تأتي مدينة "حلب" في طليعة المدن العربية والإسلامية من حيث عدد مساجدها ومدارسها الدينية التي تعود إلى مختلف العصور التاريخية وهي تدل على براعة في الهندسة العمرانية وعلى فنية عالية في رسم النقوش والزخارف حتى أصبحت بحق متاحف إسلامية تضم في جنباتها تراثنا العربي والإسلامي الغني، ومن هذه الجوامع الجميلة "جامع البهرمية".
حول هذا الجامع الشهير في مدينة "حلب" يقول الأستاذ "حسن بيضة" مؤلف كتاب /"حلب" بحوث وأعلام/ لموقع eAleppo: «يقع "جامع البهرمية" بالقرب من "باب إنطاكية" وقد أنشأه "بهرام باشا" والي "حلب" خلال الحكم العثماني وذلك في العام 988 هجرية 1580 ميلادية، توجد فيه قبور بعض الصالحين كما في الكثير من مساجد "حلب"».
يقع "جامع البهرمية" بالقرب من "باب إنطاكية" وقد أنشأه "بهرام باشا" والي "حلب" خلال الحكم العثماني وذلك في العام 988 هجرية 1580 ميلادية، توجد فيه قبور بعض الصالحين كما في الكثير من مساجد "حلب"
ويضيف: «عندما تدخل من "باب إنطاكية" إلى المدينة القديمة وقبل وصولك إلى "سوق السقطية" تكون أمام باب الجامع حيث تطالعك عظمة مدخله ببهائه القوي، وتتخطى ذلك إلى صحن المكان المتسع فتطالعك نفحات التقوى من الجمال والجلال وقبته العظيمة التي تخلد أجدادنا، وعندما تدخل المسجد تجد الشبابيك المفتوحة على الحديقة التي تذكّرنا بجنات الخلد التي وُعد بها المتقون ومن ثم تقف أمام المحراب الفاتن والذي يتميز بدقة الصنع وجمال الألوان والزخرفة التي تتموج فيها أجمل الأشكال الهندسية حتى أصبح الجامع متحفاً للفن الإسلامي كغيره من المساجد الزاخرة بصنوف التحف حيث الخطوط النادرة والنقوش الرائعة وفن بناء أخّاذ».
ويقول الدكتور "محمود حريتاني" المدير السابق لآثار ومتاحف "سورية" الشمالية: «عندما أنشأ "بهرام باشا" "جامع البهرمية" في رأس "درب السبيعي" في العام 1580 ميلادية وكانت حينها من أجمل جوامع مدينة "حلب" فقد الدرب اسمه وصار الدرب يُدعى "درب البهرمية" أو "زقاق البهرمية" نسبة للجامع وبقي الاسم شائعاً حتى قام "أحمد أفندي بن طه أفندي زادة" الملقب بالجلبي ببناء "مدرسة الأحمدية" في العام 1723 ميلادية حيث نسي الناس اسم "درب البهرمية" وأطلقوا عليه "درب بني الجلبي"».
أما المؤرخ الحلبي الشهير الشيخ "كامل الغزي" 1853 -1933م فيقول في كتابه /نهر الذهب في تاريخ "حلب"/ حول أوصاف الجامع وأقسامه: «أنشاه "بهرام باشا ابن مصطفى ابن عبد المعين" وقال في كتاب وقفه ما ملخصه أنه وقف جميع المكان المعروف به والكائن في "حي الجلوم" بـ"حلب" المشتمل على أربعة جدران محيطة به مبنية بالحجارة النحيت وعلى صحن مفروش بالبلاط الأصفر طوله /الجامع/ من القبلة إلى الشمال 19ع وعرضه 50ع* وبه حوض ماء كبير مبني من الرخام بالرخام الأصفر ويعلوه قبة معقودة بالقرميد».
