الفن هو حاجة إنسانية لازمة لبناء ثقافتنا ومعارفنا كما يعتبر أهم وسيلة تربوية وتعليمية تؤهلنا لرؤية سليمة وواضحة لما يدور حولنا.
بهذه الكلمات البسيطة في تركيبها والكبيرة في معانيها بدأ الفنان "إبراهيم العواد" حديثه مع "eDamascus" الذي أجرى معه لقاء التالي:
يعد الفنان "إبراهيم العواد" المعادلة الصعبة التي يحاول كل فنان تحقيقها من خلال إثبات مقدرته على تطويع الألوان والخامات المختلفة واختلاف طرق التعامل معها، فقدم أعمالاً تشكيلية ونحتية بحساسية عالية، فتخرج من طوع يديه تعبيرات شكلية حافلة بالحس الإنساني وتفاعلات الطبيعة السورية الريفية بكل جمالياتها ومفاتنها التعبيرية
** منذ الطفولة والفن يسكن بداخلي، ويتطور هذا الهاجس شيئاً فشيئاً، وفي الصف الخامس الابتدائي أصبحت أفكر أكثر بمستقبلي كفنان، ثم دخلت إلى كلية الفنون الجميلة بدمشق ودرست النحت لأنه كان يستهويني أكثر، وبعدها سافرت إلى ألمانية ودرست تاريخ الفن والعمارة، ولضيق المساحات التي كانت متوافرة لي هناك كان من الصعب علي أن أمارس النحت بشكل مستمر، ولهذا اتجهت إلى الفن التشكيلي الذي كان يستهويني العمل به أيضاً، وبرأيي النحات يجب أن يكون رساماً ناجحاً، لأن النحات عندما يتعامل مع فن ذي ثلاثة أبعاد ليس من الصعب عليه أن يبدع في فن ذي بعدين فقط، والفنان الذي يستطيع أن يبدع باستخدامه الحجر والأزميل حكماً يستطيع أن يبدع باستخدامه الريشة والورقة، وأنا مارست المهنتين بتساوٍ واحترام متبادل، فعندما أتوق إلى النحت أنحت وعندما أتوق إلى التصوير أرسم، ولا أفضل أحداهما على آخر.
** عندما أتوق إلى النحت ألجأ إليه وعندما أتوق إلى التصوير أذهب إليه، فدائماً أرى في لوحاتي كتلاً أفرغ فيه إحساسي وشعوري، وأجد في منحوتاتي نوعاً من علاقة السطوح، فينشأ لدي حالة من الديناميكية بين الخامة والفكرة التي لدي، فعندما أقوم بالنحت أرى عملي داخل هذه الخامة ثم أبدأ بإزالة القشور من عليها، فالنحت مثلما قال النحات العالمي "مايكل أنجلوس": "إن مهمة النحات إخراج فكرته من داخل الصخرة من خلال إزالة القشور من عليها"، والنحات يجب أن يكون لديه هذه الرؤية الخارقة، كما أنني أتعامل مع لوحاتي بنفس الروح والرؤية، فأجلس أمام اللوحة الفارغة أتخيل الشخوص والمساحات والكتل الموجودة على هذه اللوحة، ثم أقوم بإضافة تلك الرؤية إلى الورقة البيضاء لكي أعبر بها عن فكري وثقافتي، كما أنني أعمل في النحت والتصوير بشكل متلازم وقد يكون ذلك في نفس اليوم حسب الدافع العاطفي والفكري إلى ذلك، وهكذا أقاسم العلاقة بين أعمالي النحتية والتصويرية أي علاقة الكتلة بالسطح، وباعتبار أن الشخص هو نفسه وذو ثقافة واحدة فمن البديهي أن يكون هنالك قواسم بينهما.
