مع عودة سوق شارع "سينما فؤاد" التجاري في مدينة "دير الزور" لنشاطه، تكون المدينة قد خطت خطوةً جديدةً ومهمةً على طريق التعافي الاقتصادي، وفتحت الباب نحو تدخلٍ أكبر في أسواقٍ أخرى لا تقلُّ أهميةً عنه، فالسوق الذي أخذ اسمه من أقدم دور السينما بالمحافظة (سينما فؤاد)، له نصيب وافر في ذاكرة "الديريين" ويُنظر لعودة نشاطه بأملٍ كبير للمزيد من حراك الإعمار.
في الذاكرةِ
يُعيدك الاسم الذي اكتسبه الشارع لأيام نشاط "سينما فؤاد" أقدم دور السينما في "دير الزور" حسب حديث الباحث "غسان الخفاجي" لـ"eSyria": "أخذ الشارع اسمه من دار السينما المذكورة التي تأسست في نهاية أربعينيات القرن الماضي، وهي بناء قديم مؤلف من صالة أرضيّة يرتادها عموم الناس من ذوي الدخل المحدود ومتوسطي الحال، إضافة لـ(بلكون) علوي من قسمين، أحدهما "الممتاز " وهو صفانِ للعائلات، والثاني للمُقتدرين.. نشطت السينما بشكل أكبر فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، كان سعر الدخول إليها يختلف حسب المكان، ففي الصالة كانت قيمة التذكرة 55 قرشاً، أما (البلكون) فهو 75 قرشاً للعادي و85 قرشاً للممتاز، كان ذلك في الستينيات، حيث كان يعرض فيها أحدث الأفلام بمعدل فيلم كل أسبوع أو أسبوعين أو أكثر حسب جماهيرية الفيلم".
ويتابع "الخفاجي": "أمام السينما كان يقف باعة (التقريشة) والباعة الجوالون، هنا أيضاً ستجد أنّ زبائن الصالة كانت (تقريشتهم) هي بزر (الجبس) المسلوق، وفستق العبيد، أما زبائن (البلكون) فيشترون من الفستق الحلبي والبندق واللوز بقيمة تصل وقتها لربع ليرة أو نصف ليرة، ومع تزايد السكان تحوّل المكان الذي توجد فيه السينما لسوق كبير ضم مختلف أشكال النشاط الصناعي والتجاري، وظل مبناها قائماً إلى ما قُبيل سيطرة الإرهاب على المدينة الأمر الذي أضر بها كثيراً ، وهي حالياً عبارة عن أطلال وركام بمعالم واضحة تشهد لأهم وأقدم دور السينما بالمحافظة والتي ارتبط وجودها بذاكرة العديد من الأجيال".
شريانٌ حيويٌّ
إعادة الحياة إلى السوق بدأت منذ عام تقريباً، بضع محلات زاولت نشاطها ولم تتجاوز حينها 17 محلاً، غير أن الشهرين الماضيين من العام الجاري شكّلا نقطة التحول التي أعادت السوق لسابق عهده مع صدور قرار المحافظة بانتقال فعاليات تجارية إليه.
زخم مرتاديه ولساعات متأخرة من الليل يُعطي المرء انطباعاً ايجابياً كما يُشير عضو المكتب التنفيذي المختص بالمحافظة "حسان المغير" في حديثه لـ"eSyria" : "جرى افتتاح السوق منذ عام كخطوة نحو التدخل في الأسواق التجاريّة المُتضررة بما يُمكّن من تأهيلها وإعادة نشاطها ويفتح المجال لعودة المزيد من أهالي المدينة النازحين، ويكتسب السوق أهميته كشريان اقتصادي يحتضن فعاليات تجارية مُهمة، ونشير هنا إلى أنّ فترة سيطرة المجموعات الإرهابيّة المسلّحة قلّصت أسباب الحياة في ثلاثة أحياء تحولت شوارعها لأسواق بحكم الواقع وشكّلت مُخالفات وتجاوزات ولا سيما في شارعي "الوادي" في حي "الجورة"، و"الحوض" في حي "القصور"، ما ترونه الآن في السوق جاء بعد قرار المحافظة الذي ألزم التجار والفاعليات الاقتصاديّة بالانتقال إلى هناك، وبدأ التدخل حينها بتأهيل شبكات الصرف الصحي والكهرباء والمياه، ليتم على إثرها تزفيت الشارع وتزويده بالإنارة، ومن ثم التنسيق مع المنظمات الدوليّة التي عملت على تأهيل محالٍ عدة زادت عن البدايات بكثير الآن" .
