الملخص:
قد يكون من الصعب أن تقنع الطفل بفكرة معينة، أو أن تزرع بداخله القيم والسلوكيات الإيجابية، ولكن دمية صغيرة قماشية أو ورقية قد تكون قادرة على أن تجعل تفكير الطفل ينقلب رأساً على عقب، من هنا كان ولا يزال لمسرح العرائس دور كبير في تنمية عقل الطفل وتنشئته على القيم والأفكار الإيجابية.
التنقيب في البلاد اليونانية والإيطالية أدى إلى اكتشاف دمى صغيرة مصنوعة من صلصال محروق في الشمس، ولها مفاصل تتحرك بواسطتها، أما رؤوسها فقد ربطت بأناشيط لتعلق منها، ولم تكن تلك العرائس أكثر من دمى يلعب بها الأطفال
المسيرة التّاريخية
ثمة روايات تاريخية تذكر أن أول مسرح دمى عرفته البشرية، يمتد إلى العصور الفرعونية في مصر القديمة، حيث إن الدمى الفرعونية المحفوظة في متحف اللوفر في باريس، فيها الكثير من التصاميم والمفاصل والحركة، كما تم اكتشاف ألعاب مصرية قديمة على هيئة عرائس، دلت على حضورها كألعاب للأطفال المصريين القدماء، على أشكال الحيوانات والبشر.
وقيل إن مسرح الدمى ارتبط بحضارة الرافدين منذ آلاف السنين، فالباحث "فاضل خليل" يقول: «إن الدمى عُرفت في العراق منذ ما يقرب من ثمانية آلاف سنة، فالإنسان ومنذ القدم اتخذ من خياله عالماً واسعاً، أدرك من خلاله العلاقة الوثيقة التي تربطه بالدمية، ويستدل على ذلك بالدمى الطينية الأثرية، التي تمثل بعض الحيوانات وكذلك تمثال "الإلهة الأم".
وسواء خرجت الدمى من مصر القديمة أو حضارة العراق القديمة، إلا أنها انتقلت إلى أرجاء مختلفة من العالم، عبر السفر والتجارة والحروب وموجات الهجرة البشرية، لذلك وصلت الدمى إلى الفينيقيين والآشوريين وامتد انتشارها إلى الحضارة اليونانية في مرحلة سابقة لتأسيس المسرح الدرامي المعروف، وزحفت باتجاه شرق آسيا، فعرفتها حضارة الهند القديمة وكان لها حضور قوي لدى اليابانيين القدماء وعرفتها الدولة العربية الإسلامية».
ويقول الباحث "بول مكفرلين: «التنقيب في البلاد اليونانية والإيطالية أدى إلى اكتشاف دمى صغيرة مصنوعة من صلصال محروق في الشمس، ولها مفاصل تتحرك بواسطتها، أما رؤوسها فقد ربطت بأناشيط لتعلق منها، ولم تكن تلك العرائس أكثر من دمى يلعب بها الأطفال».
إنجاز الدمى
تمرّ دمية العرائس بالعديد من المراحل حتى تظهر على المسرح بهيئتها النهائية، ويحدثنا "مدين مقصود" مدرب ومخرج مسرحي بدائرة المسرح المدرسي عن هذه المراحل: «نقوم بوضع تصميم أولي للدمية نطلق عليه اسم "الكروكي"، وعليه يتم إجراء كل التعديلات اللازمة لتأخذ اللعبة شكلها النهائي، وأعتمد في صناعة الدمى على إعادة التدوير والاستفادة من المخلفات، فمثلاً يمكن استخدام علبة لصناعة الرأس والفم، وأستخدم الورق المقوى "الماكيت" لأنه قاسٍ ولا يتكسر، أما الغلاف الخارجي للدمية فهو عبارة عن جوارب ذات لون لحمي لتكون مماثلة لبشرة الإنسان، واستخدمت في إحدى الدمى التي صنعتها الملاعق البلاستيكية لتكون عيون الدمية، ومن المهم عند صناعة الدمية التركيز على تصميم الحاضنة بطريقة متقنة، لأنها الأساس وأهميتها تكمن في أنها المكان الذي تستقر به اليد لتحريك الدمية، مع الانتباه على بهرجة ألوان اللعبة، فلا يمكنك شدّ انتباه الطفل من دون تقديم ألوان ملفتة ومن المهم أن يكون الشكل واللون متناسبين».
