إن كنت فراتياً يكفي أن تعود بذاكرتك إلى سنوات الطفولة الاولى حتى تستعيد بذاكرتك ملامح جدتك وهي تروي حكاية "سعلاة خضير" إحدى الأساطير الفراتية التي انتشرت في منطقة وادي الفرات واختلط فيها الوهم بشيء من الواقع التاريخي، قصة رافقت الجدات في أسرة نوم أحفادهن، ورافقت الأطفال مانعةً إياهم من الاقتراب منفردين من نهر الفرات، ورافقت الكثير من النساء والرجال يبررون بها الكثير من الأمور ومضفين على حياتهم بعض الاثارة.

للحديث عن تلك القصة- الأسطورة- ومحاولة ملاحقة جذورها ومصادرها التقينا أولاً بالسيد "خضر الحسون" من أبناء "دير الزور"، والذي بلغ من العمر ما مكنه من معرفة تلك القصة وتذكر تفاصيلها بالقول: «"خضير" فلاح بسيط من ريف "دير الزور" يعيش في كوخ على ضفاف الفرات توجه يوماً إلى منطقة "الصالحية"، ليشتري بعض حاجاته وبينما هو في طريقه سدت عليه الطريق "سعلاة" لترحب به وتخاطبه بلقب الصديق الطيب، فلم يجد بداً من رد التحية عليها رغم الخوف الذي تملكه والذي دفعه في الوقت نفسه إلى الانصياع لطلبها، فجلس إلى جوارها أخذ يناجيها مفكراً بخطة ذكية للخلاص منها، وقد اهتدى إلى هذه الخطة عندما بدأت تقلده في كل حركة يقوم بها، وهنا أخرج من متاعه بعض الزيت ودهن به مقدمة رأسه فقلدته ودهنت رأسها به، ثم عمل على تقريب النار من رأسه ففعلت هي الشيء ذاته مع شيء من المبالغة فاحترقت بنار "خضير"، وهنالك قصص كثيرة أخرى تتمحور حول "السعلاة"».

منذ أكثر من سبعين سنة تذكر أمي أنها شاهدت كائناً ما يخرج من نهر الفرات، كائن مخيف وقبيح له هيئة بشرية وظلت تروي لنا تلك القصة سنة بعد أخرى على أنها "السعلوية" دون أن يفارقها الاحساس بالخوف، وأغلب الظن أن أمي كانت قد شاهدت إحدى الكائنات المفترسة التي كانت تعيش في نهر الفرات وانقرضت منذ عدة عقود

وهناك الكثير من النساء يحتفظن بشيء من أمهاتهن اللواتي لم يتحدثن عن تلك القصة كغيرهن وإنما تحدثن عن مشاهدات حقيقية ومنهن السيدة "كوثر عويد" التي أفادتنا بالقول: «منذ أكثر من سبعين سنة تذكر أمي أنها شاهدت كائناً ما يخرج من نهر الفرات، كائن مخيف وقبيح له هيئة بشرية وظلت تروي لنا تلك القصة سنة بعد أخرى على أنها "السعلوية" دون أن يفارقها الاحساس بالخوف، وأغلب الظن أن أمي كانت قد شاهدت إحدى الكائنات المفترسة التي كانت تعيش في نهر الفرات وانقرضت منذ عدة عقود».

الباحث أسعد الفارس

أما عن مصدر الأسطورة فقد حاول الباحث الأستاذ "أسعد الفارس" البحث فيها مشيراً إلى ثلاث احتمالات في مقال ٍ نشر في مجلة "منارة الفرات، العدد 47" بقوله: «إني أضع احتمالات ثلاث أرجح الثالث منها بدليل فرضي مقنع.

  • سكن الانسان ضفاف الفرات في الماضي بغاباتها الكثيفة التي يخرقها ماء النهر بقوة وكلما احتاج الانسان إلى ماء شق طريقه إليه بين الأسشجار المتشابكة فتعدوا أمامه أشباح الغابوة الوحوش فتثيؤر مثل هذه الأحداث في نفوس الآخرين اللخوف والفزع فألف الانسان الفراتي عن تلك القصص والأساطير ومنها أسطورة السعلاة .

  • كان الأكطفال ينزلون على النهر للسباحة فيغرق الكثيرون منهم وربما ضل بعضهم طريفقه في الغابات فأكلته الوحوش لذلك تغنت الأمهات برواية لتخويف الأطفال وتحذيرهم من مغبة النوزول النهر.

  • وصفت لي إنراة فراتية السعلاة فقالت إنها تشبه الانسان لها شعر لماع وأسنان بيضاء وقامة منتصبة تضحك كما يضحك تالبشر وتقالدهم في الكلام والتصرف وهذا الوصف ينطبق على القرد الآسيوي أورانغ وأوتانغ التي تعني بلسان الماليزيين انسان الغابة إنه يشبه الإنسان في طول قامته إن وقف ويستطيع السيرمنتصباً إن أراد وأذرعه نتصل إلى كاحله وهو مسالم في الأحوال العادية ولكنه ينقلب على وحش مفترس إن غضب أو أثير، ربما كان هذا القرد هو السعلاة الفراتية كانت تعيش في غابات الفرات في الماضي القديم ثم هجر الوادي كما هجره غيره من الحيوانات... ربما».

  • السيد خضر الحسون
    صورة التقطت لحيوان يعتقد أنه السعلاة في عام 2010 على ضفاف الفرات