وأضاف "المغير": "القرار بإلزام الانتقال للسوق أتى بنتائج إيجابية، حيث زاد عدد المحال المُفتتحة ليغطي السوق، وهذا الأمر أتاح لنا طرح مشروعات أخرى بدأناها في سوق "الجبيلة" الذي نُجري فيه أعمال تأهيل، ومن ثم باتجاه سوقي "ستة إلا ربع" و"حسن الطه"، وأعطى دفعة قوية للعمل على جغرافيّة مهمة في المدينة.
تعاونٌ دوليٌّ
من جانبه مدير التعاون الدولي "إياد الدخيل" أكد أنّ العمل جاء ضمن خطة مُتكاملة بين محافظة "دير الزور" والمنظمات الدوليّة للتدخل بأعمال التأهيل وإعادة الإعمار، حيث بدأت عمليات تأهيل سوق شارع "سينما فؤاد" التجاري أولاً بإزالة الأنقاض منه وفتح الشوارع المؤدية إليه، وصولاً لإعادة تأهيل البنى التحتيّة فيه كالصرف الصحي وشبكات المياه والكهرباء، ليُسهم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (undp) بصيانة وتأهيل المحال فيه، وشملت أعمال التأهيل (الدهان، الأبواب، التمديدات الكهربائية والصحيّة، وتركيب خراطات)، وما إلى ذلك من لوازم تجهيز المحال التجاريّة، تبع ذلك الاتفاق مع منظمة "اليونيسف" لتأهيل مدرستين في الشارع وهما مدرستا (عادل حاج هنيدي، ويوسف العظمة)، ووصل عدد المحال المؤهلة التي تحتضن فعاليات تجارية عدة إلى 239، وجرى تأهيل قرابة 150 منزلاً والعمل الآن جارٍ بالاتفاق مع منظمة "غوبا" وبطريركيّة الروم الأرثوذكس لاستكمال تأهيل المزيد من المحال البالغ عددها 70 محلاً.
خارطةُ العمل
وفي تصريح لـ"eSyria" بيّن رئيس مجلس مدينة "دير الزور" المهندس "رائد منديل" أن حجم الإنجاز بعودة سوق كهذا يُعطي دفعة قوية لمسار الإعمار وعودة الحياة الطبيعية، مُضيفاً: "الكثير من الفعاليات التجاريّة باتت تشغل السوق من محال الألبسة بأنواعها، إلى محال العطور والأحذية والعصائر والإكسسوارات، فضلاً عن صالونات الحلاقة و(الكوافير) والتجميل، إضافة للمقاهي، وستعود فعاليات أخرى كان السوق يحتضنها، وبالتوازي بُدء العمل بتأهيل سوق حي "الجبيلة" الموازي، ويشمل ذلك إزالة الأنقاض من أمام المحال والمنازل كمرحلة أولى، ومن ثم تتم عمليات صب الأرصفة وتركيب الإنارة الطرقيّة ومعالجة القميص الإسفلتي، وضمن الخطط وبالتنسيق مع المنظمات الدوليّة هناك توسع في خارطة العمل لتشمل أسواقاً أخرى ما يزيد من حالة التعافي التدريجي في المدينة".
حركةٌ وتعافٍ
عودة السوق لنشاطه جعل العديد من أصحاب المحال التجاريّة يعودون لتفعيلها، سواء مَنْ استأجر أو مَنْ كان مالكاً، يقول "سامر جوالة" أحد أصحاب محال الأحذية: " زخم المرتادين للسوق في ازدياد، وتلاحظه أكثر في المساء، وخطوة افتتاحه وفّرت عليّ الكثير من المصاريف لجهة الاستئجار والتنقلات، أشعر اليوم أن عودة أيام حوارينا الجميلة تكبر وهذا يبعث الأمل فينا بغدٍ أفضل، والمطلوب الآن من الجهات الحكوميّة العمل على تأهيل دوائر القطاع العام المُحيطة بالسوق كمديريات التربية والماليّة والقصر العدلي وغيرها، فهي خطوة تزيد من فرص التسوق بشكل أكبر".
وأوضح تاجر الجملة "إسماعيل الحسين" أن الإقبال على السوق يتسع يوماً بعد آخر: "رغم قرب عهد الافتتاح الكبير للسوق بشكلٍ كامل منذ شهرين، فإن حركة التسوق كبيرة ولا سيما في ساعات المساء.. كنت من أوائل الذين بادروا لافتتاح محله منذ عام، كان العدد محدوداً حينها، أما الآن فالوضع اختلف جذرياً، نتمنى زيادة ساعات التزود بالتيار الكهربائي مساءً، وتكثيف أعمال النظافة بما يزيد من تخديم السوق، وتزويد الراغبين ببوابات إنترنت، الوضع مُبشر والأمل يكبر، وبذلك سيعود وجه المدينة الذي كان عامراً بالحياة ".