كان تحدي "جيهان الموصلي" للعادات والتقاليد ومواجهة الظروف والتّصدي لها، المحور الأساسي لبناء ثقتها الكبيرة بنفسها وبقدرتها على تحقيق نجاحاتها، فمارست العمل التربوي والاجتماعي والسياسي، وامتهنت المحاماة بدرجة عالية من الكفاءة والإحساس بالمسؤولية.
مدونة وطن "eSyria"، وبتاريخ 11 نيسان 2017، التقت "هيفاء الموصلي" ابنت أخ "جيهان الموصلي" لتحدثنا عن عمّتها؛ فلها معها ذكريات رسمت بها خطوات عريضة لمسار حياتها، وقالت: «في حيّ "الميدان"، وفي أحد أيام شتاء عام 1908 ولدت عمتي "جيهان"، فامتلأ بيت "صالح الموصلي" وزوجته "فاطمة الصّيداوي" بالمهنّئين، وهي المولودة السادسة بعد أخت كبرى، وأربعة من الذكور.
نالت عمتي شهادة "دار المعلمات العالي"، ودخلت سلك التعليم في وزارة المعارف، وبسبب تفوقها في مادة الكيمياء؛ أصبحت مدرّسة لهذه المادة، ثم عملت كمديرة في المرحلة الإعدادية والثانوية، فتهيأت لها بذلك الفرصة الكبيرة لتحقيق رسالتها التربوية والوطنية، واجتهد لتثبيت أفكار التحرر من الاستعمار، والوحدة العربية، وتحرر المرأة، وذلك بلغة ترسخ في الأذهان فتتناقلها الأجيال، وطالباتها يذكرن ذلك إلى الآن
وبعد ثلاث سنوات توفيت الأم، وتولّت الأخت الكبرى بالتعاون مع خالتها رعاية الطّفلة، ذلك أن جدي لم يشأ لأطفاله المعاناة التي قاساها مع زوجة أبيه. كما قامت كبيرة العائلة بضم الطفلة الصغيرة إلى البنات اللواتي كانت تعلمهن أصول الدّين والقرآن، وحازت "جيهان" دهشة الجميع بما أبدته من حسن تجاوب، وقدرة على حفظ القرآن على الرغم من صغر سنّها؛ وهو ما كان له السبب في تشجيع والدها لإرسالها برفقة أخيها "عبد العزيز" إلى الكتّاب، إلا أن الظروف التي سادت البلد في تلك الأثناء بوجود الاستعمار الفرنسي لم تساند "جيهان"؛ ففي أحد الأيام اضطرت وأخوها إلى النوم في منزل أحد أقارب الوالدة بسبب عدم التّمكن من العودة إلى البيت؛ وهذا أفسح المجال للعائلة بمواجهة الوالد لعدم تقيده بالعادات والتقاليد، فدارت الحوارات والمناقشات لتأتي بنتيجة ليست لمصلحتها، وأبعدت "جيهان" عن المدرسة. إلا أن هذا الوضع لم يستمر؛ ذلك أن سوء الأحوال الاقتصادية اضطرت الوالد إلى بيع ممتلكاته في "الميدان"، والتّوجه إلى "المهاجرين" ليبتعد وأسرته عن العائلة الكبيرة بتعقيداتها وقوانينها، حيث دخلت "جيهان" مدرسة "تجهيز البنات" المشهورة في ذلك الوقت».
وتتابع "هيفاء" حديثها عن خوض عمتها غمار العمل، وسلوكها في هذا المجال، فتقول: «نالت عمتي شهادة "دار المعلمات العالي"، ودخلت سلك التعليم في وزارة المعارف، وبسبب تفوقها في مادة الكيمياء؛ أصبحت مدرّسة لهذه المادة، ثم عملت كمديرة في المرحلة الإعدادية والثانوية، فتهيأت لها بذلك الفرصة الكبيرة لتحقيق رسالتها التربوية والوطنية، واجتهد لتثبيت أفكار التحرر من الاستعمار، والوحدة العربية، وتحرر المرأة، وذلك بلغة ترسخ في الأذهان فتتناقلها الأجيال، وطالباتها يذكرن ذلك إلى الآن».
"أميمة دياب" من القديمات في الاتحاد النسائي، والمتابعة لمجمل مراحل حياة "جيهان الموصلي"، تحدثت بالقول: «لم يقف الحجاب وقسوة التقاليد والعادات حاجزاً يمنعها ورفيقاتها "عادلة بيهم الجزائري"، و"ألفت الإدلبي"، و"ثريا الحافظ"، و"منيرة الغصن" وغيرهن من المشاركة بأول مظاهرة نسائية عام 1928؛ لإعلان المرأة السورية رفض انتخابات الجمعية التأسيسية لوضع الدستور. وفي ثلاثينيات القرن الماضي شاركت "جيهان" مع كوكبة من زميلاتها في الدراسة والتدريس بتأسيس جمعية ثقافية هدفها تعليم المرأة لوضعها في طريق تحررها، وجاء ترخيص "جمعية الندوة الثقافية النسائية" عام 1942، وبجهود مجموعة من ثلاث عشرة سيدة على رأسهم "جيهان الموصلي" و"فلك دياب" و"ريمة كرد علي" و"نهلة وصفي الجابي" وغيرهن؛ للعمل على تحقيق أهداف أوضحها النظام الداخلي التي عملت عليه "جيهان" ليشمل مساعدة الطالبات الفقيرات وأسرهن، والنهوض بالمرأة ثقافياً وفنياً واجتماعياً، وتأسيس مكتبة عامة».
وتتابع: «في عام 1944، سمّي هذا التجمع "اتحاد الجمعيات النسائية"، وانتخبت "جيهان الموصلي" أمينة سرّ الاتحاد، وعملت مع بقية النساء على المطالبة بحقوق المرأة، وخاصة حق الانتخاب والترشح للمجلس النيابي، وذهبن إلى البرلمان، وقدّمن مذكرة بخصوص تعديل بعض المواد الواردة في الأحوال الشخصية، وكانت النتيجة في عام 1949، حيث حصلت المرأة المتعلمة على حق الانتخاب، وزار وفد اتحاد الجمعيات النسائية الرئيس "جمال عبد النّاصر" بعد إعلان الوحدة بين "سورية" و"مصر"، وكانت "جيهان" إحدى أعضاء الوفد. رشّحت نفسها لانتخابات الاتحاد القومي لتكون إحدى الفائزات الأربع، ليصار فيما بعد لاختيارها عضواً في مجلس الأمة عن "دمشق"، وكانت معها "وداد الأزهري" عن محافظة "اللاذقية"، وبذلك يكون أول دخول للمرأة في "سورية" إلى المجلس التشريعي. عملت في المجلس على المطالبة بحقوق المرأة من خلال التشريع، إلا أنه وبعد الانفصال اعتكفت في بيتها بـ"دمشق"، وبعد صحوتها توجهت لممارسة مهنة الحقوق؛ فهي حاصلة على شهادة الحقوق منذ عام 1947، وقسمت عملها بالحقوق مع عملها في جمعية "الندوة الثقافية النسائية"، حيث ترأستها عام 1966 إلى أن توفيت».
يذكر أنّ "جيهان الموصلي" توفيت عام 1996، وجرى لها حفل تأبين كبير شاركت فيه وفود عدة للجمعيات الخيريّة في ذلك الوقت، ومجموعة من أصدقائها وزملائها، إضافة إلى عدد كبير من طالباتها.