عندما تقف قبالته تستوقفك تغضنات وجهه العتيقة التي تحكي حكايات وقصصا عمرها عقود، فذاكرة السنين تركت إرثها في وجهه البشوش ذي الابتسامة التي لا تفارقه وهو يدق أكوام البوظة العربية التي يطرب بصوت دقها.

فمن صناعة الحلويات التي ورثها عن والده إلى صناعة البوظة العربية قصة حياة تضم في جنباتها الكثير من المحطات التي لا بدّ أن تستوقفك.

فهي تبدأ من الشهر الرابع وحتى الحادي عشر من كل سنة، ولكن شهري حزيران وتموز من كل سنة يكثر الطلب على شراء المثلجات

الحاج "إبراهيم حبّو" صاحب أحد أشهر محلات البوظة في مدينة "حلب"، وتحديداً في "محلة بانقوسا" فبعد انتقال والده من العمل في مجال الحلويات العربية تخصص في صناعة البوظة عام /1950/ حينها بدأ ابنه "ابراهيم" بمساعدته حتى عام /1986/ لكي يكمل بعد هذا التاريخ المسيرة التي بدأها في تلك المنطقة.

الحاج "ابراهيم حبّو"

eAleppo تابع مع الحاج "إبراهيم حبّو" واسترجع معه ذكريات عمله حينما بدأها مع والده بائعاً للحلويات في عشرينيات القرن المنصرم حيث بدأ حديثه بالقول: «بيع الحلويات العربية هي المهنة التي بدأها والدي في العشرينيات واستمربالعمل فيها قرابة /20/ سنة ليتحول بعدها بائعاً للخضار عام /1940/ حيث لم يكمل فيها إلا عشر سنوات».

بداية العمل

وعن البداية الحقيقة للعمل في مجال صناعة البوظة قال: «في عام /1950/ بدأت بالعمل في صناعة البوظة فكان عمري سبع سنوات حيث كانت المهنة تختلف عما هي عليه الآن، فقديماً لم يكن هناك أية أجهزة للتبريد، وإنما اقتصرت على وعاء خشبي بداخله برميل مصنوع من النحاس وكان هذا البرميل محاطاً بـ"الثلج" المضاف إليه مادة "الملح" لكي يتماسك "الثلج" مع بعضه بعضاً.

"أسعد حبّو"

وحين الانتهاء من إعداد تلك التجهيزات تتم إضافة مادة الحليب إلى مادة القشطة- القيمق- ويتم تحريكهما مع بعضهما بداخل البرميل، لتأتي مرحلة دق الخليط والتي تكون بعد المزج وهنا لا بدّ من الذكر أنه كلما استمر دق المزيج أصبح المذاق أطيب.

كل هذه العملية كانت تتم من خلال إشعال نار الحطب تحت الخلطة نفسها حيث أن النار تعطي للمزيج نكهة رائعة تختلف تماماً عما إن كانت نارها مشتعلة بواسطة أنابيب الغاز أو ما شابه ذلك، وحين الانتهاء من تلك العملية نقوم بتفريغ مزيج البوظة من البرميل ونقلها إلى الثلاجة مباشرة بحيث تبقى فيها لمدة /40/ يوماً صالحة للاستعمال، وبعد تلك المدة تصبح الخلطة معرضة للتأثر من خلال عزل الحليب عن القشطة لكون مكوناتها مؤلفة من مواد طبيعية».

"محمود زينو"

المواد الأولية

إن الحليب الذي نستخدمه نأتي به من منطقة "قرلق" وهو يتمتع بمواصفات عالية بحيث تختلف طريقة غليانه عن الطريقة التي تتم في مدينة "دمشق" حينما يقومون بغلي الحليب عن طريق تسخين المياه أو بطريقة البخار، ولكننا في "حلب" نغليه مباشرة على النار من خلال وعاء نحاسي حيث تعطي هذه العملية أهمية في إعطاء الحليب نكهة "الشوطة"، في حين أن مادة القشطة نأتي بها من مدينة "إدلب" من عدة مناطق حيث أن عدداً من العائلات تعمل بها ومنها عائلة "نمّورة"، فالقشطة الجيدة تتمتع بمواصفات معينة، وهي إن كان لونها أبيض فهذا دليل على أنها من الغنم، وإن كانت صفراء اللون فإنها بقرية، ولذا على كل من يستخدم مادة القشطة يجب عليه أن يحفظها بالثلاجة وبدرجة تجميد تصل إلى /20/ تحت الصفر ضمن قوالب معينة، ويعتبر فصل الربيع هو أفضل الفصول من حيث وفرة "القميق" وجودة طعمها.

ومنذ عام /1950/ لا يزال هذا المحل يشهد صناعة البوظة، وفي عام /1986/ وبعد وفاة والدي بدأت بالعمل بمفردي وبقيت على هذا النحو حتى يومنا هذا».

أذواق أهالي حلب في تناول البوظة

أوضح السيد "أسعد حبّو" ابن الحاج "إبراهيم" بأن الناس يفضّلون وبنسبة /90/ بالمئة نكهة الحليب الممزوجة بالقيمق وأما البقية فتتنوع ما بين نكهة الكرز والشوكولا ونكهة السحلب بالفستق وبيّن بالقول: «إن الجيل القديم يفضّل الحليب الممزوج بالقشطة ولكن شباب اليوم يفضّلون البوظة التي تتمتع بنكهات معينة، والبوظة المصنوعة بطريقة الدق هي المفضلة لدى الكثير من عامة الناس، وبالنسبة لهذه المهنة سوف تبقى مستمرة لكونها من الصناعات اليدوية الأصيلة».

تحتاج صناعة البوظة العربية ساعات طويلة من العمل في المحل فهي تبدأ من التاسعة صباحاً وتستمر حتى الثالثة من بعد منتصف الليل، فأغلب المشترين يأتون عند غروب الشمس بحسب ما ذكر السيد "أسعد حبّو".

الأوقات التي تبدأ صناعة المثلجات

وبين السيد "أسعد" بأن هناك أشهر محددة يتم فيها صناعة المثلجات وختم بها كلامه: «فهي تبدأ من الشهر الرابع وحتى الحادي عشر من كل سنة، ولكن شهري حزيران وتموز من كل سنة يكثر الطلب على شراء المثلجات».

السيد "محمود زينو" تحدث عن مثلجات "حبّو" بالقول: «إن مثلجات "حبّو" مشهورة منذ القديم فهي من الأنواع التي أفضّلها دائماً عند الشراء، وتبقى هي الأفضل من بين المثلجات الأخرى المصبوغة بمواد أخرى غير طبيعية وخصوصاً في هذه الأيام التي أصبحنا نفتقر إلى المكونات الطبيعية».