بضع سنوات تمر سريعاً يقضيها الفنان في أكاديمية أو معهد لتدريس الفن، يحاول أن يكتسب خلالها خبرة وتقنيات عمل بها من هم أنضج وأوفر معرفة ورؤية بعقود، ثم تبدأ الجولة الحقيقية في البحث عن الذات واثبات وجودها ببصمة خاصة وتبني فكرة تمثل قيمة مضافة فكرياً وفنياً.
موقع "eSyria" حضر معرض الفنانة التشكيلية الشابة "بشرى مصطفى" التي بدأت للتو أولى خطواتها نحو ذاتها الفنية بإقامتها معرضها الفردي الأول، الذي ضم ما يقارب ثلاثين عملاً نحتياً أغلبها من مادة البرونز إضافة إلى لوحات غرافيكية حملتها أحاسيس مخلفة رغم وحدة موضوعها الفكري المحمل بالكثير من أعباء الروح البشرية وتخبطاتها، خلال جولتنا في معرض "مصطفى" الذي أقيم في صالة "رواق القشلة" للفنون التقينا من الحضور النحات "مصطفى علي" وحدثنا حول رأيه بالأعمال النحتية التي قدمتها الفنانة، قائلاً: «تقنية عمل "بشرى" لافتة خاصة لكونها شابة تطرح فنها باعتماد الفكر، حيث تتميز أعمالها بتبلور صياغتها المستوحاة من السلحفاة، فطرحت فكرة الولادة أو التخلص من شيء ما، كما أن منحوتاتها ذات وحدة متكاملة تدور حول موضوع واحد بأشكال وحجوم مختلفة، أما تقنياً وظفت مادة "البرونز" لتنفيذ معظم الأعمال، و"البرونز" من أنبل المواد المستخدمة للنحت، بذلك كانت تجربتها الأولى في إقامة معرض فردي مميزة وهامة».
تطرقت مؤخراً إلى الإنسان الذي يشبه السلحفاة بتقوقعه، فمواضيعي تعود إلى آلية حياتنا، وعلى الرغم من أني عملت على حالات إنسانية مختلفة بدت أكثر ميولاً إلى نقاط تعود بنا للشكل "السلحفاتي"
السلحفاة كان الموضوع الرئيسي الذي عملت عليه "بشرى" من خلال وضعيات وأشكال مختلفة، هنا يقول النحات "يامن يوسف" أثناء حضوره العرض: «إقامة "بشرى" معرضاً فردياً بالمستوى المتقدم الذي نراه اليوم وبعد تخرجها في الكلية بحوالي أربع سنوات يعد أمراً مهماً وقيماً، وهنا نلاحظ أنها حققت تطوراً ونضجاً ملموساً في أعمالها يعكس اشتغالها الجدي خاصة من خلال مفهوم اختيار موضوع محدد للعمل عليه، ومجموعة من الأفكار يربط بينها خيط فني مشترك».
عن القيمة الإنسانية التي اشتغلت عليها "بشرى" يقول الكاتب والصحفي "علي الكردي": «القيمة الإنسانية والعمل على الإنسان بوضعياته المختلفة مع تكسير وتشويه الجسد، هو تشويه للروح بشكل أو بآخر، وهي محاولة لمقاربة التشوهات أو شروخ الروح الداخلية، فهذا الإنسان بزمن الاستهلاك والعولمة تعرض لضغوطات شديدة وبحالات مختلفة، فنتلقى من أعمال الفنانة تعبيرات بأشكال مختلفة توحي بمكنونات الإنسان وليس مظهره الخارجي».
يضيف "علي الكردي": «يمتاز المعرض بهوية خاصة كون الفنانة عملت على الشكل بطريقة مدروسة، وبموضوع واحد ذو أنغام ومقامات مختلفة، فقدمت نفسها للمرة الأولى بأعمال غرافيكية ونحتية تدل على ثقة تبشر بتقديم عطاءات مستقبلية كثيرة ومستقبل واعد».
خلال لقائنا الفنانة "بشرى مصطفى" حدثتنا بداية عن الموضوع الذي اشتغلت عليه: «موضوعي الأساسي هو الإنسان، حيث طرحت حالة أميل لتجسيدها في الإنسان من خلال روح البشرية التي عاشت على الأرض آلاف السنين ومرت بكثير من الظروف الإنسانية والتاريخية والسياسية المختلفة، فأقارن بين الحالة الطبيعية التي ترغب أرواحنا بعيشها والاستمرار ضمنها، وبين الواقع الذي طوقها».
تتابع "مصطفى" مشيرة بيدها إلى مجموعة ثلاثية من منحوتاتها: «تطرقت مؤخراً إلى الإنسان الذي يشبه السلحفاة بتقوقعه، فمواضيعي تعود إلى آلية حياتنا، وعلى الرغم من أني عملت على حالات إنسانية مختلفة بدت أكثر ميولاً إلى نقاط تعود بنا للشكل "السلحفاتي"».
أما عن الناحية التقنية في أعمالها تقول الفنانة الشابة "بشرى مصطفى": «عملت على "الصلصال" لكونها مادة عضوية تمس موضوعي الإنساني، وانسجامي مع هذه المادة دعاني لاستخدامها دائماً، والفكرة من المنحوتة جسدتها بتكوين وتشكيل خاص بمضمونها، فوظفت عناصر مختلفة لأصنع عليها تشكيلي، كما انطلقت من تكوين الإنسان وكيفية العمل عليه بنسب كانت موجودة في الحضارات القديمة، هذه النسب التي تكنّ حالة من السخرية عندما تقصر وتختل، من جانب آخر عملت على لوحات بتقنيات "الحفر والطباعة" كمحاولة لتنفيذ "اسكيتشات" تجريبية تدور محاورها حول موضوع المنحوتات ذاته».