"القضاء العشائري" هو الحديث الغالب لرجال أهل الجبل فيما بينهم حين يجتمعون، لكن حادثة جرت مع إحدى عائلات جبل العرب وهم "آل أبو عساف" جعلتهم يتداولون الحديث في الزمن الحاضر عن قضاء هام كان مشهوراً قبل قرن ونيف، هو قضاء "الخيل والمواشي".
الباحث "هايل القنطار" شارك في وضع "موسوعة السويداء"، وحول هذا الموضوع التقت "مدونة وطن" eSyria الباحث بتاريخ 8/10/2012 فقال: «كثرت شركة الخيول الأصيلة وخلافات المهاجرين الجدد على شراكة الخيل والمواشي، وأصبحت الحياة الاقتصادية مشحونة بالتوتر والخلاف، الأمر الذي أوجب وجود قاضٍ للخيل والمواشي في جبل العرب بشروط تتضمن مواصفات خاصة لشخصية هذا القاضي، إذ يجب أن يتمتع "بالرجولة" لأنه لم يعرف في التاريخ العربي قاضٍ عشائري من النساء، وأن يكون متمتعاً "بالضبط" أي أن يكون ضابطاً لما يرى ولما يسمع ولما يقول، و"مؤهلاً" اي إنه لا يتعرض لما يفقده الأهلية الشرعية، و"متمتعاً" بالعقل الراجح، و"صاحب دين" مؤمن بالله والتقى والورع، وأن يكون متميزاً بالصدق والأمانة، وقد كان الشيخ "محمد أبو عساف" الملقب "بالقميزي" أول من عين على قضاء الخيل والمواشي لأكثر من سنتين قبل وفاته عام 1885، أي إن قضاء الخيل والمواشي بدأ في الجبل في قرية "سليم" عام 1883، وهذه العادة كانت تجرب بالمقاصرة بين الشركاء بطريق البيع والشراء للأسهم حسب الأدمغة والأبناء وكل مشترك بقدر ما يملكه من أسهم صغيراً كان أم كبيراً، وكان الشريك الذي لديه الفرس الأم "يفيض" من أبنائها على المشتركين، أي له الحصة الأكبر، بمعنى الأكثر أسهماً مع بقاء مساهمة المشتركين الصغار قائمة، وإذا ماتت الفرس ولم تورث شيئاً يموت حق الجميع بالأسهم مثل انكسار الشركة، وأما إشغال أي عمل الفرس الأصيلة أو أبنائها بالفلاحة والدراس والجر أي بأعمال الزراعة فهو محرم حفاظاً على أصالتها، وتبقى في علو همة عن ذلك ليوم الغارة الحربية أو السبق أو الركوب السريع، أي تبقى مستعدة فقط للمعارك والغزوات التي كانت تحدث، لكن هذا النوع من القضاء قد انتهى وحلت محله المحاكم الرسمية».
في الواقع إن هذه القضوة أي المحكمة القضائية أصبحت من الأمثال الشعبية يتداولها الناس والمثقفون، والواقع أن اختياره لبركة "بحاحه" لأنها بركة لا يخوض فيها الحيوان وعليه أن يتطاول برأسه نحو الماء وهذا يساعد على تنفيذ مهمة الدفع بالمهرة إلى الماء فترتعب أمها الحقيقية، هكذا اعتمد قضاة الخيل على الفطنة والذكاء والحلم والأمانة والرجولة بأخذ القرار
وحول حكاية قضاء الخيل وبداية أحداثها عند "آل أبو عساف" بيّن الباحث الدكتور "علي أبو عساف" في كتابه "من أوراق الشيخين فهد حمد، وسلمان داوود أبو عساف في تاريخ آل أبو عساف" فقال: «بدأ قضاء الخيل عند "آل أبو عساف" عندما ورد إلى "شاهين أبو عساف" في قرية "سليم" شخصان يقودان فرسين ومهراً طالبين القضوة "أي إجراء محكمة قضائية"، فطلب إلى كل واحد منهما أن يقدم مرافعته أو شكواه، فقال الأول: "كانت فرسي تربع أي "ترعى في فصل الربيع بظهر الجبل"، ونظرت إليها وإذا بها ترضع المهرة، ولما أردت أن أعيد فرسي والمهرة إلى بيتي قابلني هذا الرجل وقال إن المهرة لي وكانت فرسي ترضعها، أما الثاني فقال: "إنه عندما "طلّ" (أي تفقد فرسه) كانت ترضع هذه المهره وتحوم دوماً حولها"، ثم عاد الأول وقال: "أيضاً كانت فرسي ترضع المهرة التي تحوم أيضاً حولها"، ففكر "شاهين أبي عساف" وسأل كل شخص، كم مرة زرت المكان؟، وهل كانت المهرة تتبع فرسك على الدوام؟، فاستنتج من الأجوبة أن المهرة كانت على الأكثر ملازمة لفرس أحدهما وعندها أسرّ (أي تحدث سراً) إلى أحد أولاده أن يذهب إلى بركة اسمها "بحاحة" بجانب قرية "سليم" إلى الجنوب منها، ويبقى هناك حتى ترد الفرسان والمهرة إلى هناك ويراقب الحادثة التالية قال: "شاهين" سأطلب من أحد الأشخاص أن يقود الخيول إلى بركة "بحاحة" وعندما تغب في الماء أي تقوم بشرب الماء يدفع المهرة إلى البركة، وعليك أن تعرف الفرس التي تصهل "أي من صهيل الخيل"، ذهب الابن وطلب "أبو حمد شاهين" من أحد أفراد الأسرة أن يذهب مع الفرسين للورد على بركة ماء اسمها "بحاحة"، نفذت الخطة وعاد الشخصان إلى المقعد فسأل "شاهين" ولده: "من هي الفرس التي صهلت فدل الابن والده عليها عندها قال "شاهين": "يا إخوان الفرس التي صهلت هي أم المهرة، والثانية ربما عطفت عليها أحياناً لتتخلص من الحليب"».
وتابع الباحث الدكتور "علي أبو عساف" بالقول: «في الواقع إن هذه القضوة أي المحكمة القضائية أصبحت من الأمثال الشعبية يتداولها الناس والمثقفون، والواقع أن اختياره لبركة "بحاحه" لأنها بركة لا يخوض فيها الحيوان وعليه أن يتطاول برأسه نحو الماء وهذا يساعد على تنفيذ مهمة الدفع بالمهرة إلى الماء فترتعب أمها الحقيقية، هكذا اعتمد قضاة الخيل على الفطنة والذكاء والحلم والأمانة والرجولة بأخذ القرار».
وعن عادة قضاء الخيل والمواشي واستمرارها من عدم استخدامها هذه الأيام بين المعمر "هايل عز الدين" الملقب "أبو كنج" عبر الهاتف بالقول: «قبل قرن ونيف كانت هذه العادة متداولة في جبل العرب ومن وضع أسس هذه العادة المرحوم الشيخ "محمد أبو عساف" الملقب بـ"القميزي" من قرية "سليم" وحكايته ظلت على ألسنة المعمرين حتى قبل نصف قرن من اليوم إذ تلاشت هذه العادة لعدم توافر الخيول الأصيلة واستخدامها في الترحال والسفر مع وجود السيارات ووسائل النقل الآلية المختلفة، وحل محل تلك الطريقة في القضاء المحاكم الرسمية التي تقضي بمشكلات الحياة جميعها المادية والمعنوية».
