هو في ربيع العمر ويكتب القصة القصيرة ويفوز بجوائز عنها. يجيد العزف على آلة العود. أصدر مجموعته القصصية الأولى "بيض الفال" وهو لم يتجاوز عقده الثاني.
أكثر من ثلاثين قصة ضمت مجموعة القاص الشاب "إياس الخطيب" كتبها بلغة سردية في تواتر زمني وعقدة فنية يحسن استخدامها لما يملك من تخيّل، فيعمل على طرح هموم الشباب من خلال ذاته، الحديث كان للقاص "أحمد جميل الحسن" مقرر جمعية القصة في اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين حيث تابع لموقع eSwueda بالقول: «هو واحد من الشباب الذين يحاولون كسر التقليد، ودمج الحياة والأجيال بعمل فني واحد، كأنه يتخذ من واقعية الحياة الملأى بالوقائع قصة ويبني عليها موضوعاً أدبياً طارحاً فيه رؤية الماضي وتعامل الحاضر، ولعل هذا العمل يصعب قليلاً على من لا يملك تجربة اجتماعية، فهو من الشباب الباحثين عن حكايا الماضي، والساعين نحو العصرنة والحداثة، بلغة سردية سهلة غير متكلفة»
هو واحد من الشباب الذين يحاولون كسر التقليد، ودمج الحياة والأجيال بعمل فني واحد، كأنه يتخذ من واقعية الحياة الملأى بالوقائع قصة ويبني عليها موضوعاً أدبياً طارحاً فيه رؤية الماضي وتعامل الحاضر، ولعل هذا العمل يصعب قليلاً على من لا يملك تجربة اجتماعية، فهو من الشباب الباحثين عن حكايا الماضي، والساعين نحو العصرنة والحداثة، بلغة سردية سهلة غير متكلفة
موقع eswueda التقى القاص الشاب "إياس الخطيب" وكان الحوار التالي:
*رغم سنك المبكر ما سبب توجهك نحو القصة القصيرة؟
**إن القصة القصيرة هي من اختارتني ولسْتُ أنا من اختارها، البعض من الكتاب يعتقد بأن مشواره الأدبي يبدأ منذ اللحظة التي امتطى فيها صهوة القلم وخطّ أول قصيدة أو قصة، فيعتبر أنه بدأ الكتابة منذ تلك اللحظة، إلا أنني أعتقد أن التفكير بهذه الطريقة خاطئ تماماً، لأننا عندما نود أن نقطف ثمرة طازجة، فيجبُ علينا بداية أن نجلب الغرسة ونمكنها في التربة ونرويها ونعتني بها ونقلمها، ونعمل على رعايتها سنين طويلة قبلَ أن نجني أول ثمرة ، وهكذا هي عملية الكتابة، وخاصة القصة، فهي بحاجة لأن يحصن الأديب نفسه بالثقافة والقراءة وسماع القصص والحكايات المختلفة، وتخزين المعلومات والاطلاع على الثقافات المتنوعة والكتب والنتاج الأدبي، وفي نهاية المطاف وبعد عملية التخزين الطويلة، يجد الإنسان نفسه يقوم بعملية تفريغ لما يجول في خاطره، بعد أن يستخدم أدواته المعرفية وصياغته لإسلوبه الخاص، واللغة التي يختارها، وما إلى هناك مما يخص القصة، لذلك أعتقد بأني أكتب القصة منذ أن كنت صغيراً جداً، بل ربما منذ أن كنت على يدي أمي عندما كانت تقصُّ علي القصص وأنا أستمع لها بشغف شديد.
*هل ترى أن القصة القصيرة قادرة على التعبير عن هموم الشباب؟
**إن المشكلة لا تكمن في القصة وقدرتها على إيصال رسالة ما أو أي شيء آخر سواء أكان يخص الشباب أم فئة أخرى، بل أعتقد بأنه لزام علينا أن نسأل أنفسنا سؤالا أكثر منطقية:هل الشباب ينكبون على قراءة الكتب والنصوص الأدبية سواء النثرية أم الشعرية، أم لا؟!
