مسيرته الطويلة قضاها يبحر بين الوثائق التاريخية ومتنقلاً بين الدول العربية ناقلاً خبرته ومعارفه أينما حل، والأهم أن هذه الخبرة مكنته من حماية بعض المدن الأثرية من الغرق في الجزيرة السورية.
إنه الدكتور "عبد القادر الريحاوي" الذي ولد في حلب عام /1925/، وترعرع في "دمشق"، وحصل فيها على الثانوية العامة، ليلتحق من بعدها "بكلية الآداب" في "جامعة دمشق" وينال منها الإجازة من "قسم التاريخ" بالإضافة إلى دبلوم أهلية التعليم الثانوي ومعهد المعلمين العالي في عام /1950/.
جاء ذلك بعد إجراء رحلة استكشافية عام /1964/، كشفتُ عن /33/ موقع لمدن مجهولة كانت معرضة للغرق، وزعت الدراسة التي ترجمت إلى لغات أجنبية مختلفة ونشرتها مجلة الحوليات الأثرية السورية، على المؤسسات الأجنبية المهتمة بشؤون التنقيب في أنحاء أوروبا وأمريكا، حيث سارعت تلك الجهات المعنية بعمليات التنقيب مما أدى إلى الكشف عن حضارات عريقة وكنوز أثرية أثرت مقتنيات متاحف عدة
"eSyria" زار الدكتور "عبد القادر الريحاوي" في منزله بتاريخ "25/8/2011" حيث بدأ الدكتور "الريحاوي" بالقول: «عملت بين عامي /1950- 1980/ في المديرية العامة للآثار والمتاحف كمسؤول عن "الآثار وحماية التراث العمراني والمعماري"، حصلت خلالها على خبرات عملية وعلمية في قضايا فنون العمارة وفنون تنظيم المدن؛ وأصول الحفاظ على المدن التاريخية وطرق ترميم المباني وصيانتها؛ ساعدتني على ذلك الدراسات الميدانية والجولات التي قامت بها في سورية وكثير من البلدان العربية والغربية، حيث أتيحت لي زيارة /65/ بلداً، و/155/ مدينة أوروبية.
وخلال تلك الفترة الغنية بالخبرة والمعلومات؛ لم تمنعني المهام الموكلة إلي من متابعة تحصيلي العلمي، فحصلت على الدكتوراه في العمارة الإسلامية عام /1977/».
جذبه الاغتراب فغادر "دمشق" إلى "جدة" كأستاذ لتاريخ العمارة الاسلامية والعمارة العالمية في "كلية الهندسة" بجامعة الملك عبد العزيز وظل أستاذاً لمدة خمسة عشر عاماً أسهم في هذه المدة في تعريب العلوم وشغل منصب نائب مدير مركز التعريب، مع توليه تحكيم العديد من المؤلفات والبحوث بتكليف من جامعات مختلفة ومؤسسات علمية ومجلات محكمة.
أولى الدكتور الريحاوي النشاط العملي الخاص بحماية التراث جل اهتمامه، وعليه قصد الشمال السوري ليتولى إنقاذ المدن القديمة المعرضة للغرق في "بحيرة سد الفرات" قبل إنشاء السد بسنوات عدة، وعن ذلك يقول: «جاء ذلك بعد إجراء رحلة استكشافية عام /1964/، كشفتُ عن /33/ موقع لمدن مجهولة كانت معرضة للغرق، وزعت الدراسة التي ترجمت إلى لغات أجنبية مختلفة ونشرتها مجلة الحوليات الأثرية السورية، على المؤسسات الأجنبية المهتمة بشؤون التنقيب في أنحاء أوروبا وأمريكا، حيث سارعت تلك الجهات المعنية بعمليات التنقيب مما أدى إلى الكشف عن حضارات عريقة وكنوز أثرية أثرت مقتنيات متاحف عدة».
