عندما تذهب إلى السويداء وقبل وصولك إلى مدينة "شهبا" يستقبلك تل شامخ بقدمه تغطيه أتربة بركانية استخدم منها الكثير في الخدمات الفنية للطرق والبناء، يتربع على قمته بناء شاهق شيد عليه مقام يسمى مزار "النبي شيحان" وهو أحد أولياء الله الصالحين تزوره الناس تبركاً في أيام العطل من مختلف الأطياف الدينية، تصعد عبر طريق زفتي على شكل "زكزاك" تصل إليه تتلمس تربته البركانية، تقف تنظر باتجاهات مختلفة تشعر بحكايا وأخبار تاريخية وحضارات منسية.
وعن تسمية التل بمقام "تل شيحان" أوضح الشيخ "مسعود الطويل" الملقب "أبو مصطفى" من أهالي مدينة "شهبا" لموقع eSwueda قائلاً:
تعتبر تربة "تل شيحان" من الأتربة المميزة في رصف الطرقات التي تملأ الفراغات وهي خفيفة الوزن، وتستخدم بكثرة في أعمال البناء والطرق
«منذ القديم والناس تعتقد أن ولياً من الأولياء الصالحين سكن قمة "تل شيحان" ومقام "شيحان" يعتقد أن من سكن تلته هما "شيخان" كانا يتعبدان الله عزو جل في أعلى القمة، ولما ارتحلا عن الدنيا ومع مرور الزمن سمي "بشيحان" بدل "الشيخان"، خاصة أن البلاد مرت بغزوات متعددة اللهجات ومخارج حروفها تحمل الإدغام تارة والتحويل الحرف تارة أخرى، لذلك يعتقد أنه تم تحويل من "شيخان إلى شيحان"، ولكن من المعروف بين الأوساط الدينية أنه مقام مبارك من المقامات المقدسة، وفي كل أسبوع يتم زيارته من رجال الدين من مختلف الأطياف الدينية، وقد سعى الخيريون والمتبرعون بإشادة بناء تجاوزت كلفته المليون ليرة سورية إضافة إلى طريقه الاسفلتي الذي قامت به بلدية "شهبا" حتى يستطيع زواره الوصول إليه بأمان».
وعن طبيعية تربته البركانية بين الأستاذ "عماد الطويل" رئيس مجلس مدينة "شهبا" بالقول: «تعتبر تربة "تل شيحان" من الأتربة المميزة في رصف الطرقات التي تملأ الفراغات وهي خفيفة الوزن، وتستخدم بكثرة في أعمال البناء والطرق».
وحول إقبال الزوار على التل تابع الأستاذ "الطويل" بالقول:
«منذ القديم ومقام "شيحان" تزوره الناس من مختلف البلدان والمدن والقرى، الأمر الذي دفع بلجنة أوقاف "شهبا" تخصيص لجنة خاصة به لخدمته ورعاية بنائه، حيث شيد في أعلى قمته بناءٌ يضم مساحة واسعة لاستقبال الضيوف وغرفة مقام ومضافة إضافة إلى أماكن لإقامة الحارس الليلي ومستلزمات الحمامات وغيرها من المرافق الخدمية التي توفر الراحة للزوار، ومن ناحية الاجتماعية اكتسبت زيارة المقام قدسية خاصة لقناعة الناس من آلاف السنين أن ولياً من الأولياء الصالحين سكن في قمة التل والناس تتبارك به».
أما عن موقع "تل شيحان" التاريخي فقد بين الباحث والمؤرخ "جمال أبو جهجاه" صاحب كتاب "شهبا مدينة الحضارة" قائلاً:
«يقع "تل شيحان" في حدود مدينة "شهبا" من الجهة الشمالية الغربية، كله طفٌ بركاني أسود اللون على شكل حبات أو ذرات رملية متساوية اللون والحجم والشكل، يبلغ ارتفاع "تل شيحان" 1093 مترا عن سطح البحر ذو مقطع اهليجي، منه فوهة بركانية على السطح الغربي قطرها 300 متر، وقد استخدم هذا الطف البركاني الأسود مع الأسفلت في تعبيد الطرقات لكنه عديم الجدوى في ذلك لأن حبات الرمل فيه ليست صلبة، والآن يستخدم ضمن كمية محددة مع كل خلطة في صناعة الأسمنت الأسود، بعد أن أجريت دراسة في هذا الخصوص، وفي قمته من الأعلى توجد مغارة كبيرة، وقد بني في أعلى قمة فيه مبنى ضخم يمثل مزارا لأحد أولياء الله الصالحين، يتبارك الناس بزيارته في أيام الجمعة والأعياد يضيئون فيه الشموع تقرباً إلى الله عزو جل».
