"نصير شورى" فنان من أهم أعلام الفن التشكيلي في سورية، وهو رائد المدرسة الانطباعية، ومجدد التجريد الزخرفي، حمل معه الإحساس اللوني الانطباعي الشفاف الذي لم يسبقه إليه أحد.
الدكتور "عفيف بهنسي" قال عنه: «عرف شورى منذ بداية ممارسته الفنية في الثلاثينيات أن هدف الفن هو التعبير عن جمال الطبيعة، ولم تكن المعرفة جديدة في ذاتها ولكنها لم تحمل دائماً المسؤولية التي تحملها الفنان، بدأ انطباعياً حين كانت الواقعية هي السائدة في كل لوحة من لوحاته. كان يطرح قضية جديدة ويفتح آفاقاً لم نكن نعرفها. لم يكن فناناً هادئاً بل كان ثائراً لم يستقر على أسلوب إلا بدله، ولم يكن يبدله فحسب بل يبدل في الرؤية، وفي كل مرة يقدم شخصية "نصير" الثائرة المتمردة التي طبعت جيلاً بأعماله».
على الرغم من المظهر الهادئ الذي كان يبدو عليه فقد كان يعيش دوامة من القلق والرغبة في الوصول لتحقيق أحلامه، تقوده روح البحث والاكتشاف والتجديد وحب المتابعة والتعرف. برزت لديه روح التمرد والثورة فهو لا يقف عند حدود في بحثه ولا يتوقف عند هذا البحث منذ أن اختار الفن طريقاً له محاولاً أن يقدم الفن على أنه علاقات ملونة تتناغم بحساسية شديدة
مدونة وطن eSyria التقت الباحث "محمد مروان مراد" بتاريخ 22/5/2013 فقال عنه: «ولد "نصير شورى" في دمشق عام 1920 وتعلم الرسم على يد الفنان "عبد الحميد عبد ربه" في المرحلة الابتدائية، وعلى يد الفنان "جورج خوري" في المرحلة الإعدادية، وتأثر بالفنانين "ميشيل كرشة، وعبد الوهاب أبو السعود"، رافقت بداياته مصاعب كثيرة حيث اكتشف موهبته وشجعه عليها الآخرون لكن إصراره على دراسة الفنون جعله يصطدم بالأهل والأقارب فهم لا يريدون لابنهم أن يتوجه إلى مجال لم يكن يحظى بالاحترام المطلوب، وكان عليه أن يخترق التقاليد كلها ويرفض ما هو مألوف ومتعارف عليه ويتحمل النتائج ويحقق الحلم في الدراسة والمتابعة لطريق الفن، أوفد عام 1939ببعثة لدراسة الفنون في روما ولكن اندلاع الحرب العالمية الثانية اضطره للعودة لسورية ثم سافر إلى مصر ليلتحق بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة التي تخرج فيها قسم التصوير الضوئي بامتياز عام 1947، وعاد لسورية ليدرّس التصوير الزيتي في كلية الفنون الجميلة بدمشق، وفي العام 1950 سافر إلى باريس للاطلاع على المدارس الحديثة في الرسم، كما تنقل بين روما ودرسدن، وطاف في متاحفهما ومعارضهما الفنية، وعاد ليدرّس التربية الفنية في ثانويات دمشق وكلية الفنون الجميلة منذ تأسيسها وحتى 1990، وعين وكيلاً لها عام 1970.
ويتابع: «عالج الموضوعات بالصياغة التقليدية، وقدم اللوحات التي تؤكد موهبته في هذا الميدان، لكنه لم يلبث أن تخلى عن هذه الطريقة لينطلق للطريقة الانطباعية التي أحس بأنها تحاكي الموضوع، ووجد أن محاورة الطبيعة تتطلب منه أن يعطي ما هو أبعد من المحاكاة فقدم لوحات تعتمد على الألوان وحدها وتعتمد على القيم التصويرية من خلال اللون وحده، وهكذا خاض معركة مع الفنانين التقليديين السابقين الذين كانوا يؤمنون بالصياغة التقليدية. لقد أعطى اللون الأهمية الأولى وبحث عن أسلوب يكمل الطبيعة على طريقته لتكون أجمل مما هي عليه، وهكذا أوجد لوحة انطباعية خاصة به تجلت الطبيعة فيها كما رآها مستخدماً ألواناً خاصة به كالبنفسجي الذي برع في استخدامه وقدمه في لوحات كثيرة كانت نسيجاً من قلبه ونسيمات شفافة من رأس فرشاته، ومجموعة ممزوجة بعمق واختزال من ملونته. إنه يرسم باللون، وهو يرسم الطبيعة كوسيلة وليس كغاية، والطبيعة بالنسبة له هي المحرض على الرسم وعلى إيجاد لوحة فنية تضم مجموعة ألوان منسجمة للمسات سريعة وشفافة فيها دهشة للعين ومفاجأة للرؤية».
