بنيت "سنجوان" الحالية فوق سويات حضارية أقدم غابت تفاصيلها في تراب القرية وشجرها وطرقاتها، وهي اليوم واحدة من أهم مناطق التوسع السكاني في "اللاذقية" المدينة.
تبعد القرية عن مركز مدينة "اللاذقية" بضعة كيلومترات لا تزيد على خمسة، وتمتد فوق هضبة منبسطة ترتفع عن سطح البحر ثمانين متراً تسمى "هضبة الخضر"، ويطلق على الموقع الذي تحتله القرية اسم "الجورة" فهي تنفتح من جهة الغرب والجنوب الغربي على "بوقا" الموقع الأثري القديم وعلى قرية "بسنادا"، ويقول الكاتب "جميل سليمان الراهب" صاحب كتاب "سنجوان.. إطلالة على الذاكرة" في حديث مع مدونة وطن "eSyria"، بتاريخ 21 كانون الثاني 2014:
إن معنى الاسم هو "القديس جوان" قياساً بقرى أخرى في العالم تحمل أسماءً مشابهة مثل "سنجوان" في "مالطا" التي بنيت على اسم نفس القديس
«تطل القرية جنوباً على سهل "البَسْليس" (من الأسماء ذات الجذر اليوناني) وشمالاً تكاد تتصل بقرية "سقوبين"، ويعود تاريخ بنائها إلى زمن غير معروف قياساً بما يجاورها من قرى فقرية "ستمرخو" يعود التواجد البشري فيها إلى أكثر من مئتي ألف عام، وتلتف القرية طولاً حول الطريق المؤدي إليها من مفرق "سقوبين" وحول ساحتها القديمة التي كانت تضم في جنباتها الجب "البئر"، و"الباطوس"، وهما رفيقان منذ الأزل».
اشتهرت القرية عبر تاريخها بزيتونها وزيتها اللذين لهما سمعة مميزة هنا، فزيتها يتميز حسبما يقول السيد "علي الراهب" من أهالي القرية "بأنه سلس وكثافته خفيفة ما يجعله مرغوباً جداً في سوق الزيت السوري"، ويبلغ إنتاج القرية منه رغم قطع عدد لابأس به من الأشجار بسبب التوسع العمراني ما يقارب من 30 طناً، ويضيف السيد "الراهب" بقوله:
«أعمارُ أشجار الزيتون حول القرية كبيرة، ومازالت نفس الطريقة القديمة مستخدمة في القطف؛ حيث يقوم الناس بضرب أغصان الزيتون كي تتساقط ثمارها إلى الأرض بواسطة عصا طويلة يقال لها "المرواط" وتجمع الثمار يدوياً، ومن ثم تنقل إلى معصرة القرية، علماً أن معصرة "سنجوان" هي من أقدم المعاصر الموجودة في المنطقة منذ عشرات السنين، وأكثر أنواع الزيتون انتشاراً هنا هي: "الخضيري" ويستخدم لصناعة كبيس الزيتون (المرصوص)، و"الدرم ليلي"، أو "التمر ليلي" ويسمى محلياً حب "العيطون"، و"الدعيبلي"، و"صابع الزيني"، و"أبو شوكة"، وغيرها».
وإلى سنوات قليلة مضت كانت القرية تقدم سلال التين بأنواعه لمدينة "اللاذقية"، كذلك الذرة البيضاء والقمح والحمص والعدس والبيقية وبعض الخضراوات لزوم الاستهلاك المحلي، وكلها كانت تزرع في سهل وطى "البسليس" قبل تجفيف الجزء الأكبر منه وإنشاء المدينة الصناعية فوق تربته الخصبة التي يعود عمر تجميعها إلى آلاف السنين الماضية.
