عشق الفنان "علي الأحمد" الطبيعة البكر في قريته النائية بكل تفاصيلها، لتحفظ ذاكرته تفاصيل منازلها الحجرية، وأزقتها الضيّقة، فتظهر في لوحاته ناطقة بالحياة، مع كلمات شعرية وإحساس لا ينضب.
بداياته
ولد الفنان "علي الأحمد" في منطقة "مصياف سيغاتا" عام 1958، في بيئة متواضعة، ليكون داعمه الأول والده الذي زوده بالألوان في قرية ليس فيها مهتمٌ بالرسم، أو حتى مدرّس لهذه المادة في مدارسها، لتكون لوحته الأولى "بورتريه" لراعي القرية، تلك اللوحة التي نالت إعجاب كل من حوله، بمحاولة لإثبات الذات، أدواته هي قلم الرصاص والفحم والأزرق الناشف، والتي من خلالها حاول إظهار معالم الطبيعة في قريته ومنازلها، فجسدها في لوحاته، خصوصاً المنازل الطينية، وفرن التنور وأمامه امرأة بيدها خبز تعمل على إنضاجه، لتكون لوحة ناطقة بالحياة.
بعد حصولي على الثانوية العامة، كان لزاماً عليَّ الانتقال للمجال الأكاديمي، فانتسبت لكلية الفنون الجميلة، ولكن ضيق ذات الحال دفعني لدراسة معهد إعداد المدرسين في "دمشق"، كونه أقصر الطرق لكسب الرزق، فكانت هذه المرحلة زاخرة في حياتي، تحمل شغفي وتعطشي لأي معلومة فنية، بوجود مدرسين من عمالقة الفن التشكيلي في "سورية"، منهم "ناظم الجعفري"، "ميلاد الشايب"، و"ممدوح قشلان"..
يروي الرسام الشاعر "علي الأحمد" لمدوّنة وطن أبرز المحطات في حياته: «بعد حصولي على الثانوية العامة، كان لزاماً عليَّ الانتقال للمجال الأكاديمي، فانتسبت لكلية الفنون الجميلة، ولكن ضيق ذات الحال دفعني لدراسة معهد إعداد المدرسين في "دمشق"، كونه أقصر الطرق لكسب الرزق، فكانت هذه المرحلة زاخرة في حياتي، تحمل شغفي وتعطشي لأي معلومة فنية، بوجود مدرسين من عمالقة الفن التشكيلي في "سورية"، منهم "ناظم الجعفري"، "ميلاد الشايب"، و"ممدوح قشلان"..».
وعن تأثره بالمدارس الفنية يقول: «أنا لست بناقد، وأرى كل عمل فني هو مدرسة فنية بحد ذاته، أما الموارد الفنية العالمية فتأثرتُ بالفنان "أميديو موديلياني" أحياناً من حيث شكل الشخص وتفاصيله، حيث كان يتحرر من القيود الأكاديمية للوجه وتناسق الجسد، فيستهجنها المهتم العادي بعكس الاختصاصين الذين يدركون أبعادها الفنية.. كما تأثرت بالفنان التشكيلي "فاتح المدرس"، حيث كنت أرتاد مرسمه، وترك بصمة مميزة في حياتي، وعندما قررت اعتزال الرسم، كانت كلاماته لي بمنزلة وصية ما زلت أعمل بموجبها، حيث كتبها على ورقة وأعطاها لي "أرجو أن تكمل المشوار"، استفدت من العمق اللوني في لوحاته برغم بساطتها، ومن الشخصيات التي تأثرت بها أيضاً الأديب "أدونيس"».
معارض وأعمال
يضيف الأحمد: «كان أول معارضي عبارة عن معرض فردي للرسم التشكيلي والكاريكاتير في المركز الثقافي العربي في "مصياف" عام 1985، ثم عملتُ في المسرح المدرسيّ، وأقمتُ عدداً منَ المعارض الفرديّة في المراكز الثّقافيّة في المحافظات، وفي عام 1992 أقمت معرضاً في "مصياف"و"سلمية"، وقد لقي صدى جميلاً، وشاركتٌ في عددٍ من المعارض الجماعيَّة والمهرجانات، وأنا مشارك بشكل سنوي في مهرجان "المحبة" في "اللّاذقية"، ومهرجان "الرّبيع" في "حماة"، ومعرض "6 تشرين" برغم صعوبة الأمر والتكلفة المادية، ومشارك بأغلب نشاطات اتِّحاد الفنّانين التَّشكيليِّين في "سورية"، من أهم أعمالي لوحة بعنوان "الكرب بلاء"، وهي تسمية أطلقها عليها الشاعر "خضر العكاري" خلال عرضي في سلمية عام 1992م».
الموسيقا والشعر
وعن علاقته بالشعر والموسيقا يقول: «أنا مهتم بالموسيقا وبالخطِّ العربي وفنونه وخصوصاً "الفارسي"، ولي العديد من اللوحات غير الموثقة، وأجنح لرسم الكاريكاتير، كنت في البداية مواظباً على رسمه، لما له من وقع اجتماعي في سرعة إيصال الفكرة، أما بالنسبة للشعر فأنا من متذوقي اللغة العربية، حيث حفظت الكثير من آيات الذكر الحكيم، ونهج البلاغة لما له من دور في تقويم اللسان والنطق، وتقوية بلاغة الشخص، وخضت تجربة الشعر لما لها من صلة وثيقة مع الرسم».
من شعره:
في مَكَانٍ مَا ، في زَمَانٍ مَا يَقُولُ :
عَلَى شَفَةِ الْبَوْحِ
حَرفٌ سَـرَابٌ
وَفِي مُـقلَتَيهِ
صَهِيْلُ دُمُوعٍ ؛
يُشَرِّدُهَا النَّائِحُونَ
عَلَى قَارِعَاتِ الذُّهُولْ ...!
يُسَاوِرُهُ الهَجْرُ
فَيَمْضِي ؛
كَأَنَّهُ يَنْزَحُ
مِنْ مُقلَتَيْهِ صُبَابَ الْهُطُولِ
وَسِرًّا ،
وَنِوْحًا خَجُولْ ....
بدوره تحدث عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الفنانين التشكيليين في "سورية" الفنان "يونس ناصيف" عن "الأحمد": «أنا من المهتمين بتجربة "الأحمد" الفنية، وأتابع مسيرته التي تميز بها، فهي ذات بعدّ فلسفي، ولها جمهورها الخاص، ورسوماته ذات دلالات ومعاني عميقة ومراميها سامية، تحمل روحاً إنسانية وتنم عن معاناة ورسالة إنسانية بكل ما تعنيه الكلمة، ويتبنى من خلال رسومه هموم طبقة معذبة في مجتمعنا وتأريخ كفاحها الطويل وآلامها من خلال فنه، إضافة لمساحات الجمال لكي يبدد ولو قسماً بسيطاً من السوداوية، و"الأحمد" إنسان ملتزم بفنه وفكره وثقافته وشعره الجميل، ووظف لهذا الالتزام خامة فريدة من نوعها، وهي القلم الناشف، ليتفرد بالحالة، وأعطى أشكالاً وهياكلَ وإيقاعاتٍ ذات ملمس واقعي بينما هي سريالية بحتة، زاوج بين السريالية والواقعية ليصيب قلب الهدف، الذي هو هم الناس المكافحين المظلومين، هكذا أقرأ فن "الأحمد"، إضافة إلى الجمال الذي أراه في روحه وفنه باستخدامه للخامات الفريدة».