من الحرف والتراث والعمارة كوّن لوحة فنية اعتمد فيها على ألوان صوفية، تتنقل في ثناياها فترى التراث ماثلاً أمامك بمعان معاصرة.
موقع "eDamascus" التقى الفنان "أحمد إلياس" وكان الحوار معه لوحة فنية رسمها بنقاء صوفي.
أن تجربة أي فنان كي تبصر النور تحتاج إلى خبرة وممارسة، فالفنان "أحمد الياس" لم يحاول أن يغير تجربته، بل عمل على تطوير هذه التجربة، وهذا ما يدل على الثقافة الواسعة، خاصة أن الكثير من الفنانين حاولوا تطوير تجربتهم، لكنهم بقوا على الأسلوب ذاته
** في الحقيقة إن مرحلة إتقان الحرف العربي أتت بعد مرحلة رسم الطبيعة والتشخيص الواقعي، حيث لجأت لهذا الأسلوب في الثمانينيات من خلال التوجيهات الأكاديمية لبعض الأساتذة الذين كانوا يؤكدون الاستفادة من التراث والحضارة، وكانت البدايات عبر إدخال الحرف العربي كمفردات خطية، ثم تحولت إلى مرحلة اللوحة الزخرفية أكثر من اللوحة التصويرية، فالحرف في اللغة الأدبية يقتصر على المفهوم الأدبي لكن من خلال تجاربي استطعت تحويل المفهوم الأدبي إلى المفهوم البصري، عبر اللغة البصرية التي تعتبر لغة عالمية.
** بعد هضم الفكرة البصرية للحرف العربي كعناصر للتراث، وعملية الانتقال من المفهوم الأدبي إلى المفهوم البصري لرؤية العمل الفني أصبحت أوظف جميع عناصر التراث أياً كانت، كعمل تجريبي، ومن الممكن أن تتجاور مع بعضها من أجل تكوين اللوحة لتطوير التجربة، وبإقامة عدة معارض تمكنت من إيصال المفهوم العام الذي تبنى عليه اللوحة لمتلقين يتابعون قراءة اللوحة التشكيلية، حيث لا تقتصر على الفنانين العرب فحسب.
** جميع أشكال التراث متكاملة، وهذا الأمر نابع من الأسلوب الذي أعمل عليه، وهو أسلوب تجريبي يتطلب عناصر تجريبية، فلا يوجد فيها بعد ثالث، أما في التشخيص فيوجد هذا البعد، لهذا استطعت أن انتقل من التشخيص إلى التجريد، أما بالنسبة للعناصر الزخرفية فهي متممة للتشكيلات الحروفية، والكثير من الفنانين يستخدمون الزخرفة الإسلامية بالطريقة الكلاسيكية سواء كانت هندسية أم نباتية، وحتى في الأوابد المعمارية القديمة، كذلك على الواجهات والأبواب والأدوات المستخدمة بشكل كبير، واستخدمت بعض اللوحات التي تشبه الأيقونة واللوحة المقوسة من الأعلى التي تشبه النافذة الإسلامية والمحراب، وهذا الشكل له علاقة بالتراث الذي أعمل عليه كشكل يتوافق مع مضمون العمل الفني كرموز وتصور.
** الأبجديات والمخطوطات أساس اللغات، واللغة تعتبر تفاهماً، وأنا أعمل على لغة بصرية، ويوجد جماليات وإحساس في المخطوطات القديمة التي تذكرني بالتراث، ويجمع بين الحاضر والماضي، وطالما أن العمل ينهل من المحلية، فمن الضروري أن تتواجد مثل هذه الأبجدية والمخطوطات في التشكيل، وهي تتآلف مع الحرف العربي والمضمون الجمالي للحرف العربي، ويمكن لأي فنان أن يدخل مثل هذه المخطوطات، فهي رمز للتشكيل، حيث يمكن أن تستخدم عند الفنانين الذين لم يتناولوا الحرف العربي، وإذا أخذنا الأبجديات والمخطوطات فقد كانت أساس الحرف العربي، وبعض الزخارف الشعبية المستخدمة فيها هي عناصر روحانية، وعندما يعمل الحرفيون بالصناعات اليدوية كالسجاد والبسط كانوا يستخدمون فيها هذه العناصر.
** هذا صحيح، إن العين هي الفاتحة التي ترينا كل الأشياء على حقيقتها، وتعطينا الألوان والأشكال، وهي مرآة للواقع والإنسان، الذي يعتبر لاقطاً ويستوعب كل الأشياء المحيطة حوله، والعين لها دلالات كثيرة، وهي بالنسبة لي كالنقطة بالنسبة للحرف العربي.
