فرض واقع الأزمة التي عاشتها محافظة "دير الزور" كما باقي المحافظات السّورية، نمطاً جديداً من العمل الخيري الفاعل في التخفيف من آثار الأزمة، وبطبيعة الحال كان للشباب دورهم في هذا المضمار، وكان لمجموعة من الشباب من كلا الجنسين رؤيتهم في هذا المجال بإطلاق جمعيّة تُعنى بالمجتمع برؤية عملية، ورغم أن أغلب هذه الجمعيات هي فروع لجمعيات أم مركزها العاصمة "دمشق" ، إلا أن الجمعية مثار قصتنا كانت الجمعية الأم، أي هي "ديرية" الإحداث والعمل.
برؤى عمليّة
بمجموعة مؤلفة من 17 شاباً وشابة أعلنت جمعية "تكاتف شبابي" عن انطلاقتها، وبرقم إشهار 1458 صادر عن وزارة الشؤون الاجتماعيّة والعمل، وكانت ولادتها بتاريخ الحادي والعشرين من حزيران العام الجاري.
عن ذلك تحدثت رئيس مجلس إدارة الجمعيّة السيدة "وفاء الهفل" لـ "eSyria" قائلةً : "بقدر ما كان إعلان ولادة جمعية "تكاتف شبابي" مُفرحاً، بقدر ما كان ذلك يعني انتصاراً للإرادة في أن يكون لنا دور ما في قضايا المجتمع، طبعاً جمعيتنا تأسست بمجموعة من الشباب من كلا الجنسين تتراوح أعمارهم بين 22 - 45 عاماً، تُغطي بعملها كافة مدن وأرياف المحافظة، كان المهم أن يكون الشباب المؤسسون من ذوي الشهادات والخبرات، لذا فهم موزعون بين حملة الاقتصاد والحقوق، مروراً بكليات التربيّة وهندسة البترول، فالآداب بلغاته، وحتى المعاهد التخصصيّة".
وتُضيف "الهفل": "ترتكز رؤى الجمعيّة كقاعدة عمل لها على المقولة المعروفة (علّمه الصيد بدل أن تعطيه الشبكة)، لذا فإنّ ما نهدف إليه هو بناء قدرات الشباب واليافعين عبر التعليم والتمكين، والأهم هو العمل على التأهيل المهني، فالمهنة كما يُقال (أمانٌ من الفقر) وهو ما تحتاجه الأسر في ظل الواقع المعيشي الصعب، فضلاً عن أن أي نشاط شبابي سيكون هدفاً للدعم وفق عملية تقييم الاحتياجات التي نعمل عليها، بمختلف أنشطة المواهب لدى فئتي الشباب واليافعين سواء أكان ذلك في الفنون من رسم وموسيقا وغناء أو في العلوم الأساسيّة والفنون الأدبيّة".
تأهيل وتمكين
وتؤكد رئيس مجلس إدارة جمعية "تكاتف شبابي" أن ميدان العمل الراهن للجمعيّة يلحظ الواقع التعليمي المُتردي في المدارس وتقول: "مع اكتمال تجهيز المقر المخصص لنا سنبدأ بإقامة دورات التقويّة تعليمياً، وتشمل طلاب شهادتي التعليم الأساسي والثانوي، فالطالب يدفع للدورات الخاصة مبالغ ماليّة باهظة، ولدينا سيكون ذلك بأجور رمزية، وسنستقطب خبرات تعليميّة مشهود لها في هذا الشأن، في الوقت الذي نضمن فيه مستوى خدمات مُرضيّاً، فإننا كجمعيّة سنحرص أيضاً على تحقيق وفورات ماليّة للتمويل الذاتي لمشاريعنا، نعمل لرفع أعداد الأعضاء في الجمعيّة إلى 50، ووفق معايير دقيقة تعتمد الإرادة والهمة العاليّة، وإتقان العمل الإنساني، وهؤلاء كما فرق التطوع يخضعون لدورات تدريبيّة تُمكنهم من الولوج لهذا الميدان مُتسلحين بالمعارف اللازمة والمرتبطة بعملهم".
مشروعات هادفة
من جانبه نائب رئيس مجلس الإدارة "أغيد الحاج خضر" يلفت إلى أنه لا غنى لعمل جمعيتهم عن التشبيك مع مختلف المنظمات لغرض تفعيل حراك مشروعاتهم : "تنشط في دير الزور مختلف المنظمات الدوليّة التي تدعم نشاط الجمعيات الأهليّة، سواء أكان ذلك من قِبل برنامج الأمم المُتحدة الإنمائي، أو صندوق الأمم المتحدة للسكان، أو منظمة الغذاء العالمي (الفاو) وغيرها من المنظمات، لدينا الكثير من المشروعات التي ننوي طرحها، وهي تلحظ حاجة الناس، من ضمنها مثلاً التدريب الزراعي الذي نضمن فيه للمستفيد تمويله بمستلزماته من بذار ووقود وأسمدة، مع متابعة ميدانية لعمله، كذلك سنعمل ضمن خططنا على إحداث مركز يستهدف الأطفال من مرضى "التوحد" والذي سيكون بالمجان، فالكثير من العوائل تُعاني لجهة العناية بهم وسط ظروف الحياة الصعبة، وعلى حد علمي لا يوجد مركز في "دير الزور" يختص بهذا الشأن، وإنْ وِجدْ فهو ليس بالمجان، ما زلنا في طور البدايات لذا تركزت نشاطاتنا على المبادرات من قبيل حملات التبرع بالدم التي قام بها أعضاء الجمعيّة، وما قمنا به صيفاً في ظل موجات الحر التي مرت بها المحافظة ومعاناة الأهالي بانقطاع الكهرباء، حيث استهدفنا طلبة جامعة الفرات بتوزيع مادة "الثلج"، ناهيك بالمشاركة في المهرجانات التي تحتضنها المحافظة برعايتنا لمسابقات وتوزيع جوائز للأطفال، إضافة لحملات التوعيّة من مخاطر وباء "كورونا"، كما زودنا الطلبة الأشد فقراً في مدرسة "عدنان عكاب" بستين حقيبة مدرسيّة مع قرطاسية كاملة، وحالياً لدينا منحة من وزارة الشؤون الاجتماعيّة لرعاية المشردين ويتضمن ذلك الفحص الطبي والأدوية والألبسة مع وجبة غذائية لمرة واحدة، ونعمل على تحضير فريق استجابة طوارئ سريع عمله الحالات الإسعافيّة، نواتج الحرائق، التشرد.... إلخ ".
