لم تُسعف الأوضاع المادية "عامر العامر" ابن مدينة الميادين" المولود فيها عام 1967 في أن يلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحيّة بدمشق، كما حالت أيضاً دون دراسته للعلوم الطبيّة في إحدى الدول الاشتراكيّة فترة الحقبة السوفييتية"، قبل ذلك وفي الصف العاشر الثانوي كان له عشقٌ آخر عاد إليه وفيه أكمل، فكان الفنان الخطّاط ذا الحضور اللافت، فالتربوي الذي حجز مكاناً له على هذا الصعيد، تدريساً وتدريباً، رغم أنّ الأخير ما كان رغبته.
مع الخط حكاية
كنت أتشارك وزميلي في الصف العاشر مقعدنا، لفت انتباهي خطه الجميل، وكيفية إعداده للقلم ليخرج رائعاً بشكل جماليٍ مُلفت، يتحدث "عامر إسماعيل العامر" الخطّاط لمدونة وطن " eSyria " : "كان ذلك ما شدني لفن الخط العربي الذي عشقته حداً لا يُوصف، حقيقةً كانت رغبتي الأولى بعد نيلي الشهادة الثانوية العام 1986 هي دراسة المسرح وفنونه، كانت العين آنذاك نحو المعهد العالي للفنون المسرحيّة، غير أنّ ظروف والدي المادية حالت دون ذلك، وهو ذات الأمر الذي أعاق كذلك توجهي لدراسة العلوم الطبيّة في إحدى الدول الاشتراكيّة، التي كان المجال إليها مفتوحاً للدراسة في جامعاتها فترة الحقبة "السوفييتية"، فعُدت لخيار الدراسة في دار المعلمين".
ويضيف: "يعود الفضل الأول لتعليمي الخط العربي فترة دراستي الثانوية لمدرس مادة اللغة الإنكليزية ابن مدينتي الميادين "جميل بيرم" ، كان خطاطاً وشاعراً وعازفاً موسيقياً، ناهيك باهتماماته المسرحيّة، شاركت بأول معرض فني متكامل للخط والرسم والزخرفة في ثانوية الشهيد "عبد المنعم رياض"، فترة دراستي بدار المعلمين في "دير الزور"، تلقيت الدعم والتشجيع والتعليم لفن كتابة الخط العربي على يد مدرس مادة الجغرافيا الفنان الراحل "محمود الحسن"، الذي يّعد من كبار خطاطي المحافظة المعروفين، وكنت أشارك في كتابة لوحاته، كما كان للفنان التشكيلي الكبير "عبد الجبار ناصيف" دورٌ كبير في دعمي وتزويدي بعدة الكتابة من ريش وأقلام وألوان، عشقي لفن الخط العربي لازمني ولا يزال، ورغم فقدي الكثير من اللوحات نتيجة الظروف المأساوية التي مرت بها المحافظة، وما تلاها من تهجير ، غير أنّ ذلك ما كان ليوقفني عما أحب، بل زاد في إصراري على مواجهة ذاك الظلام بمسحات من جماليات هذا الفن".
200 لوحة
تجاوزت أعداد اللوحات التي صاغها الخطاط "العامر" 200 لوحة، توزعت على مختلف أشكال الخط العربي، ونال عدة جوائز محليّة وعربية ودولية ومنها : جائزة تقديرية عن الإعداد والتنظيم لمسابقة الخط العربي في العاصمة السعودية "الرياض" في العام 2001، ثم حاز على جائزة "البردة" وتُنظمها دولة "الإمارات العربية المتحدة" العام 2005، والجائزة التقديرية لمسابقة الخط العربي التي أقامتها منظمة المؤتمر الإسلامي في العاصمة التركية "اسطنبول"، هذا عدا عن الجوائز المحليّة في محافظته "دير الزور" في معارض وفعاليات كانت تُقيمها مديريات الثقافة والتربية، وأيضاً نقابة المعلمين.
يُضيف "العامر" : "كذلك كانت لي مشاركات بأعمال مسرحيّة فترة المدرسة بدعم ورعاية من شقيقي الإعلامي والشاعر "خلف العامر"، فشاركت إلى جانبه بثلاثة أعمال ضمن مهرجانات الشبيبة، وعملين من قبلْ فترة دراستي الإعدادية، إضافةً لعمل واحد لصالح فرع الاتحاد النسائي وقتها ، تلك الأعمال كانت الدافع لرغبتي بدراسة هذا الفن أكاديمياً في المعهد العالي للفنون المسرحيّة، غير أنّ الظروف شاءت غير ذلك".