لا شك بأن النص الأدبي قادر على إيصال الأفكار والرؤى المختلفة، ولا ننكر ما يقدمه الأدب من "عبد الحميد بن باديس" في الجزائر، إلى "سليمان العيسى" في سورية و"محمود درويش" في فلسطين، وكذلك القصة، فهي قادرة على إيصال الرسائل وبدقة متناهية لاقترابها من الإنسان والواقع والحياة، وطرح مشكلات عديدة على درجة من الأهمية، لكن ماذا لو علمنا بأن الإنسان العربي لا يقرأ سوى ربع صفحة في السنة، وماذا لو علمنا أن ما ترجم إلى اللغة العربية منذ عصر المأمون إلى يومنا هذا يوازي ما يترجم إلى الإسبانية في سنة واحدة، وماذا لو علمنا بأن النتاج الأدبي والفني العربي لا يتجاوز 08% من الإنتاج العالمي، إذاً المشكلة في نسبة القراءة في يومنا هذا، لا بما تحويه القصص وما تطرقه من مفردات.
*برأيك هل القصة القصيرة، تطرح ثقافة معاصرة؟
**عندما كنت أقومُ بعملية دوزان للعود في سن مبكرة، قطع وتر وأحسست بأن شكل العود قد تغير وحتى لونه شابه الاختلاف، وعندما سألت أستاذي عن ذلك قال لي: نحن البشر نتغير، فما بالك بقطعة خشب.؟!
من الطبيعي جداً أن نتغير ونتبدل وأقول إننا نعيش في مجتمع متحرك، متغير وربما ما كان محرّماً في وقت مضى أصبح محللاً الآن، وما كان محظوراً أصبح مباحاً، خصوصاً في زمننا المتسارع الحالي، وما كتبه الأديب الكبير "نجيب محفوظ" في قصة "الحكاية رقم 9" في الثلاثينيات، والتي تتكلم عن مشاكسة المجتمع للمرأة العاملة كان في غاية الأهمية في حينها لكن لو كتب كاتب آخر نفس القصة في وقتنا هذا، لما التفت إليها أحد، لاختلاف الرؤية حول الموضوع، فالمواقف تتغير، والمجتمع يتغير، ولكل عصر ثقافته، ودراميته، لذلك فالقصة ثقافة متحركة ومتطورة بحد ذاتها، ومتغيرة تبعاً لتراتبية المجتمع والواقع المعاش.
*إنك ومن خلال قصتك "بيِّض الفال" تطرح إشكالية فما الهدف من الاهتمام بالتقليد في طرح مشاكل معاصرة؟
**عندما أكتب أسدل الستائر على نفسي بمعزل عن أي حدث خارجي وأغوص في قصتي وزمانها ومكانها وأتقمص ثوب شخوصها وأطرح المشاكل والإشكاليات المتعلقة بها بطريقة ربما تكون هي الأقرب للقارئ ونفسيته، كي يعي ما أريد من هذه القصة, بل أترك له حرية المشاركة, وهذا ما يسمى بالنص المفتوح, يقول الكاتب الفرنسي "أـ فيال": "إن وجهة القصة أن تكون رسولاً للتجارب، بين إنسان يروي وأناس يستمعون، وأن يكتشف الراوي أي الكاتب عند الذين يستمعون تفسيراً أو إغناءً للحكم"، لذلك فإن العملية التشاركية بين الكاتب والقارئ، من أهم العمليات.
*خلال كتابتك للقصة من الملاحظ أنك تملك لغة بعيدة عن الشعر، وتميل إلى الواقعية, وبإيقاع سريع تارة ومركب تارة, لماذا؟
**لقد ابتعدتُ في قصصي عن اللغة المثقلة بالشاعرية التي ربما يغص بها المتلقي، أو يتملكه الضجر لحين وصوله للجوهر، وقد بدأ يعتمد الكثير من الكتاب على شاعرية اللغة، وإقحام نصوصهم بالشاعرية المفتعلة والزائدة في كثير من الأحيان بغض النظر عن فكرة ومضمون ورسالة القصة, وكأنهم نسوا أنهم يكتبون القصة, وقاموا بإهمال عناصرها الرئيسية لحساب اللغة الشاعرية وحسب، وأخذوا يبرزون عضلاتهم على أكتاف المتلقي، لو كنت سأفعل ذلك لكتبت الشعر, لا القصة, لكني لم افعل، فأنا أريد قصة يقرؤها المجتمع, بعيداً عن التكلف وإثقال النص بالشاعرية المرهقة, بمعنى أن لا نكتب بلغة ركيكة أو ساذجة, بل على العكس تماماً, وفي الوقت ذاته نكتب قصة, لا شعراً.