ثم أضاف: «في الفترة 1963-1973 انتقل "شورى" إلى الرسم التجريدي ليؤكد أن الفن في النهاية هو عبارة عن تنظيم لمساحة مستطيلة بالألوان والخطوط، وأن هذا التنظيم يسعى إلى إيجاد عالم اللوحة الفنية التي تستقل عن الواقع الخارجي وما فيه من قوانين، وعن عالم الفنان الذاتي وما يسجله على لوحته. هو فنان مستقل ولكن ما حدث أن الكثيرين تساءلوا عن الأسباب التي جعلته يتخلى عن رسم مواضيع مفهومة ليرسم أشياء صعبة الفهم، وكيف يترك الرسم الواقعي الانطباعي بعد أن حقق شهرة وأثبت مقدرته، وهنا بدأ صراعه مع المعادين للفن التجريدي ومع الذين آمنوا بمهمة الفنان على أن ينقل عن الواقع مع بعض التحوير دون أن يصل هذا التحوير إلى لغة لا شكلية، هذا الانتقال كان يتواءم مع طبيعة "شورى" الفنية التي تعشق التجديد وتبحث عن أشكال الفن المختلفة لتستفيد منها دون الوقوف عند حدود، ورغم أنه رسم مئات اللوحات المجردة التي دلت على مقدرته على التأليف الفني لعناصر اللوحة والتي لا تقل عن مقدرته عن التأليف الانطباعي لكنه رغم ذلك بدأ يتخلى عن التجريد ويبحث مرة أخرى عن صياغة جديدة للوحة هي المحصلة والتجميع لكل الخبرات في الواقع والتجريد معاً».
وتابع: «بدأ هذه المحاولة عام 1990 وهو في السبعين من عمره وذلك عن طريق رسم لوحات بلون واحد ومشتقاته، وكانت لوحات كبيرة لها مواصفات خاصة أهمها اللوحة ذات التأليف الديناميكي، وذلك بإضافة حركة عن طريق التدرجات الضوئية التي أصبحت تعكس الحالة الداخلية الوجدانية، وبذلك أصبحت تجارب "شورى" لها أشكالها المختلفة وصياغتها المتنوعة التي تكشف عن قدرة فنية هائلة ظلت تجرب حتى آخر لحظة من حياته. كما ظل يبتكر ويجدد ويؤلف ولا يقف عند حدود تمنعه من الاستمرار إلى النهاية، حيث الموت المفاجئ في 24 تشرين الثاني 1992 جاء في لحظة من لحظات العطاء المستمر كماً وانتاجاً، وأشده تعبيراً عن
"نصير شورى" الفنان الذي لم يكن إلا نموذجاً حياً للعطاء بلا حدود، وللاكتشاف والبحث الفني في الطبيعة واللون والانطباعية والتجريد حتى قدم لنا ما هو شخصي متفرد كل التفرد ويعكس ما في نفسه وأحاسيسه ورؤيته».
أما عن صفاته وخصائص شخصيته فيضيف الباحث "مراد": «على الرغم من المظهر الهادئ الذي كان يبدو عليه فقد كان يعيش دوامة من القلق والرغبة في الوصول لتحقيق أحلامه، تقوده روح البحث والاكتشاف والتجديد وحب المتابعة والتعرف.
برزت لديه روح التمرد والثورة فهو لا يقف عند حدود في بحثه ولا يتوقف عند هذا البحث منذ أن اختار الفن طريقاً له محاولاً أن يقدم الفن على أنه علاقات ملونة تتناغم بحساسية شديدة».
رحل "شورى" عنا جسداً لكن فنه مازال يعيش معنا، وبقي مرسمه الباهر في دمشق ركناً حميماً يحتضن أعماله الخالدة، ومعرضاً لتجارب الأنامل الواعدة، وملتقى لعشاق البوح الجميل بالريشة المرهفة واللون المصفى ولاسيما الموسيقا الرقراقة.
يذكر أن معرضه الفردي الأول كان عام 1938 في سورية، ثم أقام خمسة عشر معرضاً فردياً في سورية وخارجها، وفي العام 1984 أقام معرضاً شاملاً لأعماله في صالة إيبلا للفنون بدمشق، إضافة لمشاركته بمعظم المعارض العربية والدولية.
حصل على العديد من الجوائز منها الجائزة الأولى في المعرض العام في المتحف الوطني بدمشق 1953، والجائزة الأولى بالتصوير 1954، ووسام الاستحقاق العربي السوري من الدرجة الأولى1982، إضافة للعديد من الميداليات التقديرية والجوائز.
أعماله محفوظة في المتحف الوطني بدمشق، ووزارة الثقافة، وغيرها من الأماكن.