أحد المفكرين الذين بحثوا في اللغة العربية وقدموا نتاجات كبيرة في الفلسفة والعلوم الطبيعية وعلم الاجتماع وفي الأدب والثقافة.
إنه الدكتور "عبد الكريم اليافي" أحد الباحثين السوريين الذين بصموا بنتاجهم الأدبي والمعرفي الساحة الثقافية السورية والعربية.
"عبد الكريم اليافي" قامة أدبية وثقافية كبيرة رحلت عن عالمنا في 11/10/2008، بعد مسيرة عطاء حافلة تركت بصماتها في أجيال عديدة من أبناء وطننا العربي، وفي حركة الأدب والفكر والفلسفة والعلوم، فهو العالم في السكان وعلم الاجتماع، وهو الشاعر والأديب والفيلسوف والمفكر وعالم التاريخ والرياضيات والعلوم الطبيعية والتراث العربي، وهو الإنسان البسيط المتواضع، الذي استطاع بعلمه وفكره أن يكون محط محبة طلابه ومريديه وإعجابهم
الدكتور "علي القيّم" معاون وزير الثقافة يقول: «"عبد الكريم اليافي" قامة أدبية وثقافية كبيرة رحلت عن عالمنا في 11/10/2008، بعد مسيرة عطاء حافلة تركت بصماتها في أجيال عديدة من أبناء وطننا العربي، وفي حركة الأدب والفكر والفلسفة والعلوم، فهو العالم في السكان وعلم الاجتماع، وهو الشاعر والأديب والفيلسوف والمفكر وعالم التاريخ والرياضيات والعلوم الطبيعية والتراث العربي، وهو الإنسان البسيط المتواضع، الذي استطاع بعلمه وفكره أن يكون محط محبة طلابه ومريديه وإعجابهم».
وعما قدمه د. "اليافي" في مجال اللغة العربية يضيف د."القيم": «كان "اليافي" المدافع عن أصالة وعظمة اللغة العربية، التي لا يجد لغة أقوى جذوراً مادية وروحية وفكرية منها، فهي اللغة البديعة الغنية المقدسة الخالدة، التي تعشقها الشعوب التي استنارت ببيانها الدقيق.
و"عبد الكريم اليافي" كانت له تجربة واسعة مع تعريب المصطلحات العلمية، ومصطلحات التنمية الاجتماعية والعلوم المتصلة بها، وتأصيل الثقافة العربية الذاتية ومشكلات الترجمة والتحقيق، وفي كل هذا وذاك كان يرى أن المعرفة لا حدّ لها ولا نهاية للغوص في أعماقها، أو التحليق في آفاقها، ويزيد أن العلوم كلها قد يرفد بعضها بعضاً، ولو كانت متباينة الميادين، مختلفة الموضوعات، ويرى أن المعارف الإنسانية متضاربة، وجدير بالأديب المثقف أن يلّم بجملتها إلماماً ما كي يتاح له النظر السديد، والحكم الرشيد في قضايا الأدب الواسعة والمتباينة».
أما عن أبحاث "اليافي" ومؤلفاته فيقول: «في أبحاثة الجميلة والدقيقة يرى الدكتور "اليافي" أن الإنسانية كيان واحد، فقد نظر إلى تطور الإنسانية نظرة عامة تشمل أحقاب الزمن البعيدة، حتى العصر الحاضر، ولا يساوره شك في أنها كيان واحد ينمو ويتقدم، وتسري فيه شريانات التكامل، مشتبكة على الرغم من الخلافات الناشبة والأمراض الفتاكة والحروب المدمرة، والانحرافات المضللة، وليست الشعوب التي تحتويها الإنسانية منعزلاً بعضها عن بعض الانعزال كله، ولا منطوياً بعضها على نفسه انطواءً مطبقاً، بل بينها دائماً نصيب من الاتصال والارتباط ضئيل أو جسيم.
إن "اليافي" في كل ما كتب من مؤلفات ودراسات ومقالات وخواطر وشعر حريضٌ على أصالة اللغة العربية وصفائها، فقد بلغ حبه القداسة، وكأنه كان يردد دائماً مع الشاعر الكبير "محمد كامل صالح" لا يستطيع أحد أن يكتب بلغة لا يحبها، بل لا يعبدها، والعبادة لغة المعرفة والتقديس، فإن لم تفعل فستجدها بعيدة عنك، إن لم تفهم لغتك، إن لم تعبدها، لن تعطيك أسرارها ولن تستطيع الكتابة لها، عاش "عبد الكريم اليافي" الحياة وعاش في الناس، فكان فيضاً من العطاء المتدفق الذي ارتقى به سدّة المجد، وحلّق في سماء روابي الوطن، خمائل جميلة، وأهازيج نحل، وأطياف فل ورياض أقاح، وطلائع صبح ندي».