** لابد لي أولاً أن استشهد بالمثل الشعبي "إلي مالو قديم مالو جديد"، وطبعاً هناك أشخاص دائماً ينتقدون هذا الأسلوب بدواعي الحداثة والعولمة، ولكن الحداثة من أين أتت، فهي لم تأت من السماء، إنما هي استمرار للقديم، فعندما نمجد القديم فإننا بذلك نكرم الجديد، فدائماً أحاول أن أقرأ التاريخ من خلال قراءة الأعمال النحتية في المتاحف لأعرف كيف كان زميلي الفنان في العصور القديمة يفكر وماذا يريد أن يقول من خلال هذا العمل النحتي، وهذه الفكرة تتطابق مع اللوحة في تصوير العصور القديمة عن طريق استخدام الرموز ودلالات التاريخية المعبرة عن تلك الحقبة التاريخية من خلال اللون، وباعتباري أنتمي إلى هذه الحضارة الغنية فمن البديهي أن أحاول أعادة إحياء هذه الذاكرة المنسية من خلال هذه الرموز والإشارات والدلالات التاريخية التي تعبر عن هذه الحضارة أو تلك، لأن حضارتي أولى فيّ أن أعبر عنها في لوحاتي ومنحوتاتي.
** أحب ألوان الصريحة، فدائماً أحاول استخدام الألوان المباشرة لكي تصل بسهولة إلى القارئ، وخصوصاً الألوان "الأخضر والأحمر والأزرق" والتي هي ألوان الحياة والتي تعبر عن الحياة بكامل تفاصيلها، كما أحاول أن يكون هناك تناغم بين أفكاري وأعمالي الفنية، فالفن سواء كان نحتياً أو تصويرياً يجب أن يكون فيه نوع من التناغم الموسيقي بين الفنان والعمل الفني، ليستطيع الفنان أن يعبر عما يريد إيصاله إلى العالم الخارجي عن طريق هذا العمل الفني.
** الأهرامات وحدائق بابل وغيرهما من الأشياء التي تعد من الأساطير وصنعها الإنسان، فالأسطورة قبل أن تكون أسطورة نسجها الإنسان من خلال فكرة وتطورت حتى أصبحت أسطورة في يومنا هذا، وأنا أحاول إعادة أحياء هذه الذاكرة من خلال توظيفه فنياً عبر الرموز والدلالات التي استخدموها للتعبير عن حضارتنا الشرقية الجميلة.
** العفوية والتلقائية من الأشياء المهمة جداً في أي عمل فني، فالعفوية والتلقائية من الأشياء التي يجب أن يمتلكها أي فنان، لأن الفن هو حالة إبداعية، فالفن لا يعني شيئاً من دون الثقافة التي بدورها تولد العفوية في الفن، وطبعاً العفوية والتلقائية يختلفان من شخص لآخر وحتى من عمل فني لآخر لنفس الفنان حسب ثقافة الفنان أو حسب الفكرة التي راود الفنان لحظة بدأ بالعمل الفني، فأنا برأيي يجب أن يكون الفنان عفوياً في الفن لأنه بذلك يعبر عن الجمال والروح الحقيقي للفنان وماذا يريد إيصاله إلى المشاهد الفني.
** التراث الشرقي هو وجودي وثقافتي، فلا أستطيع أن ابتعد عنه لأنه يمثل حياتي بكل رموزها وتفاصيلها الدقيقة، فمثلاً الفنان في "سورية" لا يستطيع أن يعمل برموز وإشارات يعملون بها في أمريكا أو أوروبا بدواعي الحداثة والعولمة لأنها حتماً سوف تكون فاقدة لروح التعبير الحقيقي عن الحالة الفنية المراد تعبير عنها عن طريق الفن، فمثلاً البئر يعطي الماء من محيطه، ومن المستحيل أن تستخرج منه ماءً يشبه ماء ألمانيا في بئر هنا، إذاً من البديهي أن أعطي من بيئتي وأعكس ثقافتي الشرقية، لأن مخزوني المعرفي والفكري من هذه البيئة الشرقية التي أفتخر أن أعبر عنها في فني.
