لا تستطيع المرور على أدب الأطفال دون أن يستوقفك الأديبُ الفراتيُّ "سراج جراد" ابن مدينة دير الزور، فنتاجاته الثرّة شعراً وقصةً وروايةً، تؤكد حضوره المميّز في عالم الأدب والذي صاغه مُبكراً ولا يزال يزيده تجذراً وعُمقاً، ناهيك بما قدمه من دراسات لشخصيات أغنت الحراك الثقافي بـ"دير الزور" في زمنها.
وشاءه الأدبْ
رغم أنّ رغبة أهله كانت دراسة الحقوق بعد نيله الشهادة الثانوية، غير أنّ ميله للّغة العربيَّة وآدابها كان له الغلبة، عن ذاك الشغف بالأدب العربي ولغته اللذينِ صنعا ميوله لأدب الأطفال يتحدث الأديب "سراج جراد" لـ"eSyria" قائلاً : "نشأت في وسط عائلي يهتم بالكتاب والثقافة، فتحتُ عينيَّ على مكتبة والدي المملوءة بالعناوين الأدبيَّة والتراثيّة، كانت مجلة "أسامة" بأعدادها الأولى إرثي من أخوتي الأكبر سناً، وأتذكَّر أنّي اشتريت أوّل قصة في حياتي وأنا طالب في الصف الأول الابتدائي بـ"خرجيتي" وهي ربع ليرة، حُّبِّب الشعر إليَّ منذ نعومة أظفاري وحفظت منذ الصف الخامس الابتدائي قصائد من عيون الشعر، أما أمهات الكتب في الأدب العربي فتعرفت إليها وحفظتها وأنا في المرحلة الإعدادية، وأوّل قصة نشرتها كانت في جريدة "البيان الإماراتيَّة"، حينها كنت في الصف الحادي عشر الثانوي عام 1989، وشاركتُ في أوّل أمسية شعرية في المرحلة الثانوية عام 1990 في المركز الثقافي العربي بـ"دير الزور"، وذلك خلال مسابقة الأديب "سعد صائب"، وكنت وقتها من ضمن الفائزين بالجوائز الثلاث الأولى".
الشغلُ الشاغل
ويتابع "الجراد" حديثه: "لعشقي للأدب التحقت بمعهد اللغة العربية بدير الزور، مفضلاً إيّاه على دراسة الحقوق وغيرها، وخلال دراستي في المعهد قرأت أيقونات الأدب العربي مثل (أمالي القالي) و(البيان والتبيين) للجاحظ و(عيون الأخبار) وغيرها وأصبحت لديَّ مكتبتي الخاصة التي كانت عناوينها أدبيةً بحتةً في معظمها، بدأتُ بمراسلة المجلَّات العربيَّة الـمُختصة بأدب الأطفال مثل "العربي الصَّغير" و"ماجد" و"الوحدة المغربيَّة" ، إلا أنّي لم أحصل على فرصة للنشر فيها حتى جاءت المرحلة الفارقة في حياتي وهي تعرُّفي على الشّاعر الراحل الكبير "جمال علّوش" أديب الأطفال وابن مدينتي، ويُعدُّ من أبرز الشّعراء في الوطن العربيّ في هذا المجال، فكنتُ كسارقِ شعلة النار، فسرقت الصّنعة الأدبيَّة في أدب الأطفال منه، وهو بحق بوّابة دخولي لهذا الميدان الذي أصبح شغليَ الشَّاغل حتّى اللحظة".