استنهاض الهمم
لا يكفي الاعتماد على العامل المنظماتي (الدولي) كما تشير السيدة "نجلا العيسى" -أحد المؤسسين- في حديثها لـ"eSyria" : "في محافظة دير الزور الكثير من فاعلي الخير المُقتدرين، من هنا جاء إحداث الجمعيّة كمركز في المحافظة غايته توجيه الدعم المحلي إلى مشروعات بعينها تكون قادرة على تحقيق المُراد، فمنظور "تكاتف شبابي" يعمل بالتوازي بين الدعم المّنظماتي -إن جاز التعبير- ودعم الخيرين من أبناء "دير الزور"، وهذا التوجه في شقه الأخير يستجمع الفعل الخيري وفق مُحددات وأطر عمليّة مُنتجة، وبذلك بدلاً من أن يكون هذا الفعل عشوائياً، نُحوله إلى فعلٍ مُنظم يستقطب أبناء المحافظة من المُقتدرين، سواء أكانوا في الداخل وحتى من هم في الخارج، لدينا رأسمال خيري في الخارج أحدث خدمات كثيرة على أرض الواقع، ففي بلدة مثل "السيّال" بريف مدينة "البوكمال" كان للفعل الخيري دوره الذي سبق كثيراً التدخل الحكومي، فعددٌ من أبناء تلك البلدة ممن يعملون خارج القطر منذ سنين خلت عملوا على تأهيل مبانٍ لتكون مقرات لجهات حكوميّة، وزودوا بلدتهم بمحولات كهربائية على نفقتهم الخاصّة، من هنا فإن الجمعيّة لم تُغفل أن تضع لها حساباً تجارياً في فرع المصرف التجاري بدير الزور ( 0901582852001 )، وبذلك تضمن برمجة أدائها، المدخوليات وأوجه الصرف".
التنظيم والثقة
يبين الحاج "أحمد الدهموش" أحد وجوه الخير الداعمين أن علة العمل الخيري هي أنه ليس مُبرمجاً، بل هو على حد تعبيره يأتي على طريقة (الفزعة)، ويضيف : "أتابع جمعية "تكاتف شبابي"منذ انطلاقتها بطاقمها الشبابي، حقيقةً هم يريدون عبر جمعيتهم أن يقولوا شيئاً، لكن على الأرض، ولعل أكثر ما نتفق فيه سويةً هو تركيزهم على الجانب المحلي من الدعم، أي استنهاض فعل الخير الموجود أصلاً لدى الكثير من أبناء "دير الزور"، وذلك وفق برامج محددة، لذا لم يكن العامل الإغاثي حاضراً على جدول أعمالها، بل روح العمل الخيري المُستدام الذي يبتعد بالإنسان عن الكسل، صحيح أن الجانب الإغاثي مهم وهو حتماً حاضر لدى فعاليات تعمل عليه، لكن الأهم أن تصنع شاباً أو شابة، أياً يكن عمر هذا الإنسان، أن تصنع إنساناً مُنتجاً يأكل من تعب يديه، وهذا الأمر ليس بالمستحيل، بل هو ممكن وهو أمر يحتاج التنظيم والأمانة، فهاتان الصفتان مُضافاً لهما البرامج المدروسة هم من يجذب أهل الخير وفق مُحددات تضمن فعلاً النجاح على الأرض".
رئيس دائرة الخدمات في مديرية الشؤون الاجتماعيّة في "دير الزور" "صالح بريجع" أوضح أن "تكاتف شبابي" تعمل وفق برامج وآليات عمل مُبشرة وقد أحدثت الجمعيّة بقرار وزارة الشؤون الاجتماعيّة والعمل، وهي تحت إشراف من قبل المديرية، لافتاً إلى أن عدم تركيزها على الجانب الإغاثي يعني فيما يعنيه أنها تنشد واقعاً من العمل الخيري المُنتج الذي يُركز على التدريب والتأهيل ضمن برامجها، وهو ما تحتاجه المحافظة في ظل عملية التكامل بين الأطر الجمعياتية الناشطة هنا.
ويضيف: "الانطلاقة حديثة ونتمنى أن تُحدث فرقاً ملموساً على صعيد النشاط الخيري الفاعل، لديها برامج وآليات عمل كما ذكرت آنفاً وهذا ما سيساعدها في استقطاب الرأسمال الداعم الذي نستطيع أن نتوقع حضوره في برامجها المُتعددة، ولا سيما أنها تأسست كجمعيّة أم لا كفرع لجمعيّة خارج المحافظة، هذه البرامج فقط يُمكنها إحداث الفارق على مستوى العمل الاجتماعي ومُنعكساته الإيجابيّة".