سكنت العربية قلبه، حتى غدت جزءاً من روحه نلتمسها في حضوره محاضراته والفعاليات الثقافية التي يقدمها، وهو القدوة لطلابه في اللغة العربية بأسلوبه ومؤلفاته، ساعياً لترسيخها في عقول الأجيال وقلوبهم.
مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت الدكتور "محمد قاسم" بتاريخ 28 تشرين الثاني 2019 ليتحدث عن ميله ودراسته للغة العربية، حيث قال: «حبي للعربية رافقني منذ نعومة أظفاري، ومما يحكى عني وأنا صبي صغير في المرحلة الإبتدائية أني إذا مررت أمام نسوة في الحي وأردت السلام كنت أقول (السلام عليكن)، وفي الصف الثامن الإعدادي كانت العربية قد تمكنت مني واستحكمت في قلبي، فإذا سألتني ما تكون كنت أجيب؛ لن أكون غير مشتغل بالعربية وعلومها، وكان لي ما أحببت، وتعزز هذا الميل بتوجيه كريم من بعض من علمني العربية في سنين حياتي الأولى، ومنهم المعلم الذي درسني في الصفين الثامن والتاسع واسمه "محمد خير الزعبي" الذي كان يغريني بالقراءة ويأخذ بيدي ويعزز ميلي وينميه، وكذلك في المرحلة الثانوية وجدت من المدرسين دافعاً يحملني نحو القراءة، وبدأ ميلي لاقتناء الكتب وقراءة الشعر في سن مبكرة، فأذكر أن شرح ديوان "المتنبي" لـ"عبد الرحمن البرقوقي" هو أول كتاب اقتنيته في مكتبتي عام 1988، وكنت شغوفاً بقراءة الشعر، ثم أقبلت على ديوان "جرير"، وبعدها ديوان "أبي تمام"، وما زال الشعر ينمو في قلبي ويزيد».
رسالتي هي زرع حب هذه اللغة الشريفة والكشف عن أسرارها ومزاياها وأن تكون لغتنا الوطنية وأن نتمسك بها فهي الوجه الباقي من الوجوه التي يمكن أن يلتقي عليها القلب
وفيما يتعلق بالشهادات الحاصل عليها يكمل قائلاً: «حصلت على الشهادة الثانوية العامة فرع الأدبي عام 1993 من ثانوية الشهيد "المقداد" في "بصرى الشام"، ثم انتسبت إلى قسم اللغة العربية في جامعة "دمشق"، وحصلت على جائزة "الباسل" للتفوق الدراسي في السنوات الأربعة، وتخرجت عام 1997، وكنت الخريج الأول في الجامعات السورية كلها "دمشق"، "حلب"، "البعث"، "تشرين" ومعدلي في الإجازة 84,90 %. ثم حصلت على دبلوم الدراسات العليا (الشعبة اللغوية) بمعدل 93%، ثم نلت درجة الماجستير عن رسالتي حول تحقيق قطعة في كتاب البحر المحيط في إعراب القرآن الكريم، ثم الدكتوراه عام 2005 عن رسالتي "الأصول النحوية والصرفية في الحجة لأبي علي الفارسي" بمرتبة شرف».
وعن عمله كمحاضر جامعي يقول: «أولى مسؤوليات المدرس هي تحفيز الطالب على العلم، وعندما يشعر الطالب أن مدرسه يعيش حالة وجدانية مع الاختصاص، مؤمناً بالعربية وهي منه في لفظه وحاله وخطابه يشعر أن هناك تماهياً بين العربية ومن يدرسها، وحين أتولى التدريس، أحاول أن أنزل إلى عقل الطالب وأكون قريباً منه، ودائماً أتحفه بالنصوص والطرائف والحكايا التي تعزز العربية في نفسه وتكشفه عن مواضع السحر فيها، وإن كانت محاضراتي في (النحو والصرف) وهو علم يمتاز إجمالاً بالجفاف لكني أطعّمها بالنص الجميل، الحكمة البديعة وبالنص الأدبي، بالشعر، وأنبه على ما وقع للشاعر من أسرار حسن الجمال في النص».
