ما من مهرجان أو فعاليّة فنيّة تُعنى بالفنون الشعبيّة أو المسرح، إلا وكانت لـ"صادق فياض" لمسة فيها، تبدأ بتصميم الرقصات أو مُتعلقاتها في المسرح، ولا تنتهي بالتنظيم "اللوجيستي" لأي مهرجان كرنفالي يُقام، سواء على مستوى المشاركات في محافظته "دير الزور"، أو للفرق الخارجة منها، ورغم أنه قارب الستين من العمر، غير أن روحه لا تزال كروح راقصٍ صغير، يُتابع شغفه بهذا العالم دون كلل وبهمة عاليّة تُجيد صناعة الفرح،
"دينمو" الفنون
لن تملَ وأنت تتجاذب أطراف الحديث مع الفنان "محمد صادق فياض"، الذي لا يُعرف في وسطه سوى بالاسمين الأخيرين "صادق فياض"، له في الموسيقا باع بألحانها ومقامات الغناء وألوانه وطبقات الصوت، وفي فنون الرقص بأشكالها، هو دقيق الملاحظة في كل شيء على هذا الصعيد، بل ويُثقفك بالجديد فيه دوماً.
بدأ "صادق فياض" مع الفنون الشعبية صغيراً، تفصله عن بلوغه الستين عاماً سنتان، لكن ليس في قاموسه سكونٌ عن العمل، يتحدث للمدونة قائلاً : "كانت بدايتي بعمر الـ11 عاماً، ففي العام 1975 أديت حسبما أذكر لوحة راقصة في معسكر طلائع البعث، وذلك على أنغام أغنية للراحلة "صباح"، لأتوقف عن ذلك حتى العام 1978، انتقلت لعالم المسرح، إلى جانب خيرة فنانيه (نواف حديدي، مروان جبل، فوزي سعود، أحمد توفيق الشاكر، زهير فتيح، أحمد الحسين، مهيدي عبدالقادر.... وآخرين)، حيث احتضنت خشبة المركز الثقافي أعمالاً مسرحيّة عدة قدمتها مع هؤلاء الكبار، لاحقاً وفي العام 1981 جرى اختياري من قبل الفنان "إبراهيم العكيلي" للمشاركة كراقص في فرقة "دير الزور" للفنون الشعبيّة، وذلك في المسرحيّة الغنائية "بير زعنون" التي عُرضت في التلفزيون السوري وعددٍ من التلفزيونات العربيَّة، ضمت الفرقة حينها كلاً مِنْ "د.عبد السلام دهموش، عزام غديّر، سفيان أمين، رياض علوش، نبيل فريد، حمزة العرفي... وآخرين"، وشاركنا حينها في مهرجان الشبيبة الخامس بـ"دمشق"، وحصلنا حينها على درع التميز في اللوحة الشعبيّة عام 1983".
موعد مع التدريب
جاء موعد "فياض" مع التدريب، حيث أُسندت له مهمة تدريب فرقة الفنون الشعبية، بعد أن قام بتشكيلها من جديد لتضم نخبة من شباب وصبايا "دير الزور": "بعد تشكيلنا الفرقة شاركنا بالمهرجان الشبيبي المُقام في حلب عام 1983، ونلنا المركز الأول في الرقص الشعبي، لتتلوها مشاركاتنا بجميع مهرجانات القطر للمسرح المدرسي الشبيبي، ودوماً نتائجنا في المراكز الثلاثة الأولى، هذه النجاحات أهلت فرقتنا لمشاركات عربيّة ودولية، فكان ذلك في "اليمن"، ومن ثم في "بولونيا"، وكنت دوماً أعمل كمُصمم ومدرب للفنون الشعبيّة ولوحات الغناء الاستعراضي للمسرح الراقص، ثم عملتُ مُخرجاً للمسرح الجوال (صغار كبار) بعد تشكيل فرقته في العام 1996 وضمت مجموعة من شباب المسرح المُميزين، ومنهم : "ضرام سفّان، أحمد جنيد، محمد الفراتي، راكانسباهي، سامر خليف، محمد شاهين، أحمد قصيف"، وضمت العازفين: "محمد درويش، ماهر اسماعيل، محمود كواكة"، وقدمت الفرقة عروضها في جميع مدارس المحافظة طيلة 20 عاماً، إضافةً لمدارس محافظة الحسكة".
