يعد الأستاذ "أمين السم" من أبرز الخطاطين في "حلب" وسورية إذ تمتد رحلته مع الحروف العربية إلى أكثر من نصف قرن من الزمن قدم خلالها الكثير للخط العربي عبر إبداع العشرات من اللوحات الخطية والطوابع البريدية والمشاركات الفاعلة في المعارض المحلية والدولية.
وللتعرّف على رحلته الفنية الطويلة مع الخط العربي ومساهماته في هذا المجال التقاه موقع eAleppo وأجرى معه اللقاء التالي:
كل إنسان مضى على عمله فترة من الزمن يصل إلى مرحلة معينة في مجال الخط وحاليا يوجد العديد من الشباب المبدع الذين أعتبرهم أقوى من الخطاط "أمين السم" من الناحية الفنية، ومع ذلك يبقى شيخ الخطاطين
** بالنسبة للبدايات فقد كان لي أخ أكبر مني يكتب الخط وكان من أفضل الخطاطين في محافظة إدلب حيث كان دائم الاطلاع على نتاجات الأساتذة الكبار مثل الأستاذ "يوسف المجني" من أريحا و"محمود نمور علاء الدين" الذي كان موظفا في "حلب" وقد تعلمت منه أصول الخط وكتابته، وعندما انتقلنا إلى حلب بدأنا العمل في هذا المجال فكنا نطلع على اللوحات الخطية المتوافرة حينها، والذي أتذكره أننا كنا ندل شخصاً ما على حي لم نكن نذكر له اسم الحي بل ذكر إحدى اللوحات الموجودة في ذلك الحي، نعم كنا نتنافس في هذا المجال، وفي "حلب" تعرفت على الأستاذ "علي المولوي" الذي درّسني الخط في دار المعلمين وحتى في فصل الصيف كنت أعمل معه في محترفه وأحياناً كنت أكتب لوحة بالكامل مع وضع توقيعه عليها، لقد أفادني "المولوي" كثيراً في هذا المجال، بعدها عملت مع الأستاذ "إبراهيم الرفاعي" وكان رائداً من رواد الخط العربي في "حلب" وله لوحات رائعة تلتزم بالقاعدة وخاصة بخط الثلث وهو خط صعب وله قواعد كثيرة.
** يمكن تقسيم "حلب" في هذا المجال إلى ثلاث مراحل هي: المرحلة الأولى وأبرز خطاطيها "إبراهيم الرفاعي" و"آل خطيب" وفي المرحلة الثانية الأستاذ الشيخ "محمود الصابوني" و"محمد ناجي البصمه جي" و"سمير الصباغ" وفي المرحلة الثالثة "آل المولوي" وفي مقدمتهم "علي المولوي".
** نعم، لقد قام الأستاذ "الرفاعي" بإجازتي شفهياً وكان يفتخر بي كثيراً وكذلك قمت بزيارة الخطاط المعروف "حميد الآمدي" في 1962 -1975 وقدم لي حينها لوحة كهدية وشهادة أعتز بها كثيراً ويعتبر "حميد الآمدي" من آخر سلالة الخطاطين العثمانيين الأتراك.
** لقد قمت بانجاز عدد كبير من اللوحات التي تركت بصمة كبيرة في هذا المجال ومن أهمها لوحة /لا اله إلا الله محمد رسول الله/ التي كتبتها بالخط الكوفي وتعود إلى أكثر من 41 سنة، ولوحة /لا اله إلا الله/ المدوّرة وسأشارك بها في معرض المصحف الشريف في المدينة المنورة، وكذلك لوحة كتبتها بالخط الجلي الديواني الزورقي وهي من سورة الأحقاف، بشكل عام لوحاتي كثيرة ولها صبغة خاصّة انفرد بها وهي تُعرف بأنها لأمين السم ولو كانت بدون توقيعي.
في "حلب" عاصمة الثقافة الإسلامية شاركت بأكثر من عشرين طابع بريدي في تلك الاحتفالية، ومن جملة ما أقوم به في عملي هو تجسيد الأحداث المحددة بالخط فمثلاً عندما قام السيد الرئيس "بشار الأسد" بأول زيارة إلى تركية قمت بتجسيد تلك الزيارة في طابع بريدي، وعندما أقيم معرض في "غازي عنتاب" مع مدينة "حلب" جسدتها بثلاثة لوحات وكذلك بالنسبة للتوأمة بين "حلب" عاصمة الثقافة الإسلامية و"أصفهان" عاصمة الثقافة الإسلامية.
ولي شرف المشاركة بتتويج واجهات وجدران أهم المساجد في مدينة "حلب" بالآيات القرآنية كالمسجد الأموي وجامع الروضة وجامع السيد الرئيس وجامع العبارة وعدد كبير من مساجد وجوامع "حلب".
