تكتب الطفلة "حنان الحنافي" أبجدية حياة مُفعمة بالأمل، بالعلم والغناء، وبكل مفردة في حياةٍ قد يراها كثيرون صعبة، أو غير ممكنة مع إعاقة ولدت معها بلا أيدٍ، إرادةٌ فولاذية لطفلةٍ غضة، تعيش وأنت تسمع كلامها معنى أن تتغلب على كل مصاعب الحياة، هنا تنظر للجزء الملآن من الكأس، فتلتقطُ من الوجع طاقة أمل.
إرادةُ حياة
لم يَحُلْ فقدُ "حنان الحافي" لطرفيها العلويين دون أن تُمارس حياتها الطبيعية، الطفلة ذات السنوات العشر في الصف الخامس في مدرسة "هشام الجاسم" بحي الضاحية في مدينة "دير الزور" تُتابع دروسها بإقبال أبهر زملاءها في الصف والكادر التعليمي بالمدرسة.
تغلبت "حنان" على إعاقتها ببدائل خلقها الله، تكتب وظائفها بفمها وترسم أجمل الرسومات، وبقدميها تأكل، عن ذلك تتحدث لـ" eSyria " : "لا أعلم سوى أني هكذا بلا يدين، بواسطة فمي أكتب وظائفي المدرسيّة وأُقلّبُ صفحات كُتبي، وبه أرسم ما أشاء، وبواسطة قدمي أتناول طعامي، لا أجد صعوبةً في ذلك فقد اعتدتُ الأمر، هنالك أشياء أحتاج فيها لمساعدة الآخرين، والدتي وشقيقاتي يساعدنني بذلك وزميلاتي بالصف أيضاً حين أكون بالدوام المدرسي، آتي إلى مدرستي برفقة شقيقتي التي تدرس في الصف السادس".
لن تجد "حنان" في فرص الاستراحة منزوية على نفسها، بل ستراها تُشارك رفيقاتها في باحة المدرسة أنواع الألعاب وتضيف: " يُمكنني أن أركض، وأن ألعب كرة القدم وبعضَ ألعاب البنات الصغيرات، فكما عرفت الطريقة لأكتب وأتناول الطعام، كذلك هو الأمر بالنسبة للعب، حالما ينتهي الدوام وأعود للمنزل، أول ما أقوم به بعد تناول طعامي هو كتابة وظائفي المدرسيّة وحلها بالكامل، وبعدها أمارس هوايتي المفضلة وهي الرسم، أرسم الحيوانات والوجوه، الأزهار ونهر الفرات ".
تمتلكُ "حنان" صوتاً بصبغة حُزن الفرات، فهي تخفظ كثيراً أغاني المطرب المعروف "حاتم العراقي" وتؤديها بإتقان، بحة الصوت، الوقفات ومقدار الصوت ومده، كما تغني لمطربي دير الزور أمثال "عبد القادر الحناوي" و"اسكندر عبيد" وغيرهم الكثير، وغالباً ما تغني في الاحتفالات المدرسية.
طاقةٌ وأمل
يقول والد الطفلة "أحمد الحنافي": أبصرت "حنان" نور الحياة بلا يدين، هذا الأمر آلمني كثيراً مذ كانت رضيعة وحتى اليوم، كبُرتْ وباتت في الصف الخامس، ما زلت أُشفق على وضعها، غير أن ما تملكه من حيوية وطاقة للدراسة بل للحياة يجعلني أتفاءل، بل وأكثر من ذلك فهي تمُدني بالعزيمة، حالة ابنتي أعدها أهون أمام حالات كثيرة من الإعاقة التي تخلق مشاكل للأسر، ولا سيما إذا ما كانت فقيرة، فأنا لستُ من ذوي رؤوس الأموال وبالكاد أعيل أسرتي المكونة من 7 أفراد من العمل (الحر)، لذا فإقبال ابنتي على الحياة ليس وليد وضعٍ مادي جيد، فعملي يوفر كفاف عيشنا، القصة قصة إرادة".