نتاجٌ ثرْ
نشر النتاجْ لا يقلُ أهميةً عن كتابته، والمرء كما قالت العرب "مخبوء خلف لسانه"، يقول الأديب "الجراد" : "نشرتُ أولى قصائدي الشعريّة في مجلَّة "أسامة السّوريّة" عام 2005، وتوالت بعدها قصائدي المنشورة في كلِّ المجلّات العربيَّة كـ(أسامة، توتة توتة وأحمد اللبنانيَّتين، وبراعم الأطفال، العربي الصّغير الكويتيّة وماجد الإماراتيَّة الشّهيرة وقنبر العراقية)، أوَّل مجموعة شعريَّة لي ظهرت رسمياً للنور كانت بعنوان "أغاني ميسون" صادرة عن اتّحاد الكتّاب العرب في العام 2010، وقد أفرد لها الناقد الأدبيّ المعروف "محمَّد قرانيا" دراسة نقدية خاصَّة في كتابه المشهور (قصائد الأطفال في سورية) قاربت أكثر من ثلاثين صفحة، ثم توالت أعمالي المطبوعة، فصدرت المجموعة الثّانية بعنوان "هكذا تُغنّي الطبيعة"، عن دار النهرين بدمشق، وعام 2012 فزتُ بأوَّل جائزة في أدب الأطفال، وحصلتُ على الترتيب الثّالث على مستوى القطر في مُسابقة وزارة الثّقافة عن قصَّتي (رحلة البحث عن السّعادة)، وطُبعت من قبل وزارة الثقافة، وفي العام نفسه نوَّهت وزارة الثقافة للإبداع الأدبيّ بمجموعتي القصصيَّة (حوريَّة البحر)، وحللتُ رابعاً بين 484 مُتسابقاً من الوطن العربيّ".
قصصٌ وأشعار
حتى العام 2015 ودخول سوريّة أزمتها توقَّف "الجراد" عن النشر، كسائر الأدباء، وفي العام 2017 وخلال إقامته في دمشق قدَّمَ مخطوطاً للهيئة العامَّة السّوريَّة للكتاب تحت عنوان (حوريَّة البحر وقصص أُخرى)، ثمَّ صدر له (مذكِّرات رغيف) عام 2019، وكذلك دراسة عن الباحث الموسوعيّ "عبد القادر عيّاش" وأخرى عن المترجم الفراتيّ "سعد صائب"، وثالثة حول أديب الأطفال الباحث "عبد الرزَّاق جعفر"، وفي السَّنة ذاتها صدر له عن دار "شأن" الأردنيَّة مجموعة شعريَّة بعنوان "جنَّةُ الحروف"، ثم جاءت الأعمال الكاملة للشَّاعر "محمد الفراتي" جمعاً وتحقيقاً الصادرة عن الهيئة العامة السّوريّة للكتاب، وإضافة لهذه الأعمال فقد سجل أديبنا في رصيده أعمالاً كثيرةً قاربت الأربعين بين قصص وشعر وروايات ومنها : "حبيبتي يا شام" شعر للأطفال ، "حورية البحر" وهي مجموعة قصصيَّة، "في بلاد الشوكولا" ، و"في بيتنا حمام" وهما روايتان للفتيان، مسرحية "محاكمة حرف الضاد"، "للياسمين والغرب" رواية للكبار ، وشعر "دندنة على الفرات" ، و"لماذا ضحك الحوت؟"، "قمري الصغير" وباقي أعماله مما لا يتسع المجال لذكرها .
تكريمٌ وجوائز
نال الأديب "الجراد" جوائز عدة داخل "سوريّة" وخارجها ومنها : "جائزة الشارقة للإبداع العربي" المقامة في العام 2011 ونال فيها المركز الرابع، وجائزة المركز الثالث لأدب الأطفال في سوريّة عام 2009، كمال حاز المركز الأوَّل لجائزة اتحاد الكتّاب العرب العام 2010، وكذلك المركز الأوَّل بالنقد عن جائزة بيت الشعر الفراتي العام نفسه، ثم جائزة وزارة الثّقافة في الشعر وجائزة المركز الأوَّل للملتقى السوري لأدب الأطفال عام 2019، كذلك جائزة الأغنية الوطنيَّة عام 2021 المركز الخامس.
يُلازم "الجراد" بين خطه في الكتابة والتزامه الوظيفي كأحد أبرز مُدرسي اللغة العربيَّة حالياً في مدارس العاصمة "دمشق" الخاصة والعامة، ومن قبل في مدارس محافظته "دير الزور" قُبيل هجرته القسريّة إثر هجمة الإرهاب، وهو عضو اتحاد الكتّاب العرب (جمعيّة أدب الأطفال)، وشغل عضوية لجنة تقييم الأعمال الأدبيَّة الخاصَّة بمسابقة الشّاعر سُليمان العيسى والعديد من مجلات الأطفال العربيَّة، ولعلّ أكثر ما يُسعد "الجراد" هو أنّ منهاج الصف الأول لمرحلة التعليم الأساسي حلقة أولى ضمّ إحدى قصائده وهي بعنوان "جسمي".