أشكال وأنواع
تختلف أشكال دمى العرائس من ناحية الحجم والشكل والتصميم والتحكم بها، وعن أنواع الدمى يقول "مقصود": «يوجد أربعة أنواع من دمى العرائس، الأولى الدمى الإصبعية وهي التي توضع في الأصابع وتستخدم مع أطفال الروضة ويمكن أن تكون على شكل رقم أو فاكهة أو حرف، النوع الثاني الدمى الجيبية أو القفازية وتستخدم مع أطفال مرحلة التعليم الأساسي من الصف الأول إلى الرابع وهي من أبسط أنواع الدمى وتشبه الجورب يتم وضع اليد في الحاضنة ويتم استخدام الأصابع لتحريك الدمية، وهناك دمى خيال الظل وهي للمرحلة الثانية من التعليم الأساسي، وهي عبارة عن ورق مقصوص على شكل الدمية ويتم تحريكه بواسطة قصبة من وراء ستارة ويكون هناك مصدر ضوء قوي من خلف الستارة ليظهر الظل، وهناك دمى الماريونيت وهي عبارة عن دمى مربوطة بأسلاك وبمسكة خشبية قد تكون على شكل صليب، وهي أبسط الأنواع يتم تحريك الدمية عن طريقها ومن الممكن أن تكون الخشبة رباعية أو سداسية وهناك نوع مكون من أكثر من خشبة ليتم تحريك كل أجزاء جسم اللعبة والمفاصل والرأس».
على المسرح
يعمل "مقصود" على تعليم تصنيع دمى العرائس، فقد شارك في العديد من الورشات التدريبية وعنها يتحدث: «هناك العديد من الورشات وآخرها مهرجان سنوي أشارك فيه للعام الثالث على التوالي، وهو عبارة عن ورشة لتعليم الأطفال صناعة دمى العرائس، واللافت أن الإقبال كان كبيراً خلال أيام المهرجان، وخاصة الأطفال الذين جاؤوا في اليوم التالي وكانت بأيديهم محاولات صناعة دمية عرائس، وأستهدف في أغلب الورشات التي أقيمها الأطفال، خاصة أنهم يمتلكون ذهناً صافياً قادراً على الإبداع وخيالاً خصباً يعطي أجمل الحكايات، لكن الأمر لا يقتصر فقط على الأطفال، هناك بعض الشباب يحضرون الورشات، ولكن الأغلبية ترغب بالظهور الواقعي على المسرح ولا تريد أن تبقى خلف الستارة، بينما يجد الطفل المتعة عندما يحرك الدمية ويبث فيها الروح».
مسرحة المناهج
يحتاج الطفل أساليب وطرقاً ليتلقى المعلومة، لذا تتم دراسة مسرحة المناهج والاستعانة بعرائس الدمى في الغرفة الصفية لشرح الدّرس، ويقول "مقصود": «نعمل مع الوزارة على إعداد العمل المسرحي تربوياً، وإعداد النصوص لأجل الاستعانة بالدمى لشرح الدروس، أي يصبح لدينا نص مسرحية يدعم فكرة أو معلومة محددة، ودمية يتم الاستعانة بها تتناسب مع النص لتقديم المعلومة أو الفكرة للطفل، فمثلاً يمكن إعداد دمى على شكل الحواس الخمس، وكل دمية لديها فم تتحدث به عن مهمتها، ونعمل حالياً على إيجاد حلول للصعوبات التي ستواجهنا منها اللوجستيات الغير جاهزة، والبحث عن الأساتذة المهتمين بهذا المجال لأجل دعمهم بالمزيد من المعلومات التي ستساعدهم على إعداد النص المسرحي وتجهيز الدرس بالاستعانة بدمى العرائس».