك كورال "الحجرة" للمعهد العالي للموسيقا الذي يشهد باحترافيته كل أساتذة الموسيقا في العالم، كذلك جوقة "الفرح" أنظر إلى الحفلات السنوية التي تنظّم في أعياد الميلاد لهذه الجوقة، من الصعب أن يستطيع أحد ما الحصول على بطاقة لحضور هذه الحفلة، وعندما يكون هناك حاجة أنا أساعد كل الكورالات الموجودة».
وعن المعوقات التي تحد من تطور الكورال السوري قال "فيدينكو": «هناك الكثير من الأسباب، حتى يتطوّر الكورال الذي هو عبارة عن فنّ جماعي يشارك فيه الكثير من الأشخاص فأنت بحاجة إلى إعلان مدروس ليصبح الموضوع أكثر شعبية، ولكن للأسف إلى الآن لم يُعمل على هذا الموضوع، رغم أن هناك محاولات لنشر هذه الثقافة بالقدر المستطاع».
وفيما لو كان السبب في عدم كون الكورال شعبياً هو أن الأعمال التي تقدّم نخبوية، عارض "فيدينكو" الفكرة وقال: «كورال الحجرة لديه برنامج يقدم أعماله فقط بالموسيقا العربية ويغنون بأربعة أصوات ضمن توزيع خاص بهم، وفي كل الحفلات كان الناس يقفون في نهاية الحفلة ويصفقون لهم، وحتى يصبح العمل شعبياً يجب أن تقام الكثير من الحفلات وليس في دمشق فقط!، سافر الكورال مرّة إلى "أرمينيا" لمدّة سبعة أيّام أقاموا فيها ستّة حفلات، لكنهم لم يستطيعوا أن يسافروا إلى بلد آخر ويقيموا حفلات، هناك ضعف في التنسيق والتواصل الموسيقي مع الدول الأخرى على الرغم من أن كورال الحجرة هو أهم كورال موجود في المنطقة، لكن لم يساعدهم أحد للسفر وتمثيل سورية في الخارج».
بقي أن نذكر أن برنامج الحفل جاء كما يلي:
سيرج رخمانينوف، فوكاليز، صوت تشيللو: "أثيل حمدان"
صلحي الوادي، ثلاثية للبيانو والكمان والتشيللو، مقام صول مينور، كمان: "أوليانا غولينكوفا"، تشيللو: "أثيل حمدان"، بيانو: "يفغيني أفرامينكو".
موديست موسورسكي، إرتجال، أورغن: "يفغيني أفرامينكو".
م.دوروفل، توكاتا من السويت- مصنف رقم 5، أورغن: "يفغيني أفرامينكو".
د.كاتشيني، السلام عليك يا مريم (أفه ماريا)، تشيللو: "أثيل حمدان".
غابرييل فورييه، قدّاس جنائزي من مقام ري مينور، صولو: "باسل صالح" و"غادة حرب" و"جوزيف طرطريان".