الرجلُ الصالح، والعارفُ بالله، والشيخُ صاحب الكرامات، أوصافٌ يستحضرها زوّار مقام "السروجي" إلا أنّ أشهرها وصفه بـ"بطّاح الجمل"، وعلى ما تقوله الرواية الشفهية فإنّ ثرياً رافق جمّالاً في السفر، وحين استيقظ صباحاً لم يجد ثروته فاتّهم الجمّال بسرقته، ولمّا اشتد خصامهما، احتكما إلى الشيخ السروجي، وقبل أن يخبراه عما حصل، بطح الجمل بإشارةٍ من يده ومدّ كفه أمام فمه، ليلفظ سريعاً صرّة الذهب المُخبّأة في جوفه.
يُقال أيضاً أنّ هذه الحادثة وقعت في منطقة الشاغور في دمشق على مقربةٍ من مقام الشيخ، "ربما" كان هذا سبباً في شيوعها أو لأنها الوحيدة التي شهدها الناس فتناقلوها على حساب أخرى طواها الزمن، في السياق ذاته تغيب المعلومات المُوثّقة عن تاريخ ولادة ووفاة الرجل، ليكون الأكيد منها اسمه الأصلي "أحمد بن سليمان بن مسلم المحملجي" الوارد في عدة مراجع تاريخية والمكتوب على ضريحه، أما "السروجي" فهو لقبٌ اكتسبه من مهنته في صناعة سراج الخيول والجمال.
خدمةُ المقامِ
تتناقلُ عائلة الخوام قصةً عمرها 300 عام، يحكيها لـ"مدوّنة وطن" المشرف على المقام "محي الدين الخوام" المعروف بـ"أبو فراس" خدّام السروجي، وفيها يشير إلى قرابة تجمع بين عائلته والشيخ، حتى أنّ جدّ العائلة سليمان الخوام، جدٌ للسروجي من جهة أمه، وكلاهما من مدينة "فاس" في المغرب، تقول الحكاية "إنّ سليمان الخوام رأى في منامه الشيخ السروجي يطلب منه القدوم إليه في دمشق، وعندما وصل المكان وهو تربة "الباب الصغير"، تأكّد من وجود قبر السروجي في منطقة محددة فاشتراها وجعل منها مزاراً وبنى جامعاً إلى جوارها، ومع الزمن أصبح لقبه خدّام السروجي".
يقول أبو فراس للمدوّنة: "خدمة المقام وراثة وشرف في عائلتنا، تعاقب عليها أجدادنا وأبناء عمومتنا، علماً أننا نمتلك مهناً وأعمالاً خاصة، بعد وفاة عمي اجتمعنا وتناقشنا حول من سيستلم من بعده، قلت لهم أنا أرغب بهذه المهمة، وتقدمت بطلب إلى الأوقاف لخدمة المقام كوقفٍ خيري وحصلت على الموافقة". ويضيف بعد 4 سنوات في الخدمة: "لا أعلم من سيخدم بعدي، نحن نتفق بالتراضي والأهم ألّا نفرّط بخدمة المقام، منذ أعوام حاولت إحدى العائلات منافستنا وهدفهم ريادة الحي، لكن لم يحصل ما أرادوه، يومياً أنظّف المقام والجامع وأستقبل الزوّار، ثم أذهب إلى عملي في الخياطة".
مقاصدُ الزيارة
يأتي زوّار المقام من مختلف المحافظات، وفي زمن مضى قصده لبنانيون، تبدأ الزيارة عادةً في فترة صلاة الظهر، ويستمر التوافد حتى المغرب، البعض يأتون فرادى وهناك من يصطحب العائلة للتعرّف على المكان. يضيف أبو فراس: "لا تقترن الزيارة بالطلبات، بعضهم يأتي بشكل متكرر دون أن يكون له طلب، يشعر بالروحانية والبركة الموجودتين في أيّ مكان يُذكر فيه الله، ولا ننس أنّ المسجد قائم إلى جوار المقام، بالطبع يتمنى آخرون أن تتحقق آمالهم بعد الدعاء لله ويدفعون مبالغ بسيطة كصدقات على نية تحقيق مطالبهم، نشتري بها خبزاً وسكاكر نعطيها للفقراء والضيوف".
حالياً يستقبل المقام والمسجد موالد وحضرات ومجالس ذكر، من دون أيّ سلوكيات غير مقبولة، على حد قول خدّام السروجي، ولذلك أسباب أهمها "وعي الناس الذي ساهم في غياب ظواهر يرفضها الدين كالدوسة والنوبة والتكبيس، وحين يأتينا مرضى بقصد الشفاء، نطلب منهم زيارة الأطباء وتناول الدواء بدل اللجوء إلى تصرفات لا جدوى منها".
في المقام التقينا بفتاة وضعت زجاجة ماء قريباً من ضريح السروجي قبل أيام وعادت لأخذها، بينما فضلت أمٌ وابنتها إضاءة زيت وشمع على أمل اللقاء بأحبة خارج البلاد، وهناك من استعارت مصحفاً وأرجعته، مؤكدة أن أمنيتها بنجاح ابنها في الثانوية تحققت، أما السيدة "أم أحمد" فهدفها الخلاص من "عين" أصابت ابنها قبل سفره إلى أربيل بيوم واحد!.
معلوماتٌ تاريخيّة
الباحث الدكتور قتيبة الشهابي، تحدّث عن مقام السروجي في كتابه المبني على بحث ميداني "مشيدات دمشق ذوات الأضرحة وعناصرها الجمالية"، وفيه يدلل بدقّة على أن موقع "جامع السروجي" في منطقة الشاغور البراني، شارع المزاز، خارج الباب الصغير، "لا يُعرف تاريخ إنشائه، ويميل الاعتقاد إلى كونه من العهد المملوكي، ينسب للشيخ أحمد السروجي المُتوفى في زمن مجهول، والمدفون فيه ضمن ضريح كبير، له منزلة كبيرة عند أهل الشام ولا سيّما أهل الشاغور، جهدت في محاولة التوصل إلى ترجمة له دون جدوى، جدد الجامع سنة 1365 هـ، 1946 م في عهد الرئيس شكري القوتلي".
للجامع، والكلام للشهابي: "واجهة شمالية يشغل نصفها باب قديم معقود بقوس محدبة تشتمل على عناصر زخرفية وعلى جانبيه مداميك حجرية بلقاء، تشغل النصف الثاني نافذة مائلة وخلفها الضريح، أول ما يستقبل الداخل إلى الجامع ردهة صغيرة علّقت فيها دفوف وطبول ومزاهر". وفيه "المقام الخشبي للشيخ السروجي، يضم ضريحه المجلل بقماش من نوع الأطلس ذي اللون الأخضر المطرّز بآياتٍ قرآنية، وبالنص التالي (مقام العارف بالله أحمد بن سليمان بن مسلم المحملجي السروجي) ولم يكتب عليه تاريخ الوفاة ولا في أيّ مكان آخر من الجامع".