رصيد فني
في رصيد "صادق فياض" الكثير من الأعمال على صعيد التصاميم الفنيّة، ومنها تصميم فقرات حفل افتتاح وختام المهرجانات الرياضيّة، مثل دورة الوفاء في "دير الزور والحسكة"، كذلك الحفل السنوي الذي تحتضنه "دير الزور" لمسابقات ملكات الجمال، ومسابقات عروض الأزياء، ومُصمم لحفل أول عرس جماعي يُقام بالمحافظة، وكُلفَ بعضوية لجان مشاهدة العروض الفنيّة في المحافظات السّورية من قبل منظمة طلائع البعث ووزارة التربية، كذلك عضوية لجنة تحكيم الفنون الشعبيّة والرقص التعبيري، ومسابقات ملكات الجمال وعروض الأزياء، كما عمل مؤخراً كممثل دوبلاج في استوديوهات "إذاعة دمشق"، ويُعد أحد القلائل ممن برعوا في تصنيع الدمى والعرائس، وعملَ في مسرح الظل، وجرى تكريمه بعدة جوائز وشهادات تقدير على مستوى القطر مركزياً، ويبقى تكريمه على مستوى المحافظة رهن قوله (الله كريم).
لمساته لا تغيب
الحديث عن الفنان الفراتي "صادق فياض" يأخذ أكثر من منحى، تتجلى فيه روح الأصالة الفراتية فيأخذها برؤيته إلى عالمه الخاص، يتماهى معها بإحساسه وإدراكه الذي يوظفه على خشبة المسرح يقول لـ"eSyria " الأديب "خالد جمعة": "يبث في فرقته الحبّ قبل أن يكون مجرد مدرب، واستطاع أن يبهر الجميع بعروضه، ودائماً ما يكون الورقة الرابحة التي تحظى بها "دير الزور"، هو الفنان الذي يقرأ خشبة المسرح بشكل صحيح ويعرف كيف يجذب المتلقي، لذلك يعمل في هذا المجال مضيفاً له طابع التجديد، وهو العاشق للتراث الفراتي وما زلت أراه يجمع أصداف الفن الفراتي من شطآن أنغام (العايل والمولية واللالا) ليرسمها لوحة راقصة متجددة برؤيته على خشبات المسرح، ولعل الملفت فيه تنوع أدواره ممثلاً فراقصاً، ومصمماً لمستلزمات هذه الفنون في أي عرض، تجد لمساته حاضرة في أية فعاليّة تُجسد تراثاً فراتياً، ناهيك بأنّه مُهتمٌ بالتوثيق لهذا التراث والتعريف به بمحاضرات يُلقيها أو ندوات يُشارك بها في الوسط الثقافي ومراكزه".
الفنان "محمود جمعة" رئيس قسم الفنون الشعبيّة بدائرة المسرح المدرسي في تربية "ريف دمشق" وابن محافظة "دير الزور"، يُصنف "فياض" كأحد أبرز وجوه العمل الفني بالمحافظة: "ما زلت أذكر ما قاله أحد المشرفين الكبار على مهرجان "بصرى الشام" في إحدى دوراته التي شاركنا بها، حيث وصفه بالذاكرة الحيّة لإنسان الفرات، بعاداته، تقاليده، وفيه أشم أشجار الغرب والحور والصفصاف الفراتي، وانسيابية النهر، نحن تعلمنا منه الكثير، وبحق أعطى للفن الشعبي الكثير بمختلف صنوفه، وهو حتى الآن لا يمل من التعلم ومواكبة جديد هذا الفن وتحديثه، سواء على مستوى الأغاني أو الرقص أو الموسيقا المُصاحبة له، خبرته لا تزال تمد عاشقي الفنون الشعبيّة بالشغف، ويُعد ممثلاً مسرحياً فريداً إلى جانب كونه المُدرب الوحيد للرقص الشعبي والتعبيري والرقص الحديث، مع رقصة السماح والمولوية، وأنهى الفنان "فياض" تجهيز فرقته للفنون الشعبيّة، التي غابت لسنوات نتيجة الأحداث التي مرت بها "دير الزور"، وتضم شباباً وصغاراً من الذكور والإناث الذين يتلقون أنواع التدريبات بإشرافه، والفرقة التي أخذت اسم فرقة "الفرات للفنون الشعبيّة "تلقت مؤخراً دعوة للمشاركة في مهرجان دولي تحتضنه دولة "الجزائر".