** الخط العربي فن رائع ويعد من أفضل الفنون الإسلامية إذ يمتاز بصفات رائعة لا تتوافر في الخطوط الأخرى فبداياته كانت بسيطة ولما جاء الإسلام بالقرآن الكريم توافرت الأمور التي تجعل من هذا الخط مادة تقوم بأكثر من وظيفة غير وظيفة القراءة والكتابة فقد أصبحت مادة مقدسة وأصبحت اللوحة العربية تشد القارئ وبات الإنسان يرتاح لمشاهدتها وخاصّة إذا كانت اللوحة مدروسة ومرتبة.
الخط العربي له ميزات وصفات لا تتوافر كما قلت في الخطوط الأخرى لما له من طواعية بالنسبة للحروف ولما له من موسيقا بصرية تجذب القارئ والمتلقي فاللوحة الخطية ذات مقام عال إذا كانت تمتلك النواصي التي وصلت إليها أيادي الأساتذة الكبار التي أوصلتنا لهذه الحروف الرائعة.
** بالنسبة للوطن العربي بشكل عام نستطيع القول بأننا نملك أكثر من مدرسة للخط العربي فهناك المدرسة الشامية والمدرسة الإيرانية والمدرسة التركية والمدرسة المصرية وغيرها حيث توجد أنواع من الخطوط وقد نبغت فيها كل مدرسة من هذه المدارس.
المدرسة التركية /العثمانية/ قامت بأمور رائعة جداً حيث أوصلت الخط النسخي إلى ذروته العليا بالإضافة إلى أنها أضافت خطوطا جديدة وهي عبارة عن ابتكار وتفنن وخلق أمور لم تكن موجودة في السابق فأبدعت الخط الرقعي والديواني والديواني الجلي والزورقي وخط الطغراء وخطوط أخرى.
** حاليا الأرسيكا* تتربع على عرش المسابقات بالنسبة للخط العربي حيث قاموا بدور كبير في هذا المجال واستقطبوا الخطاطين من كل أنحاء العالم وكان دور سورية فاعلة من حيث المشاركات في مسابقات الأرسيكا وخاصة "حلب" وبالتالي حصل خطاطوها على جوائز كثيرة، حالياً يتم التحضير لمعرض المصحف الشريف في المدينة المنورة وذلك لتكريم الخطاطين الذين كتبوا المصاحف والذين شاركوا مشاركات فعالة ولهم أيادي بيضاء بالنسبة للوحات الخطية وأنا من جملة الخطاطين الذين قدمت لهم لوحتين للمشاركة فيه.
** بالنسبة لدور "حلب" في هذا المجال فقد توفرت في الفترة الأخيرة المواد التي تساهم في تطوير الخط العربي بينما سابقا أي قبل حوالي 50 سنة لم تكن هذه المواد كالمخطوطات مثلاً متوفرة وكان الحصول عليها عسيراً، حاليا توفرت وبإمكان أي خطاط الحصول عليها بسهولة وبالتالي يمتطي صهوة الكتابة ويستمر فيها، لقد أنجبت "حلب" العديد من الخطاطين الكبار الذين تركوا بصمة واضحة في مسيرة تطور الخط العربي وفنونه.
** شاركت في العديد من المعارض المحلية والدولية وأهمها معارض الخط العربي في كل من استانبول وباريس وطهران ودبي والشارقة وقريباً في معرض المصحف الشريف في المدينة المنورة بالسعودية، لقد تم تكريمي من قبل نقابة المعلمين بحلب وجمعية العاديات ومن وزارة الثقافة السورية ووزارة الإدارة المحلية كما فزت في العام 2008 بجائزة الباسل للإبداع الفني.
الخطاط "أيمن الأمين" أحد خطاطي حلب المعروفيين وممن تتلمذ على يد الخطاط "أمين السم" يقول عن الأستاذ "أمين السم": «هو أستاذ كبير كان يدرس في فترة السبعينيات في معهد دار المعلمين، كما درس في مركز الفنون التشكيلية في "حلب" لمدة عشر سنوات كنت خلالها تلميذه. وهو اليوم يشغل منصب رئيس جمعية الخطاطين في "حلب" ولا يزال فنانا نشيطا يشارك في العديد من المعارض وكان آخرها منذ شهر ونصف في معهد التراث العلمي في جامعة "حلب" حيث شارك معه مجموعة من الفنانين».
وحول تجربة الأستاذ "السم" يضيف "الأمين": «كل إنسان مضى على عمله فترة من الزمن يصل إلى مرحلة معينة في مجال الخط وحاليا يوجد العديد من الشباب المبدع الذين أعتبرهم أقوى من الخطاط "أمين السم" من الناحية الفنية، ومع ذلك يبقى شيخ الخطاطين».
يذكر أن الخطاط "أمين السم" هو من مواليد إدلب في العام 1937 تخرج في دار المعلمين بحلب في العام 1959 وقام بالتدريس في الدار في العام 1961 وتم إيفاده إلى الجزائر في بعثة تعليمية في العام 1963 ولمدة خمس سنوات. وهو رئيس جمعية الخطاطين في "حلب".