يقع "قصر جنبلاط" بالقرب من المحور الرئيسي للمرور والفعاليات الذي يبدأ من "باب النصر" باتجاه مركز المدينة وذلك على بعد مئة متر في جهته الغربية وهو كغيره من الأبنية والقصور التي تعود إلى العصر العثماني يقع بعيداً عن الأماكن العامة، وبخلاف الأبنية التي تعود إلى الفترات السابقة للعثمانيين فقد بقيت الأبنية العثمانية وتمت صيانتها حتى غزت الحداثة مدينة "حلب".
لمعرفة المزيد حول هذا القصر وتاريخه التقى موقع eAleppo الدكتورة "لمياء الجاسر"* التي تحدثت عنه قائلة: «تعود "دار جنبلاط" إلى "جان بلاط بك" ابن الأمير "قاسم الكردي القصيري" المشهور بابن عربو أمير لواء أكراد "حلب" وكان محلها بحسب ما يقوله المؤرخ الحلبي الشيخ "كامل الغزي" هو دور "بني الأصبع" فاشتراها "الجانبلاط" وعمّرها داراً واحدة حيث انفق عليها في ذلك الوقت ألف ذهبة. وقد آلت الدار إلى الشيخ "حسن أفندي الكواكبي" مفتي "حلب" سنة 1229 هجرية فوقفها على ذريته ثم توفي عن الشريفة "هبة الله" فآل إلى ولدها الحاج "حسن بك بن مصطفى بك إبراهيم زاده" ومنه إلى أولاده وأحفاده وقد تم وهب 15% منها إلى الأوقاف.
يمتاز بناء القصر باحتوائه على أكبر إيوان في "حلب" ويعادل في ارتفاعه بناية بأربع طبقات مع بركة ماء عظيمة وقد ملأت الزخارف البديعة جدرانه وكذلك قطع القاشاني التي غطت كامل جدران الإيوان العالي
وذكر "الشيخ الغزي" أيضاً ضمن أحداث العام 1337 هجرية 1918 ميلادية ذهابه مع الجنرال الفرنسي "اللنبي" إلى "دار جنبلاط" وقد سُرّ الجنرال بمشاهدة الإيوان سروراً زائداً، وذكر أيضاً رؤيته حجر من سلسبيل مدفون بعضها في الأرض فيها من بدائع الصنعة ما يشهد للماضين بإتقان النقوش ومهارة الهندسة المعمارية وقد طلب بعض الآثاريين الغربيين شراء هذه الحجرة من أهل الدار ودفعوا ثمنها مئة ذهب عثمانية فلم يبيعوها».
وأضافت د."لمياء": «هذه الدار واسعة الصحن جداً وفيها حديقة وحوض كبير يقول عنه المؤرخ "راغب الطباخ" بأنه أكبر حوض في دور "حلب" وتحته صهريج على قدر الحوض، وهناك إيوان عظيم الارتفاع وصدر هذا الإيوان جميعه مبلط بالقاشاني».
وأخيراً قالت: «في صدر إيوان واقع في الجهة الشمالية من الباحة يوجد تجويف كان يضم سلسبيلاً كُسيت واجهته ببلاطات القيشاني وهي مماثلة للبلاطات الموجودة في هذا الإيوان وقد تم نقله إلى حديقة المتحف الوطني بحلب ونُسب هذا السلسبيل في سجلات مديرية الآثار خطأً إلى "المدرسة الكواكبية" كما نسبته المراجع خطأً أيضاً إلى "قسطل الرمضانية" وقد أجريتُ بحثاً عن هذا السلسبيل الموجود حالياً في حديقة المتحف الوطني بحلب تمكنت من خلاله إثبات نسبة السلسبيل إلى "دار جنبلاط"».
ويقول المهندس "عبد الله حجار" عن القصر: «ينسب هذا القصر إلى "جانبلاط" أو "جنبلاط ابن الأمير قاسم الكردي القصيري"، ومعنى اسم "جنبلاط" بالكردية يعني /نفس من الصلب أو البولاد/، والقصر يعود بتاريخه إلى نهاية القرن السادس عشر وفي العام 1013 هجرية 1604 ميلادية، وهنا يجدر بالذكر بأنّ "حسين باشا جنبلاط" أصبح والي "حلب" أيام العثمانيين وهو من العائلة نفسها».
ويضيف "حجار": «يمتاز بناء القصر باحتوائه على أكبر إيوان في "حلب" ويعادل في ارتفاعه بناية بأربع طبقات مع بركة ماء عظيمة وقد ملأت الزخارف البديعة جدرانه وكذلك قطع القاشاني التي غطت كامل جدران الإيوان العالي».
وأخيراً ورد في كتاب /على خطا الدولة العثمانية/ -تأليف مجموعة من الباحثين من جامعتي "حلب" و"غازي عنتاب" التركية حول القصر ما يلي: «عُرفت الدار لفترة بدار "عبد السلام" حيث كان بقربها سبيل "عبد السلام" التابع لها وقد كانت مقراً لرجال الكتلة الوطنية ثم شغلتها "المدرسة الغافقية" إذ تم وهب 15% منها للأوقاف.
مساحة القصر حالياً هي 2310 متر مربع وكانت سابقاً 5000 متر مربع يضاف إليها 1600 متر مربع هي ملحقات خارجية مثل الثكنة التي تشكل قسماً من قصر أمراء "جان بولاط" من القواد العسكريين ورؤساء القبائل مع الملحفات والإسطبلات لكن جميع هذه الملحقات تهدمت بين عامي 1960 -1970 بشكل كلي وانفصلت عنه أجزاء أخرى منها جناحا الخدمة والحرملك.
باب المدخل الخارجي موجه شرقاً ويُعتقد أنّ المدخل الأصلي كان في الزاوية الشمالية الغربية وكان مؤلفاً من باب كبير عرضه أكثر من أربعة أمتار وقد تم تحويل المدخل إلى الشرق في القرن التاسع عشر، أما الباحة فتتوسطها بركة ماء كبيرة وعميقة يتناوب في سياجها أحجار ملونة /أصفر اسود/ كبيرة يربط بينها كلاليب من الحديد والرصاص.
وفي جنوب الباحة يوجد إيوان كبير يعتقد أنه الإيوان الأكبر في "حلب"، وإلى الشمال من الباحة يوجد إيوان آخر يرتفع بدرج مزدوج يبرز عنه وعلى طرفيه غرفتان بُنيتا بنظام الأبلق وهناك مزررات فوق النافذتين على طرفي الإيوان وفوق الإيوان مظلة خشبية متهدمة، وقد زُخرفت جدران الإيوان ببلاطات القيشاني والموازييك الرخامي الملون».
*وهي مهندسة معمارية وباحثة أثرية حاصلة على الدكتوراه في الآثار من معهد التراث العربي العلمي في "حلب".