لم تقتصر "دار الأسد للثقافة والفنون" على دورها الرائد في مجال رعاية "الفنون" المسرحية والموسيقية المختلفة، وتقديم هذه الفنون بشكل يليق بالمواطن الراغب بتنمية مدركاته الثقافية والفنية المختلفة، بل تعدت "دار الأسد" –هذا العام- دورها الثقافي الرائد، وقدمت نموذجاً يحتذى به، عندما اتجهت إلى كوادرها البشرية العاملة وعملت على رفع مستواهم العلمي والدراسي.
"دار الأسد" ممثلةً بمديرتها الدكتورة "حنان قصاب حسن" قدمت فرصة غالية لموظفي وموظفات الدار الراغبين بالحصول على "الشهادة الإعدادية"، عندما ساعدتهم على تأمين متطلبات هذه الشهادة من وقتٍ وكتبٍ وحتى مدرسين مختصين بالمواد الدراسية، وكان الموظفون بدورهم على قدر المسؤولية واستطاع جلهم الحصول على الشهادة، -والبعض منهم بدرجاتٍ عالية-.
بالرغم من غرابة هذه التجربة وصعوبتها، إلا أنني عايشت تجربة ناجحة مماثلة عندما كنت شابة، وكانت تلك التجربة مع والدي الذي لم تساعده ظروفه في إتمام تحصيله الدراسي عندما كان صغيراً، ولكن طموحه بقي موجوداً، واستطاع بلوغه في عمر /41/، عندما حصل على "الشهادة الإعدادية" في الوقت الذي كنت أدرس فيه أنا "الشهادة الثانوية". ونظراً لأهمية هذه التجربة وعمق أثرها على الموظفين، أتمنى أن تطبق مع أشخاص جدد، كما أرجو أن تمتد إلى مؤسسات وجهات الرسمية أخرى
"دار الأسد" كرمت الناجحين في اليوم التالي لصدور نتائج "الشهادة الإعدادية"، واستقبلتهم الدكتورة "حنان" في مكتبها ومنحتهم "شهادات تكريم"، موقع "eSyria" حضر جلسة التكريم التي جرت بتاريخ 29/7/2010، والتقى مع السيدة "سمية غزال" – إحدى موظفات الدار-/39/ عاماً، والتي استطاعت بعد انقطاع عن الدراسة امتد /26/ عاماً، أن تحصل على الشهادة الإعدادية وتحصل على /160/ درجة، وقد تحدثت لموقع "eSyria" عن أسباب هذا النجاح بقولها:
«في الحقيقة يعود الفضل في حصولي على الشهادة إلى الدكتورة "حنان" – مديرة الدار-، التي منحتنا هذه الفرصة، وقدمت كل المحفزات المتاحة لنحصل على النجاح، فقدمت لنا كتبً وأحضرت كادراً يتألف من خمسة مدرسين مختصين في المواد الدراسية، يأتون إلى الدار ستة أيام في الأسبوع، ويعطونا حصص دراسية تصل إلى أربع ساعات يومياً، وقد أعفتنا الدكتورة "حنان" من العمل خلال الحصص الدراسية التي تبدأ من الساعة العاشرة صباحاً وحتى الثانية ظهراً، لمدة ثلاثة أشهر، بدأت منذ شهر آذار وحتى نهاية أيام الامتحان.
أما عن نفسي، فقد كان التحدي كبيراً، وكان لابد لي من الحصول على الشهادة لعدة أسباب، أولها أنه كان يحز بنفسي وأنا أم لخمسة أبناء، أن يسألني طفلي سؤالاً بسيطاً في دراسته ولا أستطيع الإجابة عليه، كما أن الدار كانت بصدد تثبيت الموظفين المتعاقدين معها، ولا يستطيع العامل الذي لا يملك "شهادة التعليم الأساسي" أن يثبت عقده، وهذا الأمر كان يهيمن على تفكير الموظفين الذين لا يحملون هذه الشهادة.
وأحب الإشارة هنا إلى أنني حظيت بمساعدة وتشجيع من قبل زوجي وأبنائي ومن الجو المحيط، والطريف أن ابنتي الصغيرة كانت تراجع لي بعض المواد».
أما السيد "أحمد المنصور" فتحدث عن التحديات التي واجهها بقوله: «لا يوجد أحد لا يحب العلم، ولكن ظروف الإنسان في لحظات معينة لا تساعده على إكمال تحصيله الدراسي، ونشكر مديرة الدار التي آمنت بقدرتنا على النجاح، بالرغم من وجود بعض النظرات السلبية المشككة بجدية ما كنا نقوم به.
أما عن التحديات فتتمثل بالوقت والتعب خاصة أنني أعمل في مكانين مختلفين، فكنت أذهب إلى الدار – مكان عملي الأول- في /7/ صباحاً إلى /3/ ظهراً، متضمنةً أربع ساعات دراسية برفقة المدرسين، أذهب بعدها للاستراحة حتى الساعة /5/ عصراً، حيث يبدأ توقيت عملي الثاني الذي يمتد إلى /9/ مساءً، وبعدها أدرس في المنزل لمدة ساعتان، وأخلد إلى النوم بانتظار يومي الجديد، ولكن هذا التعب لم يذهب أرضاً، والجهد الذي بذلته أثمر شهادةً وتكريماً من قبل مديرة الدار».
