تمتع الراحل "صبحي العمري" بشخصيةٍ قياديةٍ امتلكت الشجاعة والإقدام، وشارك بأحداث تاريخية مهمة، وحقق انتصارات عدة بانضمامه إلى "الثورة السورية الكبرى" ومعركة "ميسلون"، وغيرها، كما صنع بصمةً كبيرةً في سجل التاريخ العربي المعاصر بتدوينه للأحداث التاريخية التي شهدها.
مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 13 شباط 2020 ابنته المغتربة الفنانة "منى صبحي العمري" لتحدثنا عن مسيرة حياة والدها، حيث قالت: «ضمن حي "القيمرية" نشأ وترعرع والدي، ففي عام 1898 أبصرت عيناه النور، وكان والده قاضياً شرعياً شهيراً، التحق والدي في عام 1905 بالمدرسة الابتدائية، وكانت لغة التدريس في ذلك الوقت التركية، أما اللغة العربية والفارسية والفرنسية فإنها كانت تدرس صورياً، وكان الطالب يتخرج من المدرسة لا يتقن إلا اللغة التركية، وخصوصاً أنّ دعاة تتريك العناصر كانوا يقاومون اللغة العربية بهدف خلق طبقة من الموظفين الملكيين والعسكريين تابعين للسلطة العثمانية، أتراك بألسنتهم لا بقلوبهم، وعثمانيون بتربيتهم لا بأصولهم، لكن جدي كان يعلّم والدي وأخوته اللغة العربية كتابة ولفظاً، ويبثّ فيهم الروح العربية بما يذكره من مفاخر الأدباء والأجداد وحكايا الحضارة العربية وأمجادها.
ينتمي الضابط "صبحي العمري" إلى أسرة دمشقية أصيلة تمثل نموذجاً للأسرة المتماسكة والمثقفة والمحبة للوطن، حيث غادر السلطنة العثمانية ليلتحق بصفوف الثورة العربية، ويشارك بمعركة "ميسلون"، وحقق انتصارات عدة خلال مسيرته النضالية، وله مواقف مشهورة في الوطنية والإباء والريادة
التحق بالمدرسة الحربية العثمانية في "بيروت"، وتخرج منها برتبة مرشح ضابط عام 1916، ونال العديد من الأوسمة العسكرية العثمانية والألمانية».
وعن معاركه التي قام بها قالت: «كان والدي بالجيش العثماني ولكنه كان معارضاً لسياستها تجاه العرب، فانشق عن الجيش، والتحق بثورة "الشريف حسين"، وسطّر أروع ملاحم البطولات في المعارك التي خاض غمارها من "العقبة"، وحتى طرد الأتراك من "كيليكية" في الشمال السوري، كما أنه شارك بمعركة "ميسلون" كسلاح الخيالة، وشهد استشهاد الوزير "يوسف العظمة"، ورافق الملك "فيصل" في أيامه الأخيرة قبل مغادرته "دمشق" ودخول قوات الجنرال "غوابيه"، ومن ثم "غورو"، وبدأ بعدها بشن حرب العصابات لمقاومة الاحتلال الفرنسي مع عدد من رفاقه الضباط أمثال "سعيد عمون"، و"فؤاد سليم"، كما أسهم بتأسيس جيوش ثلاث دول عربية في "دمشق"، "عمان"، و"بغداد"، وتنقل بين الدول الثلاث، وخاض غمار 44 معركة حربية على طول مساحة هذه البلاد، وانضم في "العراق" إلى ثورة "رشيد عالي الكيلاني" بأهدافها الوطنية، وقاد معارك الدفاع عن "بغداد" خلال الهجوم البريطاني لإعادة احتلال العاصمة بعد سقوط وزارة "الكيلاني" عام 1941، كما أنه قام بتأسيس فرقة موسيقا عسكرية للجيش الأردني، وشكلها من بقايا الجوقة الموسيقية التابعة للدرك في "سورية"، وخلال مسيرة حياته تمّ إصدار حكم إعدام بحقه مرتين، وتم نفيه لعدة مرات، وسجن لمدة سنة وسبعة أشهر من قبل الفرنسيين، كما تولى بعد خروجه من السجن قيادة الشرطة في "دمشق" أيام حكم الرئيس "شكري القوتلي"، وبعد استقالته من الشرطة انتخب نائباً في البرلمان عام 1950».
وتابعت: «في مطلع الخمسينات تفرغ للعمل التجاري وأسس شركة "لاستيرا" للسيارات والمعدات الثقيلة، وتم اعتقاله أيام العقيد "أديب الشيشكلي"، ونفي إلى "مصر" و"تركيا"، وفي عام 1971 صدر العفو عنه وعاد إلى "سورية"، وعاش فيها حتى وفاته عام 1973، وخلال هذه الفترة نشر مجموعة من مذكراته التي دوّن فيها كل المراحل التاريخية والأحداث المهمة التي مرت بها "سورية" والوطن العربي، والتي تعتبر الآن سجلاً مهماً يؤرخ للمراحل والسنوات التي عاصرها، والتي شهدتها "سورية"، وكانت بداية تدوينه من خلال كتابه "لورانس كما عرفته" الذي أصدره عام 1969، وبعد رحيل والدي قمنا بطباعة كتبه التي دونها وهي "المعارك الأولى"، و"لورانس الحقيقة والأكذوبة" و"ميسلون"».
وفي حديث مع الكاتب والباحث "غسان كلاس" قال عنه: «ينتمي الضابط "صبحي العمري" إلى أسرة دمشقية أصيلة تمثل نموذجاً للأسرة المتماسكة والمثقفة والمحبة للوطن، حيث غادر السلطنة العثمانية ليلتحق بصفوف الثورة العربية، ويشارك بمعركة "ميسلون"، وحقق انتصارات عدة خلال مسيرته النضالية، وله مواقف مشهورة في الوطنية والإباء والريادة».
"سعد فنصة" الصحفي والكاتب المهاجر إلى "الولايات المتحدة الأمريكية" الذي وثق مذكرات الضابط "صبحي العمري" من خلال كتابه "الأوراق المجهولة" قال عنه في الكتاب: «عمل ردحاً من حياته على توثيق تاريخ سعى أن يكون عميقاً وعريضاً وشاملاً، فقد دون الأحداث التاريخية وكان واحداً من أبرز صناع تاريخها الحديث دون أدنى شك، بدأت رحلته بالتدوين والتوثيق لمراحل مهمة في التاريخ بعام 1956، حيث وثق لأحداث مهمة في تاريخنا المعاصر كأحداث الثورة العربية الكبرى ومعركة "ميسلون" وأحوال "بلاد الشام" وما مر عليها من معارك وانتصارات وانكسارات، وكان بحوزته حوالي ست عشرة مفكرة وكم هائل من الأوراق المتفرقة و70 رسالة أرسلها له أخوه "عمر" خلال فترة سجنه، ساهمت جميعها لتأسيس مشروعه في التأريخ وتدوين الأحداث التاريخية بالترتيب».