** أنا لا أسكن النمط الواحد، أؤمن بالتنوع وترحال الخيال، فالمدارس الفنية لم تتواجد والفنان من ذهب إليها، والعكس هو صحيح، لأن المدارس الفنية وجدها النقاد وفلاسفة الفن من خلال قراءة لوحات فنانين مشهورين وإطلاق أسماء على أسلوبهم الفني، فهذا أسلوب واقعي وذاك تجريدي وتلك انطباعية، وبعد ذلك أصبح هذا الأسلوب أو المدرسة الفلانية تستهوي سين من الفنانين فاتبع أسلوبها، فالمدرسة الفنية تسكنني ولكنني لا أسكنها، فأنا أحب أن أعمل ما تنتجه اللحظة التي أنا فيها أو الفكرة التي تدور في ذهني في تلك اللحظة.
** دراستي في ألمانيا هي سبب وجودي في هذه الرقعة الفنية التي أنا فيها الآن، كما أن وجودي في ألمانيا لأن لدي خبرة ومعرفة كبيرة في تاريخ الفن والعمارة من خلال احتكاكي بنحاتين ورسامين عالميين، ولأن لدي مخزوناً معرفياً كبيراً في مجال الفن الحديث، وبغض النظر عن هذا كله فوجودي في ألمانيا جعلني أرى الحضارة الشرقية التي أنتمي إليها بعين أجمل، فأصبحت أقرأ عن هذا الحضارة التي يعرف عنها الألمان أكثر مما يعرفه المواطن عن هذا الحضارة العريقة.
** الفن هو أن تطرحه على الجميع ولكنه لا يصل إلى الجميع، وأنا برأيي أن كل طفل لديه إمكانية أن يصبح فناناً عن طريق تنمية هذه الإمكانيات الفنية وتطويرها، وللأسف لا نجد هذا الدافع التنموي في مجال الفن لدى المؤسسات التربوية ولا يهتمون به، ما حصره في مجال الهواية فقط باعتباره ترفاً اجتماعياً، وهذه الحالة "قلة الاهتمام بالفن" دفعني لكي أقدم شيئاً من أجل الأطفال الموهوبين فنياً وبشكل مجاني، فكان أطفالي أولى طلابي، ثم أصدقاؤهم، وبعدها تطورت الفكرة لتشمل كل طفل لديه تذوق فني ويمكن أن يقدم شيئاً للفن في المستقبل، كما أنني مستعد أن أساهم وبشكل مجاني في أي مشروع يهدف إلى تطوير الفن لدى الأطفال الموهوبين.
** أشعر أحياناً بضرورة التعبير عن لوحاتي وأعمالي النحتية بكل تفاصيلها الدقيقة لكي تصل إلى المشاهد بالصورة التي أريدها أن تصل، فألجأ إلى الكتابة، مع أنني من أنصار أن قراءة اللوحة الفنية هي معادلة بين المشاهد واللوحة الفنية فقط يجب ألا يتدخل فيها الفنان، وفي النهاية كل مشاهد يقرأ اللوحة الفنية حسب ثقافته، ولكن البعض لا يمتلكون الثقافة الفنية لقراءة العمل الفني قراءة صحيحة، وتأتي الكتابة لترميم هذا النقص الفني لدى المشاهد، والكتابة في النهاية هي ثقافة ولابد لنا أن نعبر من خلالها عن أفكارنا.