ويضيف "الغزي": «يصل إليه الماء من قناة "حلب" في كيزان من الفخار ببطن الأرض بحق معلوم على الدوام والاستمرار وبالوعة واصلة إلى الهارب الكبير وجب ماء معين، يشتمل -الجامع-على قبلية كبيرة مفروشة بالبلاط بقبة محمولة على ثمان قناطر من الحجر النحيت وتحتها اثنا عشر إيواناً صغيراً بأربعة عشر شباكاً من الحديد مشرفات على جنينة مختصة به ذات أشجار متنوعة وفيها -أي القبلية- حجرتان أحدهما على يمين الداخل لوضع البسط والطنافس والأخرى لوضع القناديل وباقي لوازم التنوير وبصدرها إيوان معقود بخمس قناطر صغار على عواميد من الرخام وبصدره محراب مبني بأنواع الرخام الملون وعلى يمينه منبر مبني بالرخام الأبيض وجوانبه بالفصوص الملونة.
تجاه المحراب سدة على عواميد من الرخام للمؤذنين يُصعد منها بدرج إلى إيوان شمالي فوقاني للمصلين، ومنارة عالية مختصة بهذا الجامع حده قبلة مستشفى "نور الدين الشهيد" وتمامه بـ "دار المرعشي القلعي" وشرقاً طريق سالك وإليه الباب الشرقي وشمالاً "سوق الواقف" وإليه الباب الشمالي وغرباً زقاق نافذ يعرف بـ "زقاق السودان"».
وأخيرا يقول "حريتاني": «لقد حدث في الجامع بعض التغيرات منها المنارة فإنها انهدمت وجددت سنة 1111 هجرية كما تدل عليه أبيات منقوشة على بابها وقد اشتمل كل شطر منها على تاريخ وهي لـ"يحيى الحلبي العقاد" ومطلعها:
قامت فصادمها السحاب بمره/ وسمت بقد قد كل مشاد.
والمنارة مدورة الشكل على نسق منارات جوامع الروم ويبلغ ارتفاعها عن سطح الصحن 45 ع تقريباً ومنها قبة القبلية فإنها انهدمت وأُعيدت قبة صغيرة مشادة على عضادتين ومنها الحوض في صحن الجامع فإنّه في حدود سنة 1300 هجرية هدم وأعيد حوضاً مكشوفاً مربعاً يبلغ 11 ع في مثلها في عمق ذراع تقريباً».
أما "محمد راغب الطباخ" 1877 -1951م فيقول في الجزء الثالث من كتابه /إعلام النبلاء بتاريخ "حلب" الشهباء/ حول الجامع: «في سنة 988 هجرية ولي "حلب" "بهرام باشا وهو ابن مصطفى باشا ابن عبد المعين" ومن آثاره الجامع العظيم المشهور بـ "البهرامية" في "محلة الجلوم" في مدينة "حلب"، قبليته ذات قبة عظيمة وتحتها اثنا عشر إيواناً صغيرا بأربعة عشر شباكاً مشرفاً على جنينة وقد أبدع معمارها ما شاء أبدع في محراب القبلية وبابها وباب الجامع الشمالي ويروقك النظر إليهم لما فيهم من الزخرفة وبين القبلية وصحن الجامع رواق عظيم البنيان ذو أعمدة ضخمة وفي يمينه إيوان صغير ومنه يُصعد إلى منارة الجامع وهي مرتفعة جداً وتعد من المنارات العظيمة التي في "حلب" وكانت قد سقطت فأعيدت 1111 هجرية.
في زلزلة سنة 1237 هجرية وقعت القبة وبقيت خراباً نحو أربعين سنة لعدم وجود غلة في الوقف ثم بيع ما كان في القبة من الرصاص وبنيت القبة بثمنه وأعيدت كما كانت، وقد عمر الواقف في مدخل باب الجامع الشمالي سبيل ماء وفي غربه مكتباً للأيتام يصعد إليه بدرج».