للحِكم والأمثال حضور قوي في الحياة اليومية للمجتمع الحلبي سواء في الريف أو المدينة، ويعتبر الكثيرون أنّ استخدام مثل شعبي دارج وشائع في مكانه المناسب خلال الحديث يعطيه درجة عالية من الجمالية والمتعة والإقناع فصحيح أنّ الأمثال تتألف من كلمات قليلة ولكنها تشكل ملخصاً لتجربة حياتية طويلة.
حول الأمثال ودورها الاجتماعي في الريف الحلبي يقول المعمّر "عبدو إيبو" 81 سنة لموقع eAleppo: «لقد تعودنا نحن أهل الريف على استخدام الأمثال الشعبية في أحاديثنا والتي تعتبر بمثابة المفتاح للكلام الجميل والحديث المقنع وذلك منذ مئات وربما آلاف السنين، فالأمثال الشعبية تشكل جزءاً هاماً من موروثنا التراثي والثقافي وتشكل عصارة مراحل طويلة من الخبرة والتجربة التي عاشها الناس جيلاً بعد جيل».
لا شيء يقدم للقارئ فكرة عن عقلية الفرد الحلبي خاصة وابن سورية الشمالية عامة مثل التعرّف على الأمثال الدراجة المحلية التي هي عصارة تجارب قرون عديدة من الزمن بحلوها ومرّها
وحول أهمية الأمثال وفائدتها للناس يقول "إيبو": «لقد ذكرت بأنّ الأمثال الشعبية هي تجميل وإقناع للحديث وإمتاع للسامع، طبعاً هذا من الناحية الشكلية ولكن بالنسبة لأهمية الأمثال الأساسية ومن حيث مضمونها فتكمن في أنها تمنح الناس العبرة والنصيحة وخلاصة التجربة الطويلة وبالتالي تعطيه النتائج المعروفة والمتوقعة بسبب المرور في نفس المواقف المتشابهة عدة مرات وهنا يأتي المثل الشعبي ناصحاً مثل: /اشتغل بلاش ولا تقعد/ كتشجيع على العمل ونصيحة للكسالى بأنّ نهايتهم وخيمة إذا جلسوا دون عمل، وأيضاً /اربط حمارك جيداً وتوكل على الله/ هنا المثل يحض على الحرص ويحارب الإهمال والتواكل و/الدجاجة تشرب وتنظر للسماء/ وهو ينصح الناس بخشية الله وشكره وهكذا».
ويقول السيد "مصطفى إبراهيم" 63 سنة عن أنواع الأمثال الشعبية بحسب خبرته الحياتية في الريف: «الأمثال متنوعة وهي تعالج مختلف مجالات الحياة البشرية وباعتبار أنّ حياة الإنسان غير منفصلة فلا يخلو أي جانب من جوانب حياة الناس إلا وقد اختصرتها الأمثال الشعبية في بضعة كلمات ومن هذه الجوانب المهمة في حياة الإنسان الجانب التربوي والأخلاقي حيث توجد حزمة كبيرة من الأمثال تشجع على التمتع بالأخلاق العالية والتربية الصالحة وتنهي عن السيئات والفواحش مثل: /كن ديكاً ليوم ولا تكن دجاجة لسنة/ وهو تشجيع على التمتع بصفة الشجاعة والعزة و/كلمة نظيفة أحسن من جريدة وسخة/ لمحاربة الكلام الكثير والذي يخلو من الفائدة و/ يلّي بفضي زمبيلو أنا بعبيلو/ فاقد الكرامة يتعرض لاعتداءات الآخرين، طبعاً الأمثال كثيرة جداً وهي تحتاج إلى أيام وليالي لذكر جميعها».
وحول مؤلف هذه الأمثال تاريخياً يقول "مصطفى": «هذه الأمثال تنتقل تاريخياً من جيل إلى جيل وبشكل شفهي دون القدرة على معرفة وتحديد أول من نطقها وهي بالتالي ملك لجميع الناس باعتبارها جزءاً من التراث والفلكلور الشعبيين في كل منطقة من مناطق القطر العربي السوري».