شاعرُ الطفولةِ
"سراج جراد" ابن مدينة "دير الزور" من أبرز الأصوات المُبدعة والطالعة في وقتنا الحاضر والمبشّرة بعطاء وفير وخاصة على صعيد الكتابة في أدب الأطفال وأخصُّ هنا وعلى وجه التحديد القصة والشعر، يقول الروائي "محمد الحُفري" لـ"eSyria" : "أكثر من عمل صدر له في هذا المجال تشهد له بالرشاقة والمتعة التي تشدُّ الطفل إليها بعرى وثيقة كما أنّ لها أهدافاً تربوية نبيلة، وروايته الأخيرة الموجهة للأطفال والصادرة في دولة الإمارات العربية المتحدة هي خير دليل على كلامنا، كما هو معروف فالكتابة للطفل هي من أصعب أنواع الكتابة وإن بدت لبعضهم من بعيد سهلة وهينة، لكن الحقيقة أن سبر تلك الأغوار والغوص في عوالمها يستوجب قدرات خاصة كتلك التي يمتلكها "الجراد"، ولا أخفي أنني قرأت للكاتب المذكور منذ مدة قريبة مخطوطة روائية لا أريد ذكر اسمها الآن، تمكّن فيها من الإحاطة بالمكان والزمان والسيطرة على شخوصه وأحداث عمله، ولا أنكر مدى إعجابي وإكباري لعمله السردي الذي أتوسم أن يرى النور في القريب العاجل وأن يكون له شأن مهم في المستقبل، إن تجربة الكاتب توسعت وامتدت إلى البحث أيضاً حيث استطاع أن يجمع مع عددٍ من الكتاب أعمال الشاعر الكبير "محمد الفراتي" في كتابٍ صدر عن وزارة الثقافة - الهيئة العامة السورية للكتاب".
ويضيف: "نحن أمام كاتب منغمس في الإبداع ومهموم بقضايا الفكر والثقافة وبالتالي سيكون ذاك السراج الحقيقي الذي يشعُّ بنوره على دروب الإبداع وهو بعد أن امتطى مراكب الفرات السائرة إلى الشام لا بدّ سيصل إلى أمكنة أخرى أكثر سعة ورحابة نقول ذلك لأننا نرى أنه يمتلك ما يؤهله إلى ذلك".
الأديبُ الملتزم
فيما يلفت الأستاذ بجامعة الفرات الدكتور "قاسم القحطاني" إلى أنّ "الجراد" أديبٌ ملتزمٌ وباحثٌ جادٌّ، يمتاز إنتاجه بالغزارة والغنى والتنوّع : "هذا كله نتيجةٌ طبيعيّةٌ لمرحلة طويلة أمضاها في القراءة والبحث والاطّلاع، كوّن من خلالها شخصيّته الإبداعيّة وصقل لغته الأدبيّة وتملّك فيها أدواته البحثيّة، فقدّم للمكتبة العربيّة أعمالًا مهمّة في أدب الأطفال والتّراث والمقالة والرّواية والتّراجم والتّحقيق، ومن الإجحاف بحقّه أن نخصّ بالحديث أحدَ هذه الفنون دون غيره، إلّا أنّ النّفس تميل إلى إبراز ما أبدعه في ميداني أدب الأطفال والتّراث، فقد زيّنت أشعاره وقصصه صفحات مجلّات الأطفال في "سورية والعراق ولبنان"، واستطاع أن يصل إلى قلب الطّفل وعقله بلغته السّهلة وصوره الواضحة وإيقاعه العذب، أمّا في ميدان التّراث فقد سعى بجدّ إلى جمع تراث بيئته الفراتيّة والحفاظ عليه وتقديمه إلى القارئ نقيًّاً صافياً عذباً فاستحقّ بجدارة أن يُلقّب بحارس التّراث الفراتيّ".