يحفظ "نبي عبدو حسكي" ابن مدينة "عفرين"، تفاصيل كل المحافظات "السوريّة"، وهو الذي تجوّل وتنقل فيها ممارساً مهنة "جبر الكسور" لأكثر من 40 عاماً، تلك المهنة التي تعلمها من والده وجده، لتصبح الأسرة الأشهر فيها، وبالرغم من اغترابه في "أربيل" لا يزال مواصلاً مهنته خارج حدود البلاد ملازماً لها، يتواصل مع السوريين في مكان إقامته الحالية، يساعدهم ويجبر كسورهم المختلفة، يجد نفسه شاباً في العشرينيات وهو يخدم أهله وناسه.
مهنة إنسانية
بدأ "حسكي" العمل في مهنة "تجبير الكسور" منذ سنين طويلة، أحبها والتزم معها بكل صدق وأمانة، فهي ورثة الآباء والأجداد حسب قوله، ويضيف في حديثه لمدوّنة وطن "eSyria": «أخذ والدي المهنة من جدي "حسين" وأنا أخذتها وتعلمتها من والدي، بعد أن رافقته طفلاً، تعلمتُ كل تفاصيل مهنة "مجبر الكسور"، نحن كأسرة مشهورون فيها على مستوى القطر، بدءاً من مسيرة جدي مروراً بوالدي وصولاً لي، نعيش مع المهنة منذ 135 سنة، والتي انطلقنا بها من تجبير كسر أرجل الأنعام، ولأن المنطقة كانت تفتقد للنقاط الطبية آنذاك اتجهنا للمهنة، وأخذنا سمعة طيبة وخبرة كبيرة».
باب منزله في قريته لم يغلق نهائياً، فالكل كان يشير إلى هذه النقطة، وزوّاره يتوافدون في كل الأوقات، ولم يردّ أيّاً منهم، كان يلبي الدعوة مهما كان الوقت، طبعاً لا يهتم بهوية الزائر، فرسالته إنسانية بامتياز وخبرته كبيرة في مجال تخصصه
بعد وفاة والده اشتهر متفرداً على مستوى منطقته، استمر على نهجه ومبادئه، مفضلاً الجانب الإنساني والاجتماعي على الأمور الماديّة، ونال صيتاً واسعاً لمواقفه الكثيرة، والإشادات التي تلقاها من مختلف المحافظات والمناطق.
كانت تمضي أيام وليالٍ بعيداً عن بيته، نتيجة تجواله بين المحافظات لتلبية دعوات الأهالي وتجبير كسورهم المختلفة، يقول عن ذلك: «أحياناً أكون في مدينة "دير الزور" ومرات في "الحسكة" ومنها إلى مختلف بلداتها ومناطقها، أصل عبرها إلى مدن "السويداء ودرعا" وغيرها الكثير، وعندما أعود إلى منزلي أجد الكثيرين بانتظاري، لم أتخلَ عن قيم وأهداف والدي، وأكثر حرصي كان على مساعدة الفقراء والمحتاجين، أتذكر أنه في عام 2006 اتّجهت إلى مدينة "الرقة" لمعالجة فتاة كانت مخطوبة، ونتيجة حادثتها كانت على وشك فسخ الخطبة، والحمد لله تيسرت أمورها، حتى أن الصبية بعد زواجها من خطيبها وإنجاب المولود الأول، سمّته باسمي، متصلة معي لتخبرني بذلك».
في كل الأوقات
قبل 4 سنوات انتقل "حسكي" للإقامة بمدينة "أربيل" في "العراق"، وهناك وجد الكثير من "السوريين" أغلبهم يعرفونه وقد سمعوا بشهرته وصيته بتجبير الكسور، فقدم لهم العون والمساعدة، يقول عن ذلك: «منذ اليوم الأول عند وصولي إلى "أربيل" أمارس مهنتي، ليس لدي وقت للراحة هنا أيضاً، هناك إقبال كثير من السوريين عليّ، أقدر حالهم، وأبحث عن مساعدتهم ضمن مهنتي، وهي بشكل يومي، وأكثر من ذلك تصلني اتصالات كثيرة وشبه يومية من مغتربين في دول أوروبية مختلفة يستشيرونني فيها، وأقدم لهم بدقة متناهية كيفية التعامل مع أي كسر».
ينتمي "نبي" إلى أسرة جلّها من مجبري الكسور، فأخوته الأربعة أيضاً مجبرين، وابنه في "حلب" حالياً يمارس المهنة، وابن شقيقه يعمل في ذات المهنة، وهم يأخذون الرشد والنصيحة منه.
يشيد "سردار محمد علي" من أهالي بلدة "الدرباسية" في "الحسكة"، بالخبرة الكبيرة والقيمة الإنسانية عند المجبر "نبي حسكي"، ويضيف: «باب منزله في قريته لم يغلق نهائياً، فالكل كان يشير إلى هذه النقطة، وزوّاره يتوافدون في كل الأوقات، ولم يردّ أيّاً منهم، كان يلبي الدعوة مهما كان الوقت، طبعاً لا يهتم بهوية الزائر، فرسالته إنسانية بامتياز وخبرته كبيرة في مجال تخصصه».
"نبي عبدو" من مواليد 1960 قرية "مسكي" التابعة لناحية "جنديرس" بمدينة "عفرين"، وقد أجري اللقاء معه بتاريخ 3 آذار 2022.