وحول الأمثال الشعبية الحلبية يقول الأستاذ "محمد حسن عبد المحسن" في كتابه /الأدب الشعبي في "حلب"– دراسة وتحليل/ منشورات وزارة الثقافة السورية 1994 مبتدئاً حديثه بتعريف المثل: «المثل لون أدبي معبر طريف المنحى عظيم الفائدة يلخص تجربة إنسانية ويتردد على ألسنة الناس، على أن شعبية المثل مكنته من احتلال موقع جليل في نفس قائله وسامعه وجعلت له مكان الصدارة من حيث الأهمية والتأثير بين سائر فنون القول الشعبية».
ويضيف: «الأمثال الحلبية كثيرة لا تُحصى فما من مناسبة إلا وهناك مثل ينطبق عليها وإن كان الباعث الأصلي على قول الأمثال هو كونها خلاصة لتجربة عملية أو نتيجة لحادث اجتماعي أو لعادة ألفوها أو لعقيدة آمنوا بها أو لخرافة صدقوها فذلك شأن الحلبيين في أمثالهم».
وحول خصائص الأمثال الشعبية الحلبية يقول: «إن كانت الأمثال الحلبية حِكماً شعبية شفهية مجهولة القائل فهي واسعة الانتشار بين عامة الحلبيين وخاصتهم أقرّتها مجموعتهم وتداولوها فيما بينهم ويعود سر ذيوعها وانتشارها إلى جملة خصائص امتازت بها وأهمها: أصالتها، فالكثير من الأمثال الحلبية قديمة الجذور وعربية المنشأ مع أنها ليست بلفظها الفصيح إنما طرأ بعض التعديل أو التحريف في معانيها وألفاظها وأسباب قولها عن أصلها العربي ولعل البعد الزماني سر ذلك الاختلاف، وتبدو الأصالة بوضوح حين ندرك كثرة الأمثال الشعبية التي تجري على ألسنة الحلبيين وقد أخذوها بلفظها أو بمعانيها من الدين الإسلامي الحنيف كالمثل /الموت حق والورتة حلال/ أو من الأدب العربي القديم كالمثل /الولد قطعة من الكبد/ المأخوذ من قول الشاعر "حطان بن المعلّى":
وإنما أولادنا بيننا / أكبادنا تمشي على الارض».
ويضيف: «ومن خصائص الأمثال الحلبية واقعيتها، حيث تمتاز الأمثال الشعبية الحلبية بواقعيتها التي أكسبتها السيرورة فيما بينهم فهم يحفظونها بسهولة ويسر وتدور على ألسنتهم بسرعة مثل :/الليرة زغيرة بس بتعد كتير/ وذلك لأنّ معظمهم تجار وعملهم مرتبط بالنقود و/ القهوة المرة بهارا نار/، كما تمتاز الأمثال الحلبية ببلاغتها أي بإيجاز اللفظ وتركيزه وبإصابة المعنى ودقته وبُعد مغزاه أي تعبّر عن المعنى باللفظ القليل على طريقة خير الكلام ما قل ودل مثل: /خيرا بغيرا/ و/السكوت رضا/ و/الدفا عفا/، ومن خصائصها أيضاً موسيقيتها حيث لا تخلو أمثال الحلبيين من الرشاقة اللفظية ففيها جرس موسيقي وتناغم بين الألفاظ وتناسق بين الجمل وتجانس بين الأحرف وتأتي موسيقيتها باعتمادها على السجع والفواصل مثل: /يا كحلا من تُمك أحلى/، ويحافظ الحلبيون على السجع غالباً سواء أقصرت الجمل أو طالت مثل: /لوقت ما يجي الترياق من العراق بكون حبيب الهوى بالفراق/.