أما بالنسبة للإيقاع، العلاقة بين الأدب والموسيقى علاقة متبادلة ومتداخلة إلى حد بعيد، بل يكادان لا ينفصلان، يقول الموسيقي "غوستاف لانسون": "إن الأوبرا تنتمي إلى الأدب مثلما تنتمي بل ربما أكثر إلى الفن الموسيقي"، ولأنني عازف على آلة العود فقد أحس بهذه العلاقة بشكل دقيق, فالمقطوعة الموسيقية تبدأ بمقدمة, وكذلك نفعل بالقصة لنضع القارئ في المشهد العام, ثم ننتقل بالمقطوعة الموسيقية إلى التصعيد وتفريد المقامات لإقناع المستمع وإثارة انتباهه, كذلك نفعل في القصة عندما نبدأ بإدخال شخصيات وأحداث جديدة إلى العمل القصصي وهو ما يسمى بالحدث والحبكة, ثم ننهي القصة بمفارقة, أو نترك النص مفتوح لخيارت عديدة لنكرس عملية التشاركية, وهكذا نفعل في المقطوعة الموسيقية عندما ننهيها ربما بالعودة إلى المقام الذي بدأنا به, وعلى هذا نستحوذ على اهتمام الجمهور.
*هل تشعر أنك بدأت في الميل الأول من طريق الإبداع بعد صدور مجموعتك الأولى "بيِّض الفال"؟
**لم أكتب القصة لمجرد التسلية أو لمجرد خوض التجارب بغض النظر عن نتيجتها, بل أحببت أن أتبنى عملاً جاداً أشعره قريب مني وباستطاعته أن يعبر عما يجول في خاطري, ولا شك أنني أحترم عملي الأول "بيِّض الفال" لأنه استطاع أن يقدمني للآخر بصدق وأن يضع لي قدماً في مجال الأدب والأدب القصصي على وجه الخصوص، يقول الأديب "خطيب بدلة": "السطر الأول من القصة, كالنظرة الأولى إلى المرأة, فإما أن تحتل انتباهها, أو تشغلها عنك نهائياً"، وهذا ما أتمناه من نتاجي الأدبي من خلال مجموعتي القصصية الأولى أن تنال حكم القيمة لدى المتلقي.
*النقد، ما تأثيره وانعكاسه على شخصية الشاب "إياس الخطيب" ؟
**عندما أكتب القصة أعود إلى أسلوبي وشخصيتي لا لشيء فقط لأني لاحظت من خلال احتكاكي بالعديد من النقاد أنهم يميلون للتعبير عن وجهات نظرهم الخاصة، ويبتعدون عن المعايير الثابتة, فقصتي "خطبة.. مشبهة بالفعل" على سبيل المثال تعرضت لأكثر من نقد, منهم من أبدى إعجابه بها واحترامه للمفارقة التي حملتها، وآخر استهجن المفارقة واعتبر فيها من الغرائبية ما فيها، وآخر نوه بسروره لطريقة السرد وأومأ بالموافقة على مثل هكذا نهاية.. وما إلى هنالك.. إذن نلاحظ بأنهم التقوا على نقطة واحدة وهي: أن القصة مستوفية لعناصر القص لكنهم اختلفوا في باقي النقاط وأظهروا وجهات نظر خاصة, وكما أن لهم وجهات نظر معينة, فأنا كذلك أملك وجهة نظر خاصة, ومن المهم جداً أن يكون الكاتب هو الناقد الأول لنصه, وأن يتعامل الجميع مع نص مكتوب لا مع شخصية كاتب النص, وباعتقادي أننا بحاجة إلى جيل من الشباب الناقد, لأن النقاد الذين نشؤوا في كنف القرن الماضي أو الزمن الماضي, لا يزالون مرهونين للفكرة ولأشياء أخرى, والنقد صياغة جديدة, ويعالج هموم المجتمع, لا أن نعتمد على أشخاص لا يزال يعيش في أذهانهم زمن ولى, ليس كل ما يقوله النقاد صحيح, وليس كل من كتب القصة هو قاص، لأن النقد هو تقويم وحكم قيمة للنص بما يحمل من دلالة وبعد فكري وثقافي، لذلك فهو يساهم بتطوير وتجديد الجنس الأدبي كما هو يحتاج إلى نقد النقد.