في الطابق الثاني الذي يعلو منزل سكنه في حي "القصور" بــ"دير الزور" (مساكن المعلمين)، اتخذ الكاتب والباحث "الزبير سلطان" مكاناً للكتابة، حيث تحوطه مكتبة ضمت مئات العناوين من مختلف الإصدارات، فضلاً عن صحف ومجلات ورقية قديمة.
هنا يقرأ وهنا يكتب في "صومعته" كما يُسميها، هي عالمه الهادئ الذي يعشقه والذي سطّر فيه نتاجاته المختلفة للصحافة وفي التأليف، وما أسعده أنها لم تتعرض للتخريب والنهب فترة تهجيره بعد سيطرة المجموعات المسلّحة على معظم أحياء المدينة، عاد إليها ليُتابع من جديد مشواره مع الفكر وقضاياه.
الصحفي والباحث
يستعرض الباحث "الزبير سلطان" في حديثه لـ "eSyria" بعضاً من محطات حياته، الحافلة بالبحث والفكر والصحافة والأدب ويقول: "بحكم أني خريج دار المعلمين كان التدريس هو عالمي المهني الذي أعطيته حقه لسنوات كثيرة في مدارس المحافظة، غير أن شغفي للقراءة نقلني لعالمٍ آخر، بدأته بنظم الشعر الذي جاء في فترة الشباب وما زلت أحتفظ بالكثير من وريقاته، ومنه ما نشرته في مجلات آنذاك فترة الستينيات وكان على شكل مساهمات، غير أن أول مقال سطرته في الصحافة كان لمجلة "الطليعة المصرية" وذلك في شهر نيسان من العام 1967 وحمل عنوان (طريق انتصار القوى الثورية والوحدة العربيّة)، وفيه حذرت حينها من عدوان وشيك سيُشن مستهدفاً دول الثورة العربية، المقال نشر قبل شهر واحد من عدوان حزيران أو ما سُميَ حينها بـ" نكسة حزيران"، أما نتاجات التأليف فقد صدرت في كتب تناهز العشرين، بينها 5 كانت مُشاركات مع كُتّاب آخرين، ولدي حالياً كتابين قيد الطبع، كما واظبت على النشر في عدة مجلات خليجية ومنها مجلة "الفيصل" الكويتية، ومجلة "الوعي الإسلامي"، أيضاً مجلة "الفكر السياسي" وفي مجلات اتحاد الكتّاب "الأسبوع الأدبي" و"الموقف الأدبي"، واعتمدت ضيفاً في التحليل للوضع "السوري" ومختلف القضايا في الإذاعة المصرية، وإذاعة "صوت العرب"، كما عملت مراسلاً لجريدة "البعث" فترة الثمانينيات من القرن الماضي".
منابرُ ثقافية
واكب "سلطان" المشهد الثقافي بمحافظته التي لم يغب عن منابرها رغم بلوغه من العمر 75 عاماً ليؤكد أن ميدانية التثقيف يمكن أن تُسهم بفاعلية أكبر في الوعي، ويضيف: "لا شكّ أنّ التكنولوجيا أتاحت سبلاً أوسع للوصول إلى الناس ومخاطبتهم، غير أن للمنبر الثقافي نكهته عبر المباشرة التي تتيح تبادل الآراء وتجاذبها بما يُغني الجميع، وهنا أيضاً سينزل الباحث للغة أبسط بعيداً عن الأكاديمية الصرفة، وقد يرى من يرى قلّة رواد المراكز والمنتديات الثقافيّة وهذا واقع، لكن أيضاً لا بد من أن نلتفت إلى أن لكل نشاط متابعيه، شخصياً ما زلت مواكباً للنشاطات الثقافيّة بـ"دير الزور"، وما ألمسه حقيقة رغم الظروف الصعبة التي نعيشها أن هنالك غزارة في المعروض سواء أكان أمسيات أو أصبوحات أدبية، أو محاضرات متنوعة أو مسرح وفنون منذ عودة الحياة الطبيعية للمحافظة، وما نحتاجه هو استثمار أكبر في الكلمة والفنون، هي ميدان رابح إن جرى توفير مستلزماتها وتشجيع العمل البحثي في ميادين العلوم الإنسانية فهو ليس أقل شأناً أو أهمية -من حيث التأثير- من بقية ميادين البحث التي تحتاجها الدولة كمنظومة مُتكاملة، بل والإنسان ككل".
وبسؤال " eSyria" إذا كان للكاتب زمن يتوقف فيه عن الكتابة؟ أجاب وهو يقلّبُ صوراً تعود لعقود تجمعه وشعراء كبار كالراحلين "سميح القاسم" و"جوزيف حرب" وفنانين عرب مثل "عادل إمام" وشخصيات ثقافية عربية من كُتاب وروائيين ونُقاد: "طالما أنك تقرأ وتبحث فأنت ستكتب، ولن يمنعك سوى الموت، فالكتابة فعلٌ إنساني لا يعرف الهدوء، لا زمن للتوقف عن الكتابة إلا مع الموت، آنذاك يكون التوقف لا إرادياً، وبقدر قيمة ما تكتب حتماً أنت حيٌ وإن مت جسداً، لاحظ الأحداث في أزمتنا" السورية"، لقد حرصت على تدوينها لتكون الرواية بعيوننا لا بعيون الخارج، هنا تكون الأحداث كما عشناها، لا كما صورها الآخر من خارج بلدنا".
