لعب البحر مع الجبل المحيطين بمدينة "جبلة" فأثمر ذاكرة مضمخة بالعبق، نسجت من خلالهما الأديبة "أنيسة عبود" شعرها ورواياتها وقصصها، وصاغتها بلغة مختلفة كونت لها فرادة على مستوى الطرح وفكرة الموضوع، تختار مواضيعها من تعب الناس وآلامهم وقد التقاها eLatakia حيث تحدثت عن الحالات الإبداعية التي كونت الشخصية الأدبية عندها، تقول:
«هي ليست حالات، هي محطات يمرّ بها الأديب فتكون شخصيته أو أسلوبه، قد تكون قراءاتي المبكرة للأدب وربما الاستماع إلى كبار السن في قريتي وخاصة أبي الذي كان يتلو علينا كل مساء القرآن الكريم والسيرة النبوية، وكتب التراث وحكايات ألف ليلة وليلة، لم يكن لدينا تلفزيون، كان لدينا "كومة" من الحكايات نسهر معها بالإضافة إلى وجود عدد من إخوتي يتعاطون الكتابة والرسم والموسيقا».
للكاتبة "أنيسة عبود" فرادة في اختيار المواضيع فهي تبحث خارج السرب، وتتحدث عن قضايا تهم مجتمعنا بكثير من الموضوعية والدقة وهي تؤسس لمرحلة جديدة من الحياة الأدبية في سورية
أما رأيها حول ما يطلق عليه مصطلح الرواية النسائية "الأدب النسائي" تتحدث قائلة:
«الرواية النسائية حتى الآن لم تكتسب شرعية التسمية حيث درجت العادة أن يضع كل أديب تعريفاً لها، وبالمناسبة هناك كتاب رجال يكتبون الرواية النسائية أكثر مما تكتبه المرأة، على كل حال هي مجرد تسميات فالأدب هو الأدب والإبداع لا يزداد تألقاً بجنس الكاتب كما أنه لا يقلل من أهميته، لكن ربما هناك بعض الفروق في الرؤيا العامة وفي تناول التفاصيل واللغة».
وعن الاختلاف بين ما يكتبه الأدباء تقول: «يتميز أدب كاتب عن آخر لأسباب كثيرة، منها الثقافة، العمق لمعة الخيال الصدق المعاناة، اللغة الخاصة وهناك عامل خفي قد لا نقدر على توصيفه حيث إن بعض الأعمال تشذ عن القاعدة، ولكنها تدخل القلب كاتباً من أول نظرة».
وعن تمازج الأدب واشتراكه بين دولة عربية وأخرى وعن وجه الاختلاف تحدثنا:
«الأدب العربي مشترك في همومه وأسلوبه لأن تراثنا واحد وثقافتنا واحدة، هناك بعض الاختلافات الجديدة التي نشأت بنشوء ظروف جديدة للمجتمعات العربية حيث تواجه كاتب الخليج هموم تختلف عن همومي بسبب البترول مثلاً».
وعن تفسيرها لإسقاط القارئ لأفكاره المسبقة التي تجمع بين البطلة في الرواية أو القصة وكاتبة النص: «دائماً القارئ يدمج بين بطلة العمل وكاتبة العمل، هذا صحيح، لأن الرجل يحب "التلصص" على المرأة، فكيف إذا كانت كاتبة، لأن المعتاد في الأدب هو أن الرجل يكتب تجاربه ويخوض بكل جرأة في يومياته، الآن صارت المرأة تتقصد أن تشد القارئ ليتلصص عليها فهي بذلك تمنح نفسها فرصة الجذب والتمكن من المتلقي عندما توهمه بأن النص نصّها، وأنها هي التي تركض في هذا النص الذي يتحول من الخيال إلى مادة ملموسة».
وإذا ما توقفنا عند أبطال كتاباتها.. فإلى أي مدى تشعر "عبود" بأنها تعبر عن هواجس المرأة أو همومها: «أبطالي ليسوا نساء وليسوا رجالاً، إنهم الاثنان معاً لأن الحياة رجل وامرأة وفي الحقيقة أنا لم أصنف أبداً بأني كاتبة المرأة، هناك كثيرات يتولين ذلك، يدافعن عن المرأة ولا يجدن أمامهن إلا موضوع المرأة، وجسد المرأة، ورغبات المرأة وأعتقد أن هذه النوعية من النساء هي الأكثر عداوة للمرأة في الحياة العادية».
وللنقد حالة مهمة في عالم الأدب ولها رأي خاص به: «النقد غائب، وأنا أقبله إذا كان من ناقد لديه مشروع، ونقداً لا يأتي من نظريات غريبة حفظها ليطبقها على كل نصّ يقرؤه، مع ذلك تجاوزت عصا النقاد منذ زمن، وأتمنى أن يتطور النقد العربي ويواكب الأدب العربي وتطوره».
وللكاتبة "أنيسة عبود" تأثير واضح على جيل الكتاب الشباب كما علمنا من بعضهم ومنهم القاصة "ليلى العمر" من "الحسكة" التي حدثتنا قائلة:
«عندما تعرفت إلى النسج الأدبي الذي تكتبه الأديبة الكبيرة أحسست بأنها منبع ليستوحي ويتعلم منها الأدباء الشباب، وهذا ما حدث حيث تطور أدبي من خلال ما قرأته لها من مجموعات قصصية وروايات».
أما "إيليا بركة" وهو مهتم بالشأن الثقافي فيقول: «للكاتبة "أنيسة عبود" فرادة في اختيار المواضيع فهي تبحث خارج السرب، وتتحدث عن قضايا تهم مجتمعنا بكثير من الموضوعية والدقة وهي تؤسس لمرحلة جديدة من الحياة الأدبية في سورية».
والجدير بالذكر أن الأديبة "أنيسة عبود" من مدينة "جبلة" التابعة لمحافظة "اللاذقية"، درست الهندسة الزراعية، وهي عضو في جمعية القصة والرواية السورية، حائزة على جائزة المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة عن رواية "النعنع البري"، وجائزة القصة القصيرة في سورية عن اتحاد الكتاب العرب، ترجمت أعمالها إلى الإيطالية والإنكليزية ومن أهم أعمالها في الرواية "النعنع البري" وفي مجال القصة القصيرة "حين تنزع الأقنعة" و"حريق في سنابل الذاكرة" و"غسق الأكاسيا" و"تفاصيل أخرى للعشق" وفي الشعر "مشكاة الكلام" و"قميص الأسئلة" وتنشر في الصحف السورية والمواقع الالكترونية.