تقدم للامتحان النهائي /17/ موظفاً من الدار، استطاع /15/ موظفاً – بينهم امرأة وحيدة هي السيدة "سمية"- الحصول على النجاح، بالرغم من أن تحضيرهم لم يتجاوز أشهراً ثلاثة، وهذا يعزى إلى عدة أمور لعل أهمها إيمان الإدارة والموظفين بقدراتهم على نيل الشهادة، والاعتماد على كادر مختص من المدرسين، استطاعوا كسر الحواجز التي تمنع هؤلاء الموظفين من تحقيق ما يريدون، موقع "eSyria" التقى المدرسة القديرة "إلهام الحاج حسين" –المديرة السابقة لمدرسة "عبد القادر مبارك" في "حي المزة"- والتي أشرفت على تدريس وإدارة الكادر التدريسي للموظفين، حيث بدأت بقولها:
«اعتقد أن هذه التجربة كانت من أغنى التجارب التي مررت بها في حياتي على صعيد التعليم، فالمؤشرات التي بدأنا بها كانت لا تشجع، والرهان كان كبيراً، ولكن النتيجة كانت مرضية في المقابل، أما عن الفكرة، فبدأت عندما استدعتني الدكتورة "حنان" للاستشارة حول أفضل آلية يمكن اعتمادها مع عدد من العاملين في الدار يرغبون في نيل الشهادة الإعدادية، وبعد التشاور كان الخيار هو تدريس الطلاب في الدار نظراً لصعوبة انسجامهم في أي مدرسة أو معهد خاص، خاصة إذا نظرنا إلى تأخر أعمارهم، فبعضهم كان يبلغ من العمر /30/ عاماً، وبعضهم وصل إلى /40/، وفعلاً قامت الدكتورة "حنان" – مشكورةً- بشراء كتب، واستعنا بعدد من المدرسين المختصين، بعد أن وجدنا أن معلوماتهم ضعيفة ومستواهم العلمي متواضع.
فتم تقسيمهم إلى ثلاث فئات، جيدة، متوسطة، وضعيفة، وقمت أنا بتدريسهم "مادة العلوم العامة" متضمنة مادتي "الفيزياء" و"الكيماء"، ومادة "الاجتماعيات"، وقامت أختي الآنسة "غادة الحاج حسين" بتدريس مادة "اللغة العربية"، أما "اللغة الفرنسية" فكانت مع الآنسة "براءة سيد سليمان"، بينما كانت "اللغة الفرنسية" مع الآنسة "صفاء"، وأخيراً تم تدريس "مادة الرياضيات" مع الآنسة "علا بصيري"، والحقيقة أن هؤلاء المدرسين قاموا بجهد كبير، ومضاعف بالنظر إلى أن معلومات الطلاب التي كانت جد ضعيفة، لكن في المقابل كان لدى الطلاب رغبة وحماس كبيران، وتشجيع وتحفيز من قبل الإدارة».
وتضيف السيدة "إلهام": «بالرغم من غرابة هذه التجربة وصعوبتها، إلا أنني عايشت تجربة ناجحة مماثلة عندما كنت شابة، وكانت تلك التجربة مع والدي الذي لم تساعده ظروفه في إتمام تحصيله الدراسي عندما كان صغيراً، ولكن طموحه بقي موجوداً، واستطاع بلوغه في عمر /41/، عندما حصل على "الشهادة الإعدادية" في الوقت الذي كنت أدرس فيه أنا "الشهادة الثانوية".
ونظراً لأهمية هذه التجربة وعمق أثرها على الموظفين، أتمنى أن تطبق مع أشخاص جدد، كما أرجو أن تمتد إلى مؤسسات وجهات الرسمية أخرى».
الدكتورة "حنان قصاب حسن" مديرة "دار الأسد للثقافة والفنون" وصاحبة الفضل الأول في ولادة هذه البادرة، تحدثت لموقع "eSyria" عن سعادتها بإنجاز الذي حققه الناجحون، ووضعت هذه البادرة ضمن الجهود التي تقوم بها "دار الأسد" لتدريب وتطوير الكوادر العاملة فيها، وأضافت بقولها: «وجدت خلال لقائي مع الموظفين في الدار، أن لدى بعضهم تخوف من موضوع "التثبيت الوظيفي"، وخاصة بالنسبة للموظفين الذين لا يملكون "شهادة التعليم الأساسي"، بالرغم من خبرتهم الفنية والتقنية الجيدة، وكذلك لدى معظمهم الأقدمية في الدار، فولدت الفكرة التي سعيت من خلالها لتأمين كل ما يساعدهم للحصول على هذه الشهادة، سواءٌ من وقتٍ أوكتبٍ أودعمٍ نفسي.
وقمنا بالاستعانة بخبرة السيدة "إلهام" التي أشارت إلى ضرورة وجود كادر تدريسي مختص، وهذا ما حصل، والنتيجة التي نراها اليوم، شجعتنا على القيام بمبادرات جديدة تساهم في رفع مستوى العاملين في الدار، ليس على الصعيد العلمي فحسب وإنما على مختلف الأصعدة، كالتجربة التي ننوي القيام بها مع التقنيين –العام المقبل-، والتي نستهدف من خلالها زيادة القدرة الفنية للعمال التقنيين وتعريفهم بتقنيات صوتية حديثة موجودة للاستفادة منها في عروض "الدار"».