* لماذا توصف بأنك ملون؟
** هذا صحيح، كان زملائي في الوسط الفني ينادونني بالملون، وبالنسبة لي اللون له وزن، وهذا يرتبط بفكرة اللوحة والحالة النفسية للفنان، واستخدم الألوان تبعاً لوزنها، ولا يعنيني استخدام لون محدد، لكنني أرتاح للون أكثر من غيره، وأحب اللون الأخضر، لكونه يدل على العطاء، واللون السماوي الدال على الراحة النفسية، والألوان الباردة تشدني أكثر إلى جانب بعض الألوان الحارة التي تجعل التركيز في اللوحة أعلى، خاصة مع الإضاءة فهي جزء من تكوين اللوحة التي تتعلق بالكتلة والظل، حتى تجذب المتلقي للدخول في حوار مع اللوحة، وهذه كانت سمة لأعمالي في المراحل كافة.
** بالنسبة لاستخدام هذه العناصر، لها شقّان: أولاً العقيدة، فاللوحة تعكسني من حيث الألوان والراحة النفسية، حيث تعكس معتقداتي، وأجد في ذاتي تصوفاً في إيماني الذي يدفعني إلى العفوية، لتنعكس في تكوين اللوحة، كي تعطي معنى الصوفية بالألوان، أما بالنسبة إلى الشق الثاني المتعلق بمفردات التكوين فهو بحد ذاته تصوف سواء أكان حرفاً عربياً كمعنى أدبياً مطلقاً بكل أبعاده أم غير ذلك، خاصة أن الله أنزل به القرآن الكريم، فهو مطلق لأنه يحمل فيه المعنى الأدبي والجمالي، لذلك نرى أن الكثير من الفنانين أخذو الحرف العربي من ناحية المساحات الجمالية.
** عندما يكون الفنان لديه حشد من العناصر الفنية تجد أن الفضاء البصري للوحة كان ضعيفاً ومشوشاً، وهذا يحدث عندما يكون الفنان متشوقاً للرسم، ويكون له عدة تصورات يمكن أن تأتي بمرحلة متباعدة بالرسم تأتي هذه اللوحة بحشد من العناصر، أما بعض اللوحات تأتي بحالة نفسية مريحة ترى أن الفضاء اللوني التصوفي فيه بعداً أكثر من الناحية اللونية الصوفية، والسبب يعود للراحة النفسية للفنان، أما بالنسبة للتصوف اللوني فيدخل فيه مجموعة ألوان في عدة درجات لا متناهية، لها بعد يتعلق باللا وعي والحس الذي يحول الواقع إلى ما وراء الواقع، فالعين ترى الأشياء لتكون الإدراك، فمثلا عندما يصف الله الجنة فأنت لم ترها، لكن رب العالمين قرَّب لك الجنة من خلال القرآن الكريم، لذا أصبح لديك إدراك حسب نظريتك ومعتقداتك، فهي بالفعل لغة إدراك.
** ينبغي أن ينهل الفنان من محليته وتراثه وواقعه، ويكون أساساً لعمله الفني، حيث يحقق من هذه المحلية للدخول إلى العالمية دون تبني عولمة الفن، لأن فيها ضياع للمفاهيم والتراث والهوية المحلية، وأنا لست مع الفنان العربي الذي يشبه أي فنان من الصين أو أوروبا، لكني مع أن يحمل الفنان لغته المحلية ويصوغها بطريقة بصرية في درب العالمية، لأننا نتمتع بحضارة وتراث عظيمين، وهذا التراث يجب أن نوظف أجزاءه في أعمالنا الفنية ونصيغه بلوحاتنا الفنية كل على حسب طريقته.
الفنان "علي الكفري" اعتبر «أن تجربة أي فنان كي تبصر النور تحتاج إلى خبرة وممارسة، فالفنان "أحمد الياس" لم يحاول أن يغير تجربته، بل عمل على تطوير هذه التجربة، وهذا ما يدل على الثقافة الواسعة، خاصة أن الكثير من الفنانين حاولوا تطوير تجربتهم، لكنهم بقوا على الأسلوب ذاته».
وقال "الكفري" «معرفتي الكبيرة به تعود إلى أكثر من /30/عاماً، فالحرف يوضع في مكانه باللوحة، حيث يدمجه بالزخارف، كما أن التكوين لديه ناضج بشكلٍ كبير نابعٍ من خصوصية رسم الحرف باللوحة، ويتمكن أيضاً من إيجاد التكوين دون إدخال الحرف في اللوحة، وهذا يعد أمراً هاماً، والأهم من كل ذلك أنه استطاع تكوين مدرسة فنية، حيث نتمكن من معرفة اللوحة أنها تعود لأحمد إلياس دون أن تكون موقعة باسمه، وقلة من الفنانين يصلون إلى هذه المرحلة، فهو فنانٌ محترف، وهذا نابع من مخزونه الثقافي والمعرفي وأحاسيسه الفنية، إذ يرسم اللوحة بمتعة وعفوية وعقلية عالية، فيعرف أين يضع اللون وأين تكون المساحة الفارغة، وهذا نابع من الخبرة فهو فنان من الطراز الرفيع».