أما الدكتور "مروان المحاسني" رئيس مجمع اللغة العربية فيقول عنه: «كان منهم من عرفه أستاذاً في علم الفيزياء، ومنهم من عرفه أستاذاً في علم الاجتماع وعلم الجمال، وفلسفة العلوم والتصوف، استمر حتى عام 1974 في كلية الآداب "بجامعة دمشق"، وقد تشرف به كرسي الأستاذية سنة 1961، إلا أن الدكتور "اليافي" لم يلبث أن شبّ عن طوق كلية الآداب لتفيد من عمله مراكز علمية أخرى، إذ انتدب لتدريس علم الاجتماع والمنطق في كلية الشريعة، وعلم الاجتماع وعلم النفس في كلية الطب وفي كلية الصيدلة، وتاريخ العلوم ومنطقها في كلية العلوم، والإحصاء الحيوي في كلية التجارة، ثم عاد رحمه الله إلى منطلقه الأصلي، الذي كان قد حاز فيه إجازة في العلوم "رياضيات، كيمياء، فيزياء" سنة 1940 في جامعة "السوربون" في "باريس"، إذ طُلب إليه أن يحاضر في أصول تدريس الفيزياء والكيمياء في دار المعلمين العليا.
وتكامل بعدئذ عطاؤه الفكري بإنجاز تلك المؤلفات التي أبرزت أهمية علم الاجتماع الحديث من خلال تدريسه في جامعة "دمشق"، بعد أن انكب على صوغ المصطلحات اللازمة للتعبير عن خفايا العلوم الاجتماعية وتشعباتها المرتبطة بالمدارس الأوروبية الجديدة كالبنيوية والوظيفية، فنشر كتبه النفيسة: "تمهيد في علم الاجتماع"، وكان أضخم بكثير من أن يكون تمهيداً، و"دراسات اجتماعية ونفسية"، و"المعجم الديموغرافي" و"فصول في المجتمع والنفس"، وجميعها مؤلفات غميسة أصيلة في موضوعات تلقى أسسها خلال دراسته في "باريس"، وأسبغ عليها مسحة من عبقريته ليربطها بواقع المجتمع العربي».
وينهي د. "محاسني" حديثه بقوله: «لقد كان الدكتور "اليافي" دائم التفتح على أمور ثقافية كانت تتقاطع عناصرها في ذلك النصف الثاني من القرن العشرين، وكان هذا يستحثه لضبط معطياتها في كتب تفتح أبواب فهم تلك العلوم.
ولم يسعفني الحظ بأن أكون في عداد تلاميذ الدكتور "اليافي" في فرع من الفروع الهامة التي تولى تدريسها، لأضيف شهادتي إلى ذلك الإجماع الصادر عن طلابه، في إكبار مخزوناته المعرفية، وتقريظ قربه من طلابه، كما أن مساري التدريسي في جامعة "دمشق" لم يتقاطع في أي مرحلة مع مسار ذلك الأستاذ الكبير.
إلا أنني واجهته أول مرة حين كلفني أستاذي الكبير الدكتور "حسني سبح" رئيس المجمع آنذاك، أن أزور الدكتور "اليافي" برفقة زميلي الدكتور هيثم الخياط"، لنحاول إقناعه بقبول ترشيحه إلى عضوية مجمع اللغة العربية، وقد بدا لنا لدى زيارته في داره ما يتميز به من التواضع ودماثة الخلق، وقد أوضح لنا أن ممانعته في ذلك تدور حول تخوفه من أن يكون عمله المجمعي معطلاً لمنطلقاته في مجالات العلوم المختلفة، وقد كان عندها في خضم إنتاج علمي غزير».
من الجدير بالذكر أن العلامة والمفكر والأديب الموسوعي "عبد الكريم اليافي" ولد في مدينة "حمص" 1919، وتلقى تعليمه على أيدي أئمتها في القرآن والحديث واللغة.