أما من الناحية الجغرافية وطبيعة تربته البركانية ومكانته التاريخية فأوضح الباحث الجغرافي "جميل شقير" بالقول:
«ما إن تتجه إلى الجنوب من مدينة "دمشق" وعند قرية "المسمية" التي تبعد جنوباً 30 كم تبدأ أرض صخرية سوداء بطول 60 كم وعرض 17 كم، تسمى جيولوجياً "الحرة السوداء" حيث تعتبر مدينة "شهبا" بداية "اللجاة" الممتدة شمالاً لتشكل أرضاً بركانياً صخرية، إضافة إلى مجموعة من التلال تحيط بمدينة شهبا أربعة من جهة الغرب وعلى نسق واحد بدءا من الشمال إلى الجنوب ومنها "تل شيحان" إذ بدأت البراكين عملها في "جبل العرب" مع بداية الزمن الثالث واستمرت حتى الزمن الرابع، فشكلت انقلاباً في التضاريس حيث لم يكن سطح وهدة جبل العرب يرتفع عن سطح البحر أكثر من 500 متر حتى صار يرتفع في وسط الوهدة إلى 1800 متر، وذلك بتواتر الثورانات البركانية على مدى ملايين السنين وقد غطت صبات الزمن الرابع معظم صبات "البايلوجين الثلاثي الأسفل" بينما انكشفت صبات "الميوجين الثلاثي الأعلى" على مساحة تزيد على 4000 كم مربع إلى الشرق من خط "شهبا- دمشق" حتى منطقة "الزلف"».
وتابع الباحث "شقير" بقوله: «ثم ظهرت على السطح الصبات الرباعي الأسفل فغطت المنطقة الجنوبية لجبل العرب وشرق وشمال منطقة "شهبا" وغطت السفوح الدنيا لكتلة الجبل حتى سهل حوران، التي اندفعت على الأغلب من براكين ورئيسيين هما "تل عمار وتل أحمر" وتلتها ستة صبات في الرباعي الحديث وأهمها قد انطلق من فالق شمال غربي جنوبي شرقي وخط مائل غرب مدينة "شهبا" اندفعت منه الحمم قليلة اللزوجة فغطت مساحة واسعة من اللجاة غرب مدينة "شهبا" وعندما استنزفت أربعة مخاريط بركانية مؤلفة من المقذوفات الهشة المحترقة والتي زاد من احتراقها ملامستها للفضاء وأهم تلك المخاريط كان مخروط "شيحان" من الشمال تلاه مخروطان "الصبة والجبل" شمال غرب "شهبا" وبعد توقف طويل ثار بركان القلعة الذي يلامس سور مدينة "شهبا" الروماني من الغرب تماماً حيث انتشرت على حوافه القنابل البركانية وقد بقيت سليمة تقريباً إلى يومنا الحالي وبشكلها النموذجي المدرسي وذلك لحداثة عمل التجوية فيها».
ومن انعكاس "تل شيحان" بمكانه وفسحته الفضائية على الأدب بيّن الروائي "منير بو زين الدين" بالقول: «من ينظر إلى مدينة "شهبا" من سفح "تل شيحان" يشعر أنه أمام مساحة مربعة الشكل فلا يستطيع أن يكشف سوى الجهة المقابلة له على مساحة ضلع مربع الشكل، ومن جهة أدبية فإن الفضاء الهوائي والشكل الطبيعي المحاذي للتل تجعل المتخيل السردي أخذ مساحة واسعة عند الأديب، وبالتالي يستطيع أن يتخذ منه رمزاً إبداعياً في تجسيد فكر الأديب القاص أو الروائي أو الشاعر، فقد تغنى به العديد من الأدباء، وهو مقام يحمل من الطاقة الروحية ما يجعل المرء يشعر بالسكينة والاستشعار الإلهي في مناحي الوجود وفلسفته».
ويبقى التل "شيحان" يناشد الزمن بثباته وتربته ومقامه، وارتفاعه الشاهق، الذي يستقطب الهواء النقي ويشاهد من قمته مجموعة من المناطق والبلدان والقرى، ويظل شاهدا على تاريخ وحضارة مرت منه.