بدورها تقول الوالدة "مريم شحاذة": "أحمدُ الله على كل حال، ليس بالأمر الهين أن ترى طفلك بعد الولادة بإعاقة جسدية، حزنت كثيراً وآلمني قلبي وما أزال، السؤال الذي يُرافقني دائماً "كيف لها أن تُكمل حياتها وهي على هذه الحال"؟ ، لكنني وجدت الجواب من خلالها، ضحكتها التي لا تُفارقها، في فمها الذي تكتبُ به، وقدمها التي تتناول بها طعامها، حقيقةً لا تُشعرك إلا وكأنك أمام إنسان سليم الجسد، ليس فاقداً لجزء مهم منه، بل وتُبادر دوماً لأن تُساعد بأعمال المنزل، فهي على صغرها تُحب أن تتميز، وما أتمناه هو أن تلتفت الجهات المُجتمعيّة والخيريّة لمُساعدتها، هي مُتفوقة ولديها مواهب عدة، زارنا منذ فترة قريبة مدير تربية "دير الزور" وأبدى استعداده للدعم والمساعدة، موجهاً إدارة المدرسة بضرورة لحظ قدراتها والإمكانات التي تمتلكها بمزيد من الرعاية، أتمنى على محافظة "دير الزور" إنشاء مراكز رعاية لمثل حالة ابنتي وتأمين أطراف صناعيّة تُساعدهم على الحركة، هذا الأمر نريده مُستقبلاً، فحسب استشارات الأطباء فإن العمر الملائم لتركيب هذه الأطراف هو 18 عاماً".
تفوقٌ دراسي
إدارة ومعلمو مدرسة "هشام الجاسم" التي تدرس فيها الطفلة "حنان" أثنوا على حيويتها وتفوقها، ويقول "يوسف الحسين" مدير المدرسة لـ"eSyria": "نُتابع وضع "حنان" دائماً فهي بشهادة معلميها من التلميذات المتفوقات وتمتلك طاقة وحيوية، لديها روح المبادرة وتمتلك ذاكرة قوية، وخلال أعوام دراستها كانت ولا تزال من الأوائل، رغم أن والدتها ربة منزل ووالدها يعمل بالعمل الحر، أي أن تفوقها بهذه الأوضاع لا بدّ وأن يكون مُلفتاً، هذا إن لم نُضف إليه وضع أسرتها المادي المّتعبْ، في الحقيقة الطفلة أكبر من عمرها بقياس مستوى وعيها ودقة ملاحظتها، عدا عن سرعة بديهتها والنشاط الذي تُبديه، طبعاً مثل هذه الطاقات لا بدّ من أن تحظى برعاية خاصة، سواء على مستوى المنظمات الشعبيّة ذات الصلة، أو حتى من الفعاليات الخاصة في المجتمع، أكان ذلك بالدعم المادي أو المعنوي، باختصار هي مشهد يجب أن يُصدّر لأبناء المجتمع كعنوان للإرادة والتحدي في وجه كل الظروف".
لعلّ المُلفت في ختام دردشة " eSyria " مع الطفلة "حنان" المملوءة بالعزيمة والإصرار هو ردها على سؤالنا عن موهبتها المُفضلة أو ماذا تُريد أن تكون في المستقبل؟ حيث جاء جوابها بأنها تُريد أن تكون ضابطاً في الجيش العربي السوري، لا نعلم ما إذا كانت أمنيتها نابعة من حكايا أهلها الذين شردهم الإرهاب لسنوات من منطقة لأخرى وأوجاع الحصار ومدى الآلام التي سمعت الناس يتحدثون عنها نتيجة ذلك، لكن الأكيد أنه الملهم لمثل هذه الأمنيات وإن جاءت بعيون الأطفال.