حملها معه البدوي في حله وترحاله بعد أن قام بتصنيعها لتؤنس عليه وحشته في البراري، لينتقل أنسها إلى الفلاح الذي تفنن في صناعتها وعمل على تطويرها وتزيينها بالنقوش وليستخدمها أداة لتحريك الجموع في أفراحه.
وحتى يومنا هذا مازال للشبابة مكانة مميزة في الآلات الموسيقية في البيئة الحورانية حيث إن صناعتها تعتمد على توافر مادة القصب وهي متوافرة بكثرة في منطقة "حوران".
تختلف تسميات "الشبابة" في حوران باختلاف المناطق التي ينتمون إليها فقد يعرفها البعض باسم "الشبيبية" أو "القصيبة" أو "البنجيرة"
السيد "حمود السودي" عازف على آلة "الشبابة" يتحدث لموقع eDaraa بتاريخ 11/12/2012عن أقسام هذه الآلة بالقول: «"الشبابة" آلةٌ موسيقية نفخيّة عبارة عن أنبوبةٍ مُجَوَّفة من القصب أو المعدن، وطولها نحو نصف متر أو أقلّ بقليل، ولها ستة ثقوب تبعد عن بعضها بمقدار ما يبعد الإصبع عن الآخر أو أكثر بقليل، ويُنفخ في طرف فتحتها العليا فتُخرج صوتاً يُعَدّلهُ العازفُ بتحريك أصابع يديه ليخرج له اللحن الذي يريده.
بداية العزف على الشبَّابَة لم يكن بحاجة إلى علمٍ وتعليم، فهي عبارة عن صفيرٍ يُخرجه الإنسان بأن يزمّ شفتيه وينفخ من أنفاسه هواءً يدفعه ويُحرِّكه بطرف لسانه فيخرج باللحن الذي يريد، ثم أصبح ينفخ هذا الصفير في أنبوبة من القصب ثقبها ستة ثقوب وبدّلَ عليها بأطراف أصابعه حتى استقام له اللحن وتهيأ له النغم الذي يريده.
والشبَّابة صديقةٌ للراعي فهو يحملها في يده، أو يضعها تحت حزامه، ويُخرجها ليُشَبِّبَ بها وينفخ فيها ما يطيب له من الألحان فلا يشعر بالملل وهو يقضي الساعات الطوال في رعي المواشي بين تلال الصحراء وهضابها، وقد يستعملها كعصا يطرد بها قطيعه أو يدفعه ويسوقه بها.
ولا يقتصر استعمال الشبابة على الراعي فقط، فهي تستعمل كذلك في مناسبات الأعراس حيث يخرج أحد الشبَّان الذين يتقنون العزف عليها، ويتحلّق حوله عددٌ من أترابه ويأخذ في عزف الألحان الشجيّة على شبابته، بينما يُغنّي شخص آخر على نفس النغمة، ويقوم الآخرون بالسحجة والتصفيق.
ومن هنا نرى أنّ الشبابة تستجيب لألحان كثيرة متنوعة، ويمكن أن يتنقّل بها العارفُ بفنونها من لحن الدلعونا إلى أبو ردَيِّن، وإلى الموّال العاطفي أو اللحن الهاديء الحزين.
وإذا تأملنا في كلمة شَبَّبَ يشبِّب تشبيباً، والتي تعني تغزّلَ بالمرأة، فهي كما يبدو أخذت من الشبّابة، حيث كان الراعي يطلق ألحانه لتسمعه راعية في جهة مقابلة فيشبِّب لها، ويستلهم منها ألحانه وأنغامه، والرجل أبلغ ما يكون حين يتكلم أمام المرأة، فكيف إذا كان يغني لها فهو يكاد يذيب قلبه مع أنغام شبابته، فيبدو لي أن التشبيب من الشبابة وأن هذه العُصَيَّة من تلك العصا.
وكانت الشبابة تُصنع في البداية من البوص، ثم أصبحت تصنع فيما بعد من أنبوب من الألمنيوم لخفته وسهولة ثقبه، أو من معادن أخرى كالحديد والنحاس، ثم صنعت بعد ذلك من أنبوب من البلاستك الصلب المجوّف.
وما زالت الشبابة صديقة للراعي، وإن كان صوتها قد بدأ يبتعد عنا شيئاً فشيئاً بسبب قلة المواشي، وانتشار أجهزة الراديو الصغيرة التي يحملها الرعاة ويتسلّون بها، وإن كانت هذه الأجهزة لا يمكنها أن تسدّ فراغ الشبابة أو تحلّ محلها، ويظلّ حنين الراعي إلى شبّابته لا يتغيّر مهما تعددت الأجهزة أو تغيّرت ظروف الزمان».
السيد "بسام رحال" عازف شبابة من سكان مدينة "طفس" تحدث عن علاقة عازف "الشبابة" بآلته بالقول: «هي ليست وسيلة تسلية وترفيه تلازمه في الأفراح فقط بل هي آلة موسيقية تثير لديه حالة من الطرب فاقت شهرتها أحدث الآلات الموسيقية، وبرأيي "الشبابة" المصنوعة من القصب تعطي لحناً أحن من ذاك الذي تعطيه الشبابة العصرية المصنوعة من الألمنيوم، مع العلم بأن في كلا النوعين يمكن العزف بطريقة السن وذلك بأن تكون فتحة "الشبابة" بين أحد الأسنان الأمامية للفك العلوي مع أسنان الفك السفلي، أو بطريقة البرطم أي بوضع فتحة "الشبابة" بين الشفايف من إحدى زوايا الفم».
ولفت السيد "رحال" إلى أن عازف "الشبابة" يشارك في جميع المناسبات الاجتماعية لأهالي الريف الحوراني فهو يعزف في الأفراح والأعراس وأيام الحصاد وجني الثمار فالشبابة تستجيب لألحان كثيرة لذا فقد يرافق العزف عليها الغناء أو التصفيق أو السحجة أو الدبكة، ولا تستجيب الهوارة إلا لعزف "الشبابة"».
وأضاف: «تختلف تسميات "الشبابة" في حوران باختلاف المناطق التي ينتمون إليها فقد يعرفها البعض باسم "الشبيبية" أو "القصيبة" أو "البنجيرة"».
السيد "أحمد المسالمة" الباحث في شؤون التراث عرف "الشبابة" بقوله: «هي آلة موسيقية نفخية مفرغة من الداخل مصنوعة من نبات القصيب أو القصب الذي ينمو في الأودية طولها /50/ سم أو مصنوعة من المعدن، مثقوبة خمسة ثقوب بعدد أصابع اليد الواحدة ويتم العزف عليها بالنفخ في فتحتها العلوية وتحريك أصابع اليد على الثقوب ليخرج اللحن المطلوب».
وأضاف السيد "المسالمة": «تستخدم "الشبابة" في الأعراس والأفراح وتلحن عليها كل الأغاني الحورانية ما يميزها عن باقي الآلات الموسيقية الشعبية هو اللحن الحنون والعاطفي جداً الذي يهيج المشاعر ويثير لواعج العشق والغرام».