ويتابع: «لا أشعر الطلاب أن ثمة هوة بينهم وبين المعلم، وأعاملهم كأنهم أولادي، أقرب لهم العربية وأعمل على تعزيز حبها في نفوسهم قبل رفدهم بالمعلومة النظرية، لهذا إذا صدر كتاب في أي عاصمة من العالم عن دار نشر تعنى بالعربية أدل عليه وأبيّن مواضع الفائدة منه، ووجوه الجمال فيه وكيف يستفاد منه، وأبيّن لهم أنّ العربية على علومها هي كتاب واحد، وأن علومها متداخلة لا ينفصل فيها علم عن علم، ففي المحاضرة الواحدة نجد النص الأدبي، البلاغة، العروض، وهذه الفكرة يجب أن تعزز، وإذا فرز المتابع في محاضرتي يجد أن أكثر من 50% من صلب المادة ليس في النحو والصرف فقط، بل بالبلاغة والعروض، فوائد ودقائق المعاني التي وفق إليها الشعراء».
وعن شهادات التكريم الحاصل عليها ومؤلفاته يقول: «إضافة إلى جائزة "الباسل" للتفوق طوال سنين دراستي، حصلت على جائزة الدولة التشجيعية عن الدراسات التراثية للعام 2018، ولي العديد من الكتب في مجال التأليف والتحقيق؛ منها "غرر الخصائص الواضحة للوطواط" وهو في مجلدين يتألف من أربعة آلاف نص أدبي، وغطى كل ألوان الثقافة القديمة العربية وغير العربية من القرن الأول حتى عصر المؤلف 718 هجري، ولي كتاب "شذى العرف في فن الصرف" –تحقيق- وهو كتاب تعليمي ميسر لتعليم الصرف العربي، وفي مجال تحقيق النصوص كتاب "فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب لابن المرزبان"، وكتاب "الثقلاء" له أيضاً، وآخر في الهيئة العامة السورية للكتاب بعنوان "بحوث في اللغة والأدب والرجال"، وطبعت كتاب "الأصول النحوية والصرفية في الحجة" لـ"الفارسي" عن دار "البشائر" عام 2008 في مجلدين، وأعتقد أن أهم الكتب التي وفقت للعمل بها هو كتاب "التذكرة في علم العربية" وهو في مجلدين من ألف وستمئة صفحة، وهو عبارة عن تحليل لمئة نص من عيون الشعر العربي وتواتر طبعه وصدرت منه الطبعة السابعة عام 2019».
وفيما يتعلق برسالته التدريسية والعلمية يقول: «رسالتي هي زرع حب هذه اللغة الشريفة والكشف عن أسرارها ومزاياها وأن تكون لغتنا الوطنية وأن نتمسك بها فهي الوجه الباقي من الوجوه التي يمكن أن يلتقي عليها القلب».
ويتابع عن عمله قائلاً: «أقوم في مديرية التراث على طباعة النصوص التراثية التي ترفد العربية أو الدراسات التراثية أو نصوص قديمة، ونحن في فلك من العربية ندور سواء في التدريس، صناعة الكتاب، أو لقاء الطالب، أو أي نشاط ثقافي نقوم به في وزارة الثقافة في جملته يفضي إلى العربية حباً وتدريساً وكشفاً لأسرارها».