وتعتمد الأمثال الحلبية على المفارقات أو المقابلات أو الترادف، فجرياً على طريقة بضدها تتميّز الأشياء اعتمدت الأمثال الحلبية أسلوب المفارقة وذلك إما لغرض السخرية والتهكم من وضع غير طبيعي مثل: /إذا تزاحمت الأقدام الأعرج بمشي قدام/، أما في المقابلة فتزداد الأمور وضوحاً مثل: / شغلتين ما بنحس عليهن: تعريص الأكابر وموت الفقير/ و/ راح الكتير وبقي القليل/، وكذلك الترادف حيث يؤيدون به ما يريدون ضمن المثل الواحد مثل: /النار فاكهة الشتا والما يصدق يصطلي، والجوخ ملبوس الأمارة والما يصدق يشتري/، وأخيراً تتميز الأمثال الحلبية بمرحها حيث يميل الحلبيون إلى المرح وتسري في أحاديثهم روح الدعابة والنكت مثل : /قالوا لجحا: بتموت ولا بتعرّص؟ قاللن: الحي أفضل من الميّت/».
أما الدكتور "عبد الرحمن حميدة" فيتحدث في كتابه /محافظة "حلب"/- منشورات وزارة الثقافة السورية 1992 عن الأمثال والحكم الشعبية في محافظة "حلب" قائلاً: «لا شيء يقدم للقارئ فكرة عن عقلية الفرد الحلبي خاصة وابن سورية الشمالية عامة مثل التعرّف على الأمثال الدراجة المحلية التي هي عصارة تجارب قرون عديدة من الزمن بحلوها ومرّها».
ويضيف متحدثاً عن أهم المواضع التي قيلت فيها الأمثال الشعبية الحلبية بالقول: «لقد قيلت الكثير من الأمثال الحلبية في مواضيع مختلفة ومنها، الثقة بالله مثل: / الله حبلو طويل/ و/ الله ما بنسى الدود في الحجر الجلمود/ و/ تجوّز فقير والله بيعطي كتير/، في القضاء والقدر والحظ مثل: / المكتوب ما منه مهروب/ و/ أبشع من القرد ما مسخ الله/ و/ عمر عطيني وبالجب ارميني/، في الجهد الشخصي مثل: / أعرج حلب وصل للهند/ و/ الكسل ما بتعطمي عسل/ و/ أصلك فعلك يا سفرجل/ و/ اللي بتطبخ منه بتاكل منه/».
«وفي الحياة العملية والتبصر قيلت الكثير من الأمثال منها: /المتعلم التنبل متل الغيمة بلا مطر/ و/ الرجال الرخو متل حبل الغسيل/ و/ الرمد خير من العمى/ و/ إذا كان حبيبك عسل لا تلحسو كلو/ و/ اقلب الجرة على تمّا البنت بتطلع لأما/ وغيرها الكثير، وفي الفصول والأنواء قيل: / ما بين تشرين وتشرين صيف تاني/ و/ تموز الهاوي وآب الشاوي/ و/ أيلول دنبو مبلول/ و/ الشتا شدة ولو كان رخا/ وغيرها».
ويختم: «في الطعام هناك الكثير من الأمثال مثل: / أيام البطيخ مافي طبيخ/ و/ البيضة بتبيض الوجّ/ و/ المعلاق حتى يحرق واللحم حتى يعرق/، وفي الصحة والسعادة والتعامل: قيل:/ ألف ليلة بالكدر ولا ليلة تحت الحجر/ و/ الموت بقطف الزهرات وبخلي الوسخات/ و/ الزنكين عيونو سود والفقير عيوبه سود/ و/ اللي عندو مال بخطب بنت السلطان/ و/ ميت قلبة ولا غلبة/ و/ طعمي التم بتستحي العين/ و/ العنزة الجربا ما بتشرب إلا من راس العين/ و/ الحق البوم بدلك عالخراب/ و/ تجوّزوا يا فقرا كي تكثروا الشحادين/».