وفور عودته إلى دمشق عمل على حماية المدينة القديمة ووضع خطة لصيانة تراثها تبناها المسؤولون المعنيون وعملوا على تطبيقها، ليشغل الدكتور "الريحاوي" عضوية "اللجنة العليا لحماية دمشق القديمة" ثم سكرتارية "المجلس الدولي لتطوير المدينة" مع مشاركة فعلية في دراسة مخططاتها التنظيمية.
الباحث "محمد مروان مراد" –وأحد المهتمين بتاريخ دمشق- تحدث عن الدكتور "عبد القادر الريحاوي" بالقول: «من يتابع سيرة حياة الدكتور "الريحاوي"، يلاحظ أنه من المهتمين بالفن الإسلامي، وخبرته في ذلك تتضح بالمشاركة في لقاءات المجلس الدولي للمباني والمواقع التاريخية "الايكوموس"، كذلك مشاركته مع خبراء منظمة اليونسكو في تنظيم مدينة فاس المغربية بتكليف من وزير الإسكان المغربي لدراسة المشروع وإبداء الرأي.
كذلك نجد أن الدكتور "الريحاوي" كلف عام /1979/ كخبير في مشروع تسجيل المباني التاريخية لمدينة الكويت؛ وذلك لخبرته العلمية والعملية في المشاركة وتبادل الرأي في شؤون صيانة المدن والمباني التاريخية بدعوة من منظمة اليونسكو.
كما أحب أن أشير إلى أن للدكتور "الريحاوي" عشرات المؤلفات تناول فيها معالم تاريخية وتراثية لعدة مدن ومواقع أثرية كان لفن العمارة الاسلامية الحظوة فيها، أذكر منها مدينة دمشق، تراثها ومعالمها التاريخية، قلعة دمشق، قلعة الحصن، العمارة في الحضارة الإسلامية، ويقع في ستمائة صفحة نشرته جامعة الملك عبد العزيز عام 1990 وحصل على الجائزة الأولى في التأليف من منظمة العواصم والمدن الإسلاميةعام1991، كذلك أسهم في فصلين من كتاب الفن العربي الإسلامي إعداد المنظمة العربية للتربية والثقافة (اليسكو) إسهامه في تأليف معجم مصطلحات العمارة بتكليف من مركز التعريب التقني في جامعة الملك عبد العزيز.».
الدكتور "بشير زهدي" /عالم الآثار/ فقد تحدث عن الدكتور الريحاوي" بالقول: «كانت لي معه وقفات عدة حيث عملنا في ذات المكان وهو "المتحف الوطني بدمشق" ويمكنني القول بأن الدكتور "الريحاوي" أحب وطنه ومهنته وبالتالي كرس حياته بمجملها لخدمة الوطن من خلال العلم ولع بفن العمارة وبخاصة الإسلامية منها.
سن لنفسه منهجية علمية موثقة ارتكز عليها معظم ماقدم من بحوت ودراسات وكتب، وكانت السبب وراء تفوقه في مجال حماية الأثار، وهذه المنهجية تقوم على الاعتماد على المصادر والمراجع العلمية والذهاب إلى موقع الأثار ومعاينتها كوثيقة ملموسة، وهذا كان يساعد الدكتور "الريحاوي" على اكتشاف دقائق الأمور مزاوجاً المراجع التاريخية مع الأثار الموجودة فوراً».
أحب دمشق فكتب عنها بقدر ما أحبها وله مؤلفات عدة عن فن العمارة الإسلامية مازالت تعد مصدر ومرجع لمن ينشد البحث في هذا النوع من الدراسات.
كان له الفضل في إنقاذ مواقع أثرية عدة في حوض الفرات وذلك قبل البدء بإنشاء السد؛ فتح الباب واسعاً للتعرف على آثار تلك المنطقة من خلال العمل مع العديد من البعثات التي وصلت للكشف وإنقاذ العديد من المواقع في المنطقة المذكورة وبالتالي الحفاظ على اللقى الأثرية التي عثر عليها ضمن الموروث الثقافي العالمي».