"خديجة محمود جركس" أحد طلابه في السنة الثانية كلية الآداب، اختصاص اللغة العربية، وحائزة على المركز الثاني في مسابقة حفظ الشعر العربي الدورة الثالثة ـ تقول: «أعرفه مذ أخذَ النُّور سطوعه أمامي ماثلاً حيّاً حين دخلت رحاب العربيَّة، إنَّه رجلٌ عظيمٌ جبلت العربيَّة في قلبه، وسرت فيه مسرى الدَّم في العروق، فأصبحت روحه ومتنفسه، ويظهر هذا جليّاً في حديثه وترنمه الدَّائم بها، أمَّا أسلوبه في التَّدريس ففيه اختلاف عن نظائره من علمائنا الأفاضل، فترى درسه يفيض نحْواً، وأدباً، وبلاغةً، وشعراً والكثير من الطُرف المكتنزة للحكم والعِبَر، ومن حضرَ له يعلم أن حلقته العلميَّة تضجُ بالخَلْقِ من كلِّ حدبٍ وصوب، وترى الوقوف منهم أكثر من القعود، ومن حيث إفادتنا منه فهي لا تحصى، فما أكثر ما ينبهنا على المعاني الجميلة، ويذكرنا بالكتب الضَّخمة العظيمة الَّتي تضج بها مكتبتنا العربيَّة، هذا عدا عن الأشعار العذبَّة الَّتي يصدح بها صوته، ويسعى لاستحضار الهمم في أجسادنا وبثِّ روح العلم في عقولنا، وما يترك سبيلاً يذكي حبَّ العربيَّة إلاَّ دلَّنا عليه يوجهه لذلك غيرةٌ وحبٌّ عارمٌ لهذا اللِّسان. وحين أُعلن عن مسابقة الشِّعر حثَّنا على المشاركة بها والتَّزود من هذه النُّصوص الجياد، ولربَّما تنبه يقظ الفطرة فرأى أنَّ الغالبية الفائزة منذ بدأت المسابقة حتَّى الآن هم طلاب من قسم العربيَة».
بدوره الشاعر "قحطان بيرقدار" يقول: «الدكتور "محمد قاسم" مثالٌ في الجدِّ والاجتهاد في حياتهِ وعلمِهِ وعملِه، وقدوةٌ في الإخلاص للعلم والعلماء، وأستاذٌ مُعلّمٌ في أصول العربية والعرب، ومُحقّقٌ ومُدقّقٌ وباحثٌ في التراث العربيّ من الطراز الرفيع، عرفتُهُ زميلاً وصديقاً ومديراً في الهيئة العامة السورية للكتاب، فلمستُ تواضعَهُ ورُقيَّهُ وحُسنَ ملاقاتِهِ الزُّملاء، كما أنّ في الجلوسِ معَهُ والإصغاء إلى حديثه متعةً وفائدةً وجاذبية، فهو واسعُ الحفظ من منظومِ العرب ومنثورهم، ويُحسنُ أداءَ كلِّ ما يحفظه، ويُتقِنُ استحضارَهُ في ما يناسبهُ من مواقفَ ببديهةٍ حاضرةٍ وخفّة ظلّ، ومن أرادَ أن يعرفَهُ أكثر فليستمعْ إلى ما يقولُهُ فيهِ الطلابُ الذينَ علَّمهم في الجامعة، فهم يشهدون لهُ أطيبَ الشهادات، ويقولونَ في حقِّهِ أعطرَ الكلمات، وهذا يدلُّ على تأثيره البالغِ فيهم، وعلى حنكتِهِ وخبرتِهِ في تبليغ النحو والصرف خصوصاً والعربية عموماً على الوجهِ الأكملِ والأجمل، وفي هذا فضلٌ ما بعدَهُ فضل».
يذكر أنّ الدكتور "محمد قاسم" من مواليد "بصرى الشام" في محافظة "درعا" عام 1975، عين محرراً في الموسوعة العربية عام 1998 ثم انتقل إلى جامعة "دمشق" معيداً عام 2002، وعين في 2006 عضواً في هيئة التدريس، ودرّس في جامعة "دمشق" وبعض فروعها، وحتى اليوم على رأس عمله، وفي عام 2016 ندب إلى وزارة الثقافة مديراً للتراث العربي في الهيئة العامة السورية للكتاب حتى اليوم، مختص بتدريس النحو والصرف، كما درّس مقررات مختلفة في فروع جامعة "دمشق".