إنجيل فريد من نوعه قد يكون ليس فقط في سورية وإنما في العالم أيضاً، كتبت حروفه باللغة اليونانية منذ قرون بعيدة، وإن كان لا يوجد تاريخ دقيق لكتابته إلا أن هناك اعتقاداً بأنه يعود للقرن الخامس الميلادي.
عُثر على الإنجيل الأثري في "دير الفاروس" في محافظة "اللاذقية"؛ بحسب الأب "أليكسي نصور" الذي تحدث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 8آذار 2014، ويقول: «هو إنجيل الدير الضائع الذي عثر عليه بعد مضي سنوات طويلة على تهدم الدير، وتم حفظه في كنيسة القديس "جوارجيوس" في "اللاذقية" في ذلك الحين، ومؤخراً تم الاحتفاظ بنسخة أخرى منه في "دمشق"، ويتمتع بقيمة روحية خاصة، ويحظى باهتمام كبير من قبل أبناء الطائفة المسيحية».
لا تتيح لنا هذه الآراء المتناقضة أن نحدد تاريخاً مؤكداً لإنجيل "الفاروس"
ورغم أهمية هذا الإنجيل إلا أنه لم يحظ بالاهتمام الكبير من قبل الباحثين والمهتمين، حيث إن الدراسات حوله نادرة، وحده الباحث والمؤلف الراحل "جبرائيل سعادة" أجرى دراسة متكاملة حوله، ويقول "سعادة" في كتابه "أبحاث تاريخية وأثرية" معتمداً على نص موجود على شكل ملاحظة ضمن الإنجيل: «في هذا النص يعلن الأب "أنطونيوس" أن الكتاب الذي يطلق عليه صراحة اسم "إنجيل الفاروس" قد تم نسخه في العام 492م من قبل الأب "تيودوسيوس" رئيس الديارة، ويخبرنا إضافة إلى ذلك أنه تم ترميمه بتاريخ 1727م في عهد "نيكيفوروس" القبرصي أسقف "اللاذقية" وتوابعها، وذلك بفضل عناية الأب "موسى كريش" الذي تدلنا وثيقة أخرى أنه كان خوري كنيسة القديس "جاورجيوس" في "اللاذقية"، ومن المؤسف أن الأب "أنطونيوس" لا يشير إلى المصدر الذي استند إليه في أن الإنجيل كتبه الأب "تيودوسيوس" في عام 492م».
صحيح أن الأب "تيودوسيوس" لم يشر إلى المصدر الذي اعتمده، لكننا نجد في الصفحة الخامسة من الإنجيل (أحرف يونانية متقاطعة) ترمز لاسم "تيودوسيوس"، وبالقرب من ذلك الرسم توضح ملاحظة بالعربية كتبت لاحقاً بأن ذلك هو اسم الأب "تيودوسيسو" رئيس الديارة، يعلق "سعادة" على هذه المعلومة، ويقول: «أياً كان الأمر فإن الملاحظة العربية التي يعود تاريخها إلى عام 1727م تبرهن أن الاعتقاد الجازم كان سائداً في مطلع القرن الثامن عشر كما هي الحال اليوم أن الكتاب يعود في مصدره إلى دير "الفاروس"، والملاحظة السابقة توضح أنه دوِّن عام 492م على أنه من الصعب القبول بأن الكتاب يعود إلى مثل ذلك التاريخ القديم بل ومنذ أيام "إلياس الصالح" -مؤرخ "اللاذقية" في القرن التاسع عشر- كانوا يعتقدون أنه أحدث عهداً من ذلك، أما العلماء الذين استشيروا قبل الحرب العالمية الثانية فعادوا به إلى القرن السابع الميلادي بينما يؤكدون في بعض الأوساط الكنسية أنه سابق للقرن الحادي عشر».
تتعدد الآراء حول التاريخ الدقيق الذي يعود إليه هذا الإنجيل الذي كتب بالخط اليوناني، حيث يرى المختصون الذين استشارهم العالم "raul riis" بناء على طلب من "جبرائيل سعادة" أن الكتاب يعود إلى تاريخ قريب العهد نسبياً، وأنه -بحسب رأيهم- مخطوط من القرن الثالث عشر أو الرابع عشر، أما العالم الأب "jules Leroy" فقال: إن المخطوط حسب رأيه يعود على الأرجح إلى القرن الثاني عشر أو الثالث عشر، كل هذه الآراء دفعت "سعادة" إلى القول: «لا تتيح لنا هذه الآراء المتناقضة أن نحدد تاريخاً مؤكداً لإنجيل "الفاروس"».
يضم الكتاب 283 ورقة من جلد الغزال، ويقول "سعادة": «إن تجليده حديث العهد نسبياً، وأنه تم في "موسكو" عندما أرسل إليها بناء على طلب من القيصر وهو تجليد على صفحتين من الخشب المغطى بمخمل بنفسجي، وقد وضع على كل دفة من دفتي الغلاف صليب فضي بمسامير نحاسية، ويوجد أكثر من دليل يشير إلى أن الأوراق أثناء إنجاز ذلك العمل قد قطعت من أطرافها، أي إن الإنجيل لم يعد يحتفظ بمقاييسه الأولية، وهو اليوم يبدو كمجلد ضخم طوله 35سم، وعرضه 25.5سم، وسماكته 11سم، ولا يحمل في داخله أي عنوان كما لا يوجد بعد الغلاف ورقة فارغة».
ويتابع "سعادة" شرحه التفصيلي عن الإنجيل: «مكتوب بأحرف يونانية كبيرة، بالحبر الأسود على عمودين في كل صفحة، ارتفاع كل عمود 25.5 سم وعرضه 7.5سم، وارتفاع كل حرف 3مم، وقد خطط كل اسم إنجيل بأحرف كبيرة ذات لون أحمر باهت، أما الأحرف الكبيرة التي يبدأ بها كل فصل فهي أيضاً مخططة بالحبر الأحمر، ولا تحمل الصفحات أي ترقيم».
وهذا الإنجيل هو إنجيل الخدمة الإلهية الذي وزعت فيه الأناجيل بحسب التسلسل السنوي للطقوس والأعياد؛ الذي ما يزال معتمداً في الكنيسة الأرثوذكسية حتى الآن، ويوضح "سعادة" هذا التسلسل، ويقول: «نجد بادئ ذي بدء الأناجيل المأخوذة عن القديس "يوحنا" التي تقرأ منذ الفصح وحتى العنصرة، ثم تأتي الأناجيل المأخوذة عن القديس "متى" التي تقرأ منذ الأسبوع الذي يلي العنصرة وحتى عيد الصليب، ثم الأناجيل المأخوذة عن القديس "لوقا" التي تشغل الفترة الممتدة من عيد الصليب وحتى بداية الصوم، وتليها الأناجيل المأخوذة عن القديس "مرقس"، التي تقرأ أثناء الصوم، وبعد ذلك تأتي أناجيل أسبوع الآلام، وأخيراً أناجيل أعياد السنة الليتورجية منذ الأول من أيلول وحتى نهاية 31 آب».
جدير بالذكر أنه تظهر على هامش النص المقدس، وفي أوراق متعددة ملاحظات مكتوبة بالعربية واليونانية والروسية، وهي ملاحظات مضافة لاحقاً.