قد يكون للتدريب دوره في صقل مهارة معينة إلا أنه في حالات الفن لا يوجد بديل من الموهبة التي تنشأ مع الفطرة، وهذا ما ينطبق على النحات "أزدشير تقلا" الذي تغلبت موهبته على كل أنواع التدريب، في مدينة "حمص" وبالتحديد في الطريق الفاصل بين حي "المهاجرين" وحي "الأرمن"، أبدع "أزدشير" أجمل منحوتاته في ورشته الصغيرة معبراً عن حبه لفنه وتميزه في الإتقان لكل قطعة خشب تقع بين يديه.
فلكل منحوتة من منحوتاته حكاية موغلة في الذاكرة الروحية والإنسانية والفنية، فهو بخبرته التكنيكية، وبإحساسه اللمسي الفذ، أدرك كيف يحول الكتلة الخامية من شكلها العفوي إلى مشاهد بصرية خلابة.
وللتعرف بشكل أقرب على الفنان وأعماله كان الحوار التالي:
من هو "أزدشير تقلا"؟ ومتى بدأت وكيف؟
"أزدشير تقلا" نحات "سوري" مواليد /1976/ خريج مركز "صبحي شعيب" للفنون التشكيلية، ينتمي إلى عائلة عُرفت باهتمامها الثقافي والفني من بلدة تابعة لمدينة "حمص". مارس النحت في العام /2003/ وصقل هذه الموهبة بعد سنتين عبر انضمامه لمركز "صبحي شعيب" للفنون التشكيلية، وكان توجهه بشكل عفوي لهذا التخصص، إذ أنه كان يمارس مهنة النجارة منذ أن كان طفلاً وهي من أشد المهن قرباً إلى النحت، حيث كان رائداً في هذا المجال لعدة سنوات، وصقل هذه الموهبة بالاطلاع على سيرة حياة الفنانين وتجاربهم الشخصية ومن هناك كرَّس نفسه لتخصصه الذي يجد نفسه من خلاله ويحاول أن يكوّن تجربة متفردة في ذلك.
كيف تستوحي مواضيع أعمالك؟
إن نتاج كل عمل هو الفكرة، فعندما تتشكل وتصبح موجودة فإنها تخدم العمل وتشكِّل معه وحدة لا تتجزأ، فلحظة الإبداع تبدأ بتوهج الأفكار الجديدة في الدماغ حيث يعمل القلق عمله بإنتاج الفكرة وتحويلها إلى موجود، وقد تتشارك عوامل كثيرة في ذلك كالحلم والذاكرة والشعور مع الشريك المادي وهو المادة والأداة ويداي.
لا شك أن مقياس النجاح لأي عمل هو المتلقي، كيف هي ردود فعل المتلقين تجاه أعمالك؟
** في الحقيقة أنا أتفق معك في هذا فردود فعل المتلقين ساهمت بشكل كبير في دفعي لإنجاز المزيد، وبخاصة عندما تكون هذه الردود إيجابية ومحمسة، فكثيراً ما ينجذب من يشاهد أعمالي إلى الفكرة التي أقدم بها العمل وهذا يزيد من إصراري على الخوض عميقاً في تجربة النحت فالتفاعل مع العمل وإثارة انتباه المتلقي تعني أن روح العمل قد دخل إلى أعماقه، وبإمكاني أن أقول أيضا أن لكل متلقي قراءة خاصة للعمل ووجهة نظر، وفي كل الأحوال فالعمل أولاً وأخيرا مقدَّم له.
اللحظة التي يبدأ فيها "أزدشير" بنحت عمل ما ألا يأخذه الخيال صوب تجربة نحات آخر إن كان محليا أو عالميا، بعبارة أخرى ألا يهزك عمل سواك بحيث تصوره بطريقة فوتوكوبية؟
النحت منذ الأزل فن مر بمراحل عديدة، من خلال مدارس فنية تطورت عبر الزمن وكل نحات تأثر بغيره واقتبس من غيره، حتى وصل النحت إلى ما هو عليه الآن، لاشك أنني كغيري من النحاتين تأثرت بتجارب غيري، وقد وقفت مطولا أمام أعمال كبار النحاتين محلياً وعالمياً ليس بغرض الاقتباس ولكن بغاية التعرف على تجاربهم في هذا المجال، وذلك كله يصب في خانة مصلحة الفنان لتطوير أعماله وليس من ضير في تغذية الروح بأهم الأعمال النحتية التي قام بها مشاهير النحت.
من خلال استعراض العديد من أعمالك النحتية الخشبية وجدت حضور كثيف لإظهار الملامح والشخصيات وخاصة مجسمات المرأة التي تحمل رمزية واندهاش ما سر هذا الحضور إذاً؟
المرأة تستحق أن تستخدم كمادة إبداعية في كافة مجالات الإبداع، هذا الكائن الخلاَّق الذي يستطيع بكل التفاتة منه تقديم شيء ما للحياة وإحداث فرق في هذا العالم الفسيح، وبشكل عام لدي الرغبة الكبيرة في تجسيد النفس البشرية وربما هذا ما دفعني إلى أن يكون أول عمل نحتي لي هو رأس امرأة.
لفت انتباهي لوحة نحت نافر تمثل شخصية الملكة "جوليا دومنا" ما سر اهتمامك بهذه الشخصية؟
من المعروف أن "جوليا دومنا" شخصية متميزة لها مكانتها عبر التاريخ فهي المرأة الحمصية التي حكمت روما لسنوات عدة، وربما هذا التاريخ العريق لها دفعني لأن أقوم بعمل هذه اللوحة.
منحوتاتك بالمجمل تعتمد على الخشب فهل فكرت بأن تعمل بغير الخشب؟
منذ بدأت النحت وأنا أفضل العمل مع الخشب ربما هناك حنين من الماضي للتعامل مع هذه المادة المطاوعة والتي تعطي الإحساس بالحياة وتشعرني بأنها روح تتجاوب مع لمسات يدي وتساعدني على تجسيد الفكرة التي تدور في رأسي.
ماذا تخبرنا عن مشاركاتك في المعارض؟
كان لي عدة مشاركات بمعارض الهواة التي تتم في صالة الشعب ثم أصبحت أعتمد على نفسي للقيام بمعارض خاصة، وحالياً أقوم بالتحضير للمشاركة في معرض مشترك في "دمشق".