تتعدد الروايات حول أصل اسم هذه القرية فيذهب مؤلف كتاب "معجم أسماء القرى والمدن في محافظة اللاذقية" السيد "محمد جميل حطاب" إلى القول إنها كلمة سريانية (سوريّة قديمة) تعني "لون أو ضوء القمر"، أو "النبات الذي يضرب إلى السواد من شدة خضرته"، وهو احتمالٌ يراه السيد "جميل الراهب" ممكناً، مع أنه يفضل نسبة الاسم إلى اللاتينية فيقول:
«إن معنى الاسم هو "القديس جوان" قياساً بقرى أخرى في العالم تحمل أسماءً مشابهة مثل "سنجوان" في "مالطا" التي بنيت على اسم نفس القديس».
وهناك رواية يرويها بعض كبار السن في المنطقة ليس لها سندٌ تاريخي هي أن الاسم لقديس جاء من "مالطا" إبان الحروب الصليبية قبل ألف عام واستقر هنا في إحدى كنائسها، وقد بادت الكنيسة وصاحبها مع الأيام ولم يبق منها أي أثر إلا الاسم الذي حملته القرية.
ويشير السيد "جميل الراهب" في كتابه السابق الذكر إلى أن أوائل العائلات التي استوطنت المكان هي عائلة "درويش" وذلك في النصف الأول من القرن السابع عشر، ثم "آل الراهب" الذين وفدوا إليها من "مشيرفة الساموك" القريبة في زمن متقارب، و"قاجو"، و"وحسون"، و"الحايك"، وغيرهم، وتلفت الانتباه كنية "قادوس" فهي ذات جذر يوناني حيث اشتهرت أسماؤهم بإضافة الحرف (سين) في أواخر الأسماء، وهم جميعاً يعملون في قطاعات اقتصادية متنوعة أبرزها الزراعة والبناء وتجارته.
تقدم القرية بين جنباتها العديد من الخدمات الاجتماعية، فهناك مدرسة ثانوية باسم القرية في منتصفها، وفرن نصف آلي، وبحكم موقعها كمعبر إلى "سقوبين" و"بكسا"، وبحيرة "القنجرة" التي تستقطب السياحة الشعبية فقد توافرت فيها محطات تعبئة الوقود ومراكز للتبضع والشراء والمقاهي أيضاً.
تتمتع القرية بنسبة تحصيل علمي عالية ساعد في تحقيقها توافر مختلف أنواع المدارس فيها وفي جوارها، وهي قديمة كما هو الحال في مدرسة "بوقا" الزراعية القريبة التي أسست عام 1922، ومدرسة القرية "الثانوية" التي أسست أواسط الخمسينيات من القرن الفائت.
وعدا أهل القرية الأصليين فقد وفد إليها كثيرون من مختلف أنحاء "اللاذقية" وصارت موئلاً لهم ولعائلاتهم وتغيرت صورة القرية الأصلية إلى بلدة حديثة تتمتع بمختلف أنواع الخدمات، فلم تعد تلك القرية البسيطة التي تحيا على الزراعة أو تربية الماشية فقط ، يقول السيد "إياد محمد" من السكان الوافدين إلى القرية (من بانياس): «لقد تغيرت "سنجوان" كثيراً في الثلاثين عاماً الأخيرة حتى لكأنها إحدى ضواحي مدينة "اللاذقية" الحديثة، ففيها العديد من الضواحي السكنية الحديثة مثل ضاحية "الحايك" وغيرها،
وقد زاد عدد سكانها على عشرة آلاف نسمة متوزعين في أرجاء البلدة القديمة وفي الضواحي الحديثة التي بنيت على الطريق الرئيسي المؤدي إلى القرية، وساعد القرية في تطورها العمراني الكبير موقعها الجغرافي المطل على ساحل المتوسط إضافة إلى رخص أسعارها مقارنة مع أسعار مدينة "اللاذقية"».
أخيراً، يمكن الوصول إلى القرية من عدة اتجاهات، أحدها من جهة طريق "حلب ـ اللاذقية" الدولي قرب المنطقة الصناعية، والرئيسي من جهة "اللاذقية" المدينة أو من جهة "سقوبين".