التربوي .. تدريساً وتدريباً
يشغل "عامر إسماعيل العامر" إدارة معهد إعداد المدرسين، ويُسمى في زمن دراسته بمعهد إعداد المعلمين، هنا كان للفنان الخطاط مسارٌ آخر شغله ما بين التدريس ومن ثم التدريب ضمن هذا المضمار التربوي، فيقول : "عملتُ بعد تخرجي من المعهد في السلك التعليمي بمدارس المحافظة كمعلم صف، وفي السنوات الأخيرة نلت الإجازة في كلية التربية، عام 1997 ، انتقلت للعمل في "المملكة العربية السعودية"، وكوني لستُ جامعياً حينها والطلب التدريسي هناك مرغوب فقط للجامعيين، أذكر حينها أنني خضعت لاختبار قبول يُحدد مدى صلاحيتي للتدريس، وذلك من قبل لجنة في التوجيه الاختصاصي بمديرية تربية العاصمة "الرياض"، نلت آنذاك درجة 92%، وبدأت مسيرة أخرى خارج بلدي وصرت مُدرساً لمادة الخط العربي، وأذكر أيضاً أنّي عرضت على تلك اللجنة كتابة آية قرآنية باستخدام 12 نوعاً من أنواع الخط، لتزداد مهامي أكثر بتوليتي ما يُعرف عندنا بالأنشطة اللاصفية ونلت العديد من شهادات التكريم بهذا المجال، أيضاً نبهت في دراسة تُطلب مع نهاية كل عام دراسي في المدارس "السعودية" إلى موضوع الكتاب المدرسي الذي يُصاغ وفق الخط النُسخي، فيما يتعلم الطالب الكتابة بالرقعي، تلك الدراسة نالت استحسان وزارة المعارف وجرى العمل وفقها".
وكان "العامر" مع عمله التعليمي في"السعودية" قد أقام عدة معارض شخصيّة وعامة للوحاته بالخط العربي، ومنها ما كان بدعوة من السفير السوري حينها "أحمد نظام الدين" إلى جانب فنانين كبار من محافظته والعالم العربي، ومع عودته إلى بلده إثر مرض أدى لاستئصاله إحدى كليتيه تابع دوره التدريسي، فرغم تسلمه إدارة المعهد، آثر أن يُدرس أيضاً مادة الخط فيه، كما اختير مع 23 مُدرساً كمدرب مركزي للمناهج المُطورة من قبل وزارة التربية، ليعمل على صقل وتدريب الكوادر التعليميّة في مديرية التربية، ناهيك بإعداد مُدربين، واتباع دورات عدة لمهارات التعليم، إلى البرمجة اللغوية العصبية وغيرها مما سجل فيها حضوراً مُلفتاً كقامة تربوية لها دورها ووزنها الفاعل.
بصمات لا تُمحى
لا يُمكن أن تتحدث عن قامات فن الخط في "دير الزور" دون أن تذكر الفنان والتربوي "عامر إسماعيل العامر"، حسب حديث الفنان "خليل عبد اللطيف" : "لم يُخلد "العامر" فنيته في الخط فقط عبر المعارض، أنت تجده في شوارع وحواري الدير كلها، بالإعلانات والجداريات التي تحكي قصة إبداع جمالي لا مُتناهْ، عاش ضمن عائلة تعشق الفن والأدب وتمارسه ببراعة وإتقان، تجربته لها أثرها الفني البديع في مدينتنا، مارس الخط وأبدع في جميع أنماط الخطوط العربية وتميز بالخط الفارسي، ما يُميز الخطاط "العامر" هو القدرة على التصميم والابتكار وتوظيف الحرف لخدمة الفكرةْ ونلاحظ ذلك من خلال أعماله الرائعة المتقنة بتصميم الإعلانات أو الجداريات للمنظمات أو الدوائر الحكومية، وحتى للفعاليات الخاصة، فالخط لديه يخضع لقياسات منطقية وجمالية، وهو يُسيطر بحرفيّة على أدواته الفنيّة، هو فنان وخطاط قدير يتميز بالحيوية والنشاط والخيال المبدع الذي يُصاحبه إيقاعٌ فريد يلفت عُشاق هذا الفن".
من جانبه الفنان "غسان رمضان" وصف الخطاط "العامر" بالطاقة الفنيّة الفريدة : "هو من أسرة فنيّة عاشقة للفنون المسرحيّة والتشكيليّة، تكون لديه مخزون معرفي وثقافي وفني، فبدأت شخصيته الفنيّة تنمو وكون لنفسه تجربة وموهبة تتمتع بشخصية منفردة، أحبَ الفنون المسرحية حيث تقدم الى الامتحان في معهد الفنون المسرحيّة ونجح ولكن ظروف حياته الأسريّة منعته من الاستمرار، عاد إلى مدينة "دير الزور" ودخل أهلية التعليم وبدأ حياته في مجال الخط العربي، حبه للفنون المسرحيّة وموهبته الفطرية في الفنون التشكيليّة ولد لديه صراع وإرهاصات نتج عنها لوحات ذات خطوط قوية ومتانة في التكوين والتوزيع المدروس، شارك في معارض عديدة وامتازت لوحاته في الخط العربي بقيم جماليّة أبدع بتوظيفها وبذهابه الى "السعودية" بقصد العمل في المدارس الخاصة ولقائه بالفنانين السوريين والعرب ومشاركته بمعارضهم الجماعيّة أعطته قوة في التجربة والانفتاح لآفاق عميقة، لا نرى فراغات بل روحانية وعفوية جسدها باقتدار ليكون أحد أهم مُبدعي هذا الفن".
يُضاف لكل هذا التميز بالفن والعمل التربوي أنّ “ العامر “ شاعرٌ مُجيد للشعر الشعبي، في “الأبوذيات“ منه، إلى جانب “النبطي“ يحتفظ به لنفسه أو ينشره على صفحاته الشخصيّة بوسائل التواصل، ناهيك بكتابته الشعر العمودي، تقرأه هنا أو تسمعه منه في جلسة سمر.