يشهدُ المشهد الثقافي عودة مكتبة المركز الثقافي في مدينة "دير الزور" للحياة من جديد، بعدما تعرضت للنهب والتخريب على أيدي الإرهاب، ما أدى لفقدان كتبها بعناوينها المختلفة، وخلال عام فقط ضُخت مختلف عناوين الكتب لتُزيّن رفوفها وتكون مقصد هواة القراءة، ناهيك بتشكيلها مرجعاً للطلبة في حلقات بحثهم ومنهم طلبة جامعة الفرات.
عودةٌ كانت بما بقي من عناوين كُتبيّة انتشلت من بين أنقاض مبنى المركز الثقافي القديم المُدمر الذي يتوسط المدينة، إضافة لقيام عدة شخصيات بالتبرع من مكتباتهم الخاصة بمجموعات من العناوين أغنتها.
عودة حميدة
ليس بالأمر العادي أن تدبّ الحياة من جديد في مرفق عام شكّل ذاكرة أبناء محافظة بأكملها، في ظل ظروف قد يكون امتلاك الكتاب والقراءة آخر الهموم، فالمكتبة المذكورة كانت مقصد عُشاق المطالعة، كما هي بالنسبة للطلبة والمهتمين، حسب حديث مدير الثقافة بـ"دير الزور" "أحمد العلي" لـ"eSyria": "كانت مكتبة المركز الثقافي من المكاتب الضخمة وتضم آلاف العناوين في مختلف أنواع المعرفة وصنوفها، الثقافيّة والعلميّة، الآداب والفنون، مروراً بالتوثيقية والتاريخيّة، بل ضمت أمهات الكُتب، عدا عن احتضانها للمهرجانات المعنيّة بالكلمة والثقافة، ضمّت المكتبة -قُبيل الأحداث وسيطرة الإرهاب على المحافظة- قرابة 50 ألف عنوان، احتضنها مبنى المركز الذي تعرض للاستهداف المباشر بعد تفجير مفخخة بقربه، وطال التخريب حينها تمثال شاعر المحافظة الراحل "محمد الفراتي" والذي كان يتوضع في ساحته، حالياً افتُتحت في المقر المؤقت لمديرية الثقافة الكائن في ساحة السيد الرئيس بعد تأهيلها وتجهيزها من قبل مكتب الـundp، وهي تحتضن أيضاً قاعة للمطالعة، وتقوم أيضاً بدور تدريبي للأطفال في مجال الخط العربي خلال أيام مُحددة في الأسبوع، وتضم حالياً 1473 عنواناً، كما جاءت مساهمات من وجوه المجتمع في المحافظة، لتزيد من أعداد الكتب، وهي عبارة عن تبرعات من مكتباتهم الخاصة، إضافةً لمبادرات شبابيّة آلت على نفسها التبرع بما تستطيع من كتب، وهي مبادرات رائدة للجيل الشباب على هذا الصعيد".
أمين المكتبة "أحمد الأشرم" يشرح كيف عملت مديرية الثقافة على رفد مكتبة مركزها الثقافي بما تستطيع في ظل قلة الإمكانيات الماليّة المُعتمدة، وهي إذ تعمل على ذلك بطرقها الرسميّة فقد فتحت باباً لمن يود التبرع كذلك".
ويضيف: "عملنا منذ إعادة تنشيط المكتبة على فهرسة العناوين بشكل واضح، بما يُسهل على القارئ أو الباحث عملية الوصول للكتاب المطلوب، سواء أكان ذلك أبجدياً أم وفق التسميات لصنوف الكتب، لا نزال في بدايات مُراكمة العمل حتى الوصول لمكتبة تليق بالمشهد الثقافي للمحافظة.
تبرعات شخصيّة
كان اللافت في مسار عودة مكتبة المركز الثقافي دخول المساهمات المجتمعيّة على خطه، إذ سُجّلَت تبرعات لعدة شخصيات بينهم شباب لتزويدها بأنواع الكتب.
الدكتورة "انتصار مشهور" إحدى سيدات "دير الزور" ممن يهتممن بالقراءة والمطالعة، آثرت أن تُساهم في ذلك، فما إن سمعت بإعادة افتتاحها حتى حملت إليها كامل مكتبتها الخاصة، ومنها ما تحتفظ به إرثاً عن والدها، كما أوضح مدير المركز الثقافي "أحمد اليسّاوي" لـ"eSyria" : "جاءت مساهمة الدكتورة "مشهور" بقرابة 550 عنواناً من مختلف أنواع الكتب، وهي تُشكّل مكتبتها الخاصة، وتضم كُتباً أدبية وسياسية وتوثيقية، وبحوثاً متنوعة لكبار المؤلفين في العالم، وهي مُصنفة إلى قسم للسيرة الذاتيّة، والقصص والروايات، والكتب التخصصية ومؤلفاتها الجامعيّة كونها تحملُ شهادة الدكتوراه بالجغرافيا السياسيّة، ناهيك بالعديد من المجموعات الإحصائية".
ويشير الشاب "أحمد ناصيف" إلى أن فكرة المساهمة بهذا العمل طرحها على الشباب الناشطين في المنظمات الدوليّة بالمحافظة: "جميل أن يكون لنا كشباب حضور في مثل هذه الخطوة أو أيّ خطوة لها منعكسات إيجابيّة على مجتمعنا، هنا قمت وصديقيّ "فراس الصفدي" من محافظة "السويداء" و"سمر البقاعي" من محافظة حمص بجمع ألف كتاب زودنا بها المكتبة ضمن حملة لهذا الغرض، ونحن نعمل على المزيد من الخطوات بهذا الصدد، لنؤدي دورنا على جميع الأصعدة التي تُسهم بتنامي عودة دير الزور لحياتها الطبيعيّة، إن كان ذلك على الصعيد الثقافي أم الإنساني بشكلٍ عام".
دور مجتمعي
وتلفت الأديبة "نجلاء النايف" إلى أنّ هذه المبادرات تُعزز من الدور المجتمعي في تجاوز مُخلفات الحرب وتبعاتها: "مساهمتي متواضعة مقارنةً بالآخرين، سأقوم بتزويد المكتبة بـ30 كتاباً علّي أكون قد أديت جزءاً من واجبي تجاه محافظتي، وأدعو كل المعنيين بالشأن الثقافي للمساهمة، ولا سيّما أنّ هنالك الكثير من الراغبين بذلك، توافر الكتب في المكتبة العامة يوفر الكثير من متطلبات طلبة الجامعات في مسيرتهم التعليميّة، إضافةً لما ستمنحه للباحثين والكُتّاب من مراجع تهمهم، سواء أكان ذلك في البحث التاريخي، العلمي، الاقتصادي، أم التوثيقي وغيرها".
يأمل القائمون على نشاطات مديرية الثقافة توسيع مخزون مكتبة المركز للعودة لدورها الرائد الذي عاشته قُبيل الأحداث، ومعه العودة للمبنى القديم الذي تضرر بفعل الإرهاب.