** أنا من أنصار الفن للجميع والفن للفن، يعني هناك لوحات لا يستطيع الفنان تبسيطها كثيراً حتى يفهمها جميع الناس، وهذا يرجع إلى الثقافة والتذوق الفني الذي يتمتع به المتذوق الفني، فلا يمكن أن أقدم لوحة أو عملاً نحتياً لشخص لا يملك أي ثقافة بصرية، فقبل أن أدعوه إلى معرض فني يجب أن أؤسس لثقافة فنية حتى ينشأ لدي جيل متذوق بصرياً، وطبعاً هذا دور المدرسة والعائلة وليس دور الفنان ذاته، كما أنني نشرت العديد من المقالات الفنية عن كيفية قراءة العمل الفني، ولكن للأسف معظم الناس لا يقرؤون أي مقالات فنية بسبب انشغالهم بالهموم الحياتية اليومية وكيفية تأمين لقمة العيش.
** حالياً أعمل على عدة مواضيع نحتية وتصويرية مرتبطة بالإنسان ذاته، من خلال تصوير أجزائه مثل اليد والرأس... وأحاول فلسفة هذه الأعمال بطريقتي الخاصة، لأنني من أنصار الفلسفة أمّ العلوم، لإنك لا تستطيع أن تقرأ أي شيء قراءة صحيحة إلا أذا قرأته قراءة فلسفية، لأن الفلسفة هي فن الاحتمالات والمقارنات، فجديدي هو فلسفة الفن أي تعميق الفن.
** عملي كفنان هو رد فعل وإجابة في آن واحد ومشواري خاص منذ البداية، لا أسكن النمط الواحد بل أؤمن بالتنوع وترحال الخيال بحثاً عن الإبداع.
والتقينا الفنان الشاب "محمد حمدو"، وحول رأيه بالفنان "إبراهيم العواد" يقول: «يعد الفنان "إبراهيم العواد" المعادلة الصعبة التي يحاول كل فنان تحقيقها من خلال إثبات مقدرته على تطويع الألوان والخامات المختلفة واختلاف طرق التعامل معها، فقدم أعمالاً تشكيلية ونحتية بحساسية عالية، فتخرج من طوع يديه تعبيرات شكلية حافلة بالحس الإنساني وتفاعلات الطبيعة السورية الريفية بكل جمالياتها ومفاتنها التعبيرية».
والجدير بالذكر أن الفنان "إبراهيم العواد" من مواليد "دمشق" 1960، خريج كلية الفنون الجميلة قسم النحت عام 1983، درس دراسات عليا في تاريخ الفن والعمارة بين 1988 و1992 في جامعة آخن بألمانيا، معيد في كلية العمارة بين 1990 و1992 في جامعة آخن ألمانيا، عمل في تصمم المشهد الفني في التلفيزيون الألماني عام 1992، عضو اتحاد الفنانين التشكيليين في سورية، عضو جمعية الفنانين التشكيليين بمدينة آخن ألمانيا.
كما له العديد من المعارض الفردية ومشاركات جماعية داخل البلد وفي ألمانية، منها:
مشاركة في معرض الخزف بدمشق عام 1983
معرض صالة الرواق العربي بدمشق 1983
معرض في المركز الثقافي العربي أبو رمانة عام 1983
مشاركة بمعرض فنانين من العالم بدار الثقافة بمدينة آخن ألمانيا عام 1987
معرض فردي نحت وتصوير في محيط مدينة فوبسفيده ألمانيا عام 1995
معرض فردي نحت وتصوير في مدينة آخن ألمانيا عام 1995
معرض فردي بعنوان "نحت ورؤى حروفية" في مدينة آخن ألمانيا عام 1997
مشاركة بمعرض ضمن فعاليات سياحية بمدينة هنوفر ألمانيا عام 2004
مؤسس وصاحب محترف ترابيسك للفنون الجميلة للأطفال في حنايا منذ عام 1996
مشاركة في الملتقى الدولي الثالث للنحت على البازلت في السويداء 2010
مشاركة بورشة عمل أطفال المدرسة الوطنية السورية بالتعاون مع معهد الفنون التطبيقية بدمشق 2011.
وهو حالياً متفرغ للعمل الفني والبحث في التراث الإنساني.