أكثر من سبعين عاماً مرّت ولا تزال سينما "دمشق" تُشكّل علامةً مميزة ونقطة علام لأبناء مدينة "القامشلي" بعد أن قطع هذا المكان أشواطاً كبيرة في مهمتهِ الترفيهية لأبناء المدينة؛ هذا المكان الذي كان يحشد تحت سقفهِ قبل سنوات المئات من عشاق السينما؛ بات الآن أشبه برواقٍ لا يُسمع فيه سوى صدى أصوات شخوص الأفلام التي كانت تُعرض قبل عدة عقود.
موقع eSyria وبتاريخ 22/2/2012م التقى مع عدد من كبار السن في "القامشلي" ممن احتفظوا في ذاكرتهم شيئاً من تاريخ المكان؛ البداية كانت مع السيد "حسين أحمد العمر" /60/ عاماً والذي قال: «كانت سينما "دمشق" إحدى الأماكن الترفيهية التي كنا نقصدها في فترة المراهقة؛ كانت بالنسبة لنا مُتنفّساً حقيقياً لميولنا ورغباتنا؛ خاصةً في ظل غياب البديل كالساتلايت أو أفلام الـ(DVD) كنا نتقمص شخصيات أبطال الأفلام التي تُعرض على الشاشة الكبيرة خاصةً الأفلام الهندية والكاراتيه، في تلك الفترة كانت سينما "دمشق" هي الأميز والأكثر استمرارية في عرض كل ما هو جديد من أفلام رغم وجود سينما أخرى في الشارع المقابل».
جاء جدي "كربيس" مع عدة عوائل أرمنية إلى "سورية" واستقروا في "القامشلي" مع بدايات القرن العشرين، وأثناء قدوم الفرنسيين واحتلالهم لـ"سورية" عمل جدي مُترجماً لديهم واستطاع استملاك دار سينما وأطلق عليها اسم "سينما كربيس"
أما السيد "عبد الله محمود" /50/ عاماً فيقول: «لم أكن أشاهد العروض السينمائية إلا ما ندر؛ مع أنني في سن العشرين كنت أحب مرافقة أصدقائي الذين يواظبون على الذهاب للسينما؛ أما أول مرة أدخل فيها ذلك المكان المظلم كان في سن التاسعة حينما شاهدت تلك الشاشة الكبيرة وأذهلني أحجام الممثلين الكبيرة، ذهبتُ برفقة تلاميذ المدرسة والمدرسين لمشاهدة فيلم "الكفرون" لـ"دريد لحام" يومها فقط تعرّفت على اسم سينما "دمشق" وصرتُ أتباهى أمام أطفال الحي بذهابي إلى تلك القاعة الكبيرة والمظلمة».
السيد "علي عبد الرحيم" /70/ عاماً كان يتواجد أمام باب السينما بشكلٍ مستمر طوال ثلاثين عاماً باعتباره أحد أقدم بائعي الموالح في ذلك المكان؛ يقول: «لسينما "دمشق" ذكرياتٌ لا تُنسى بالنسبة إليّ؛ فقد أمضيتُ أوقاتاً طويلة أمام بوابة الدخول أكثر من الزمن الذي كنت أمضيه مع أفراد عائلتي، كنت أكسب الكثير من المال بفضل بيع الموالح في بهو الانتظار وحتى ضمن القاعة أثناء الاستراحة، بقيتُ في ذات العمل إلى أن لم يبق أي دور ترفيهي للسينما بعد ظهور الأقنية الفضائية حيث تركت العمل هناك عام /1990/م».
وعن القصص الطريفة التي حدثت معه خلال عمله؛ تابع "علي" حديثه قائلاً: «في إحدى الليالي وعند انتهاء آخر عرض خرج جميع من في الداخل واُقفلت الأبواب ولم يبق أي شخص في الجوار؛ باستثناء بعض الباعة أمثالي الذين كانوا يبيعون الموالح والدخان؛ كانت الساعة حينها قد تجاوزت التاسعة مساءً عندما جاء شابٌ في العشرين من عمره وهو يستعجلني الإجابة عن موعد ابتداء الفيلم؛ عندها مازحته وسألته عن سبب مجيئه مُبكراً، فكانت إجابته جاهزة وهي رغبته في الجلوس في المقاعد الأمامية، وعلى الفور وبلغة الأسف اعتذرت منه وبأنه لم يعد هناك أي مقعدٍ فارغ وعليه المجيء يوم غد، وبالفعل أدار ظهره لي وهو يلعن حظه لأنه تأخر ولم يحظى بفرصة مشاهدة الفيلم».
يعود تاريخ بناء سينما "دمشق" التي كانت تسمى قديماً "كربيس" إلى زمن الاحتلال الفرنسي ولم تنتقل ملكية هذا المكان إلا ضمن عائلة "ميرابيان" الأرمنية التي تقطن مدينة "القامشلي" منذ منتصف القرن الثاني عشر، موقع eSyria التقى السيد "مارك ميرابيان" أحد أحفاد "كربيس ميرابيان" مالك السينما؛ حيث تحدّث قائلاً: «جاء جدي "كربيس" مع عدة عوائل أرمنية إلى "سورية" واستقروا في "القامشلي" مع بدايات القرن العشرين، وأثناء قدوم الفرنسيين واحتلالهم لـ"سورية" عمل جدي مُترجماً لديهم واستطاع استملاك دار سينما وأطلق عليها اسم "سينما كربيس"».
ويضيف: «كانت السينما عبارة عن قاعة كبيرة مسقوفة بألواح من التوتياء وبقيت على حالها حتى عام /1950/ تم ترميمها على الشكل الحالي على يد "كربيت ميرابيان" بعد وفاة "كربيس" وتم تغيير اسمها إلى سينما "دمشق". كان ثمن بطاقة الدخول لا يتجاوز /20/ قرشاً ومن يود مشاهدة إحدى العروض التي كانت متتالية صباح مساء؛ كان عليه أن يحجز مُبكراً حتى يُحظى بمقدٍ شاغر، وأغلب الأفلام المعروضة كانت أفلاماً هندية ومصرية مثل "عنترة بن شداد" وأفلام "سميرة توفيق" و"عبد الحليم حافظ". حتى الفرق المسرحية كانت تُقدم عروضها على خشبة المسرح وأبرز الممثلين الذين شاركوا في تلك المسرحيات الفنان "دريد لحام" في مسرحية "كأسك يا وطن"».
ويختم حديثه بالقول: «مع ظهور أجهزة الفيديو والـ(CD-DVD) إضافة للساتلايت ومؤخراً الإنترنت؛ لم يبق أي دور ترفيهي أو تثقيفي للسينما؛ لذلك في عام /1994/م أجرينا بعض التغييرات في قاعة العرض وقمنا بتحويله لصالة أفراح مع أننا أبقينا أجهزة العرض والشاشة البيضاء على وضعها السابق؛ فقط استفدنا من إزالة المقاعد الثابتة وتبديلها مع أخرى لتناسب جميع المناسبات».
بعد أن كانت ملاذاً وحيداً لعشاق الفن السابع ومقصداً لمحبي تقنيات السينما؛ باتت اليوم سينما "دمشق" مكاناً لإقامة الدبكات وحفلات السمر فقط؛ وبذلك لم يحتفظ هذا المكان بشيءٍ من ذكريات الماضي سوى اسم "سينما دمشق".