نتاج متنوّع
توزّعت نتاجات الباحث "الزبير سلطان" بين السياسة وقضاياها، والتأريخ في ماضيه وحاضره، مروراً بالتوثيق لمحافظته "دير الزور" عاداتها وتقاليدها، وصولاً لحكايا الميثولوجيا، وأول كتابٍ صدرَ له في العام 1982 حمل عنوان (حزيران والثورة والنفط) وفيه حلل أسباب العدوان على مصر ودور المطامع الاستعمارية في الثروات النفطيّة بالمنطقة العربيّة في ضرب أي مسعى وحدوي بين الدول العربيّة، ثم ليُتبعه بكتاب (بغداد على خط الصفر) الصادر في العام 1993 إبان غزو الرئيس العراقي الأسبق "صدام حسين" لـ"الكويت" ومن ثم إخراجه منها، مُسلطاً الضوء على ما عُرف حينها بأزمة الخليج الثانيّة التي أعقبها حصار لـ"العراق" دام 13 عاماً، ومهد تالياً لاحتلاله، أعقب ذلك كتابه المُعنون (القضية الكردية - من الضحاك إلى الملاذ) الصادر في العام 1994، ويُعد من أكثر الكتب إشكاليّة، وفي العام 2000 أرّخ لما أسماه (الثورة المنسيّة) التي يُذكّر فيها بثورة أهالي محافظة "دير الزور" ضد الاحتلال البريطاني والتي استمرت لعام، والكتاب صادر عن اتحاد الكتّاب العرب بـ"دمشق"، وفي العام نفسه كان للكاتب مشاركة إلى جانب باحثين آخرين في تأليف كتاب عن تاريخ "دير الزور" حمل عنوان (دير الزور - ماض عريق وحاضر مُشرق) ، ثم كان كتابه عن (السلام في المشروع الصهيوني) الذي صدر عام 2001، وفي العام 2003 جاء كتابه الذي حمل عنوان (الإسلام وأحداث سبتمبر )، ثم صدر له (الديمقراطية في الفكر الإسلامي ما بين التطبيق والتغييب) عام 2008، وفي قائمة المؤلفات المزيد كما في (الخلود والعدم في معتقدات الشعوب والحضارات القديمة) الذي يبحث في معتقدات الشعوب والحضارات القديمة، بالإضافة لكتابه (تاريخ وأعلام الجزيرة الفراتيّة في العهدين الأموي والعباسي) الذي كشف فيه عن علماء بالطب والفلك مثل "صاعد بن حسن الرحبي" الذي سُجل له أيضاً اختراع قلم الحبر قبل الصين بقرابة 600 عام، وكذلك نجد طبيب العيون "رضي الدين الحجاج" وكان طبيب "صلاح الدين الأيوبي" أيضاً الشاعر "الأخطل الصغير" المولود في مدينة البصيرة ( قرقيسيا) وأبو "الحرم الماكسيني" وهو إمام اللغة العربية في العصر العباسي، أيضاً الشاعر "زفر بن حارث الكلابي" في العهد الأموي، وهنالك كتابه المهم الذي تطرق فيه لاستخدام قوى الاستعمار الجديد المرتزقة في حروب سيطرتهم على العالم وهو (الشركات الأمنية الخاصة - المرتزقة الجُدد من النشوء إلى غزو أفغانستان والعراق)، وله أيضاً كتاب (الدعاء في القرآن الكريم) وآخرها كتابه (الجنرال قاسم سليماني والصراع في الشرق الأوسط).
وللباحث أيضاً تسع مخطوطات تنتظر دورها للطباعة بينها ما ذكره آنفاً كتابه عن الأزمة "السوريّة" الذي لم يضع له عنواناً بانتظار استكمال بعض تفاصيله، وآخر بعنوان (الملك فيصل بن عبد العزيز والصراع على الشرق الأوسط)، و(الروح بين النقل والعقل)، وجزء جديد من موسوعته (الخلود والعدم).
قيمةٌ ثقافيّة
حضور "زبير سلطان" وريادته الثقافيّة ونشاطه الملحوظ هو ميزة، بل قيمة مُضافة للشأن الثقافي كما يُبين رئيس فرع اتحاد الكتّاب العرب في "دير الزور" الدكتور "عدنان عويد" خلال حديثه لـ"eSyria": "الزبير باحث جاد ومتميز في عطاءاته الثقافية والفكرية، كتب في السياسة والتراث الفراتي فوصف أحوال أهل الفرات في عاداتهم وتقاليدهم وقيمهم مثلما كتب عن وطنيتهم ونضالهم ضد المستعمر، وكتب عن رجالاتهم الوطنيين كما كتب في التراث العربي الإسلامي فكانت مواضيعه ذات بعد فلسفي، هو قامة من القامات الفراتية التي أغنت المكتبة العربية بعشرات الكتب، وشكّلَ محطة خاصة به ستذكره الأجيال القادمة كثيراً وتتخذ من كتاباته مراجع للكثير من القضايا المادية والروحية التي امتاز بطرحها.