لم يمنعها انقطاعها عن مقاعد الدراسة لمدة 18 عاماً من إكمال دراستها، فقد استطاعت "منى قريش" العودة مجدداً لصفوف الدراسة الثانوية والجامعية بعد أن تركتها وهي في الصف الأول الثانوي، لتتحدى نفسها ثم محيطها بقدرتها على العودة والنجاح وتحقيق التفوق في الجامعة على الرغم من كل الصعوبات.
مسيرة حياة
جذوري دمشقية مزروعة في "قاسيون"، هكذا عرّفت "منى قريش" عن نفسها لـ"مدوّنة وطن eSyria" وتتابع: «بسبب عمل والدي الذي كان ضابطاً في القوات البحرية رحمه الله ولدت ونشأت في "اللاذقية"، درست في مدارسها حتى الأول الثانوي، وتوقفت عن الدراسة بسبب الزواج الذي أثمر أربعة أبناء، ابني الكبير يدرس هندسة الميكاترونيك وبقية إخوته في المراحل الدراسية الثانوية، وبتشجيع من أبنائي وزوجي الدكتور "مصطفى الأعرج" تقدمت لامتحان الثانوية العامة في عمر 38 سنة عام 2017 الفرع الأدبي، نجحت في السبر (امتحان القبول للطلاب الأحرار في الثانوية العامة)، ثم درست الثانوية ونجحت بمعدل مقبول بعد تعب وجهد كبيرين فكان هذا بداية نجاحاتي، ولا بدّ أن أشير هنا لفضل أساتذتي لمساعدتهم لي في هذا النجاح بعد انقطاع دام أكثر من 18 عاماً، وخاصة المربي الفاضل "محمد قضيماتي"».
هدفي بالعودة إلى الدراسة إيصال رسالة ملخصها، "لا يوجد عمر محدد لتحقيق الأحلام سواء كانت تعليمية أو غير ذلك بالإصرار والمثابرة"
تحدّي الصّعاب
واجهت "قريش" الكثير من الصعوبات التي كادت أن تحول دون وصولها لهدفها لولا إصرارها ومساعدة المحيطين بها وتضيف: «دخلت كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة "تشرين" قسم التاريخ عام 2018، كان هناك جملة من التحديات التي واجهتني، في مقدمتها مسؤوليتي تجاه أسرتي ومسؤولية تربية الأبناء والاهتمام بهم ورعاية المنزل، فلم يكن الأمر سهلاً بوجود هذه المسؤوليات، وعلى الرغم من كل الصعوبات قررت الاستمرار وتجاهلت كل الآراء السلبية، وسعيت وراء تحقيق هدفي بخطا ثابتة».
وتقول "منى": «كانت السنة الجامعية الأولى غريبة علي بسبب تفاوت الأعمار بيني وبين الطلاب، فهم بعمر أولادي أو أصغر، حاولت التأقلم مع هذا الجو الجديد، كما واجهتني صعوبات في بعض المواد كاللغة الفارسية والعبرية وحفظ الأرقام والتواريخ، ومن ضمن الصعوبات إتقان اللغة الإنكليزية لتجاوز الاختبارات، لذلك كان نجاحي في السنة الأولى بمعدل جيد، أما في السنة الثانية فتأقلمت مع البيئة الجديدة وتفوقت في جميع المواد، ونلت المرتبة الثانية من حيث المعدل في السنه الثانية والثالثة والمرتبة الأولى في سنة التخرج».
شركاء النّجاح
نالت "منى قريش" الدعم العائلي والتشجيع الكبير خلال مسيرتها الدراسية، وحازت جائزة "الباسل" للتفوق العلمي ثلاث مرات، وكانت في أغلب الأحيان تحتفي بنجاحاتها والنجاحات المتتالية لابنها البكر في مسابقات الاختراع على المستوى المحلي والعالمي في وقت واحد.
د."مصطفى الأعرج" طبيب تغذية وطب بديل تحدث عن زوجته "منى" قائلاً: «لم أكن ضد فكرة التعليم وخاصة أن "منى" مجتهدة ولديها طموح وهدف، وبسبب زواجنا المبكر اتفقنا أن تعود للدراسة حين ترى الوقت والظروف متاحة لها، والتعلّم حقّ من حقوقها، دعمتها بكل خطواتها، وكانت العودة بعد تشجيع من ابنها البكر "محمد" وكان الدعم معنوياً ومادياً، عملتُ على الدعم المتواصل لها وتقديم النصح، فقد أثبتت أنها جديرة بتلك المسؤولية من خلال نجاحها وتفوقها واستطاعت أن تكون ناجحة في أسرتها وجامعتها وخلقت جوّاً تشجيعياً تحفيزياً بين أبنائها، ولا بدّ أن أنوه إلى المنعكسات الإيجابية للمرأة المتعلمة المثقفة على أسرتها ومجتمعها والخبرة التي تحصّلها وتوظفها في حياتها وحياة من حولها وهذا ما ترجمته زوجتي في مسيرتها».
وتتابع "منى" حديثها بالقول: «كان لزوجي الفضل الأكبر في نجاح مسيرتي التعليمية الجامعية، وأحمل تجاهه الكثير من الامتنان والعرفان لوصولي إلى ما أنا عليه الآن من نجاح، والتحفيز الكبير كان جلياً حين كنت أذهب مع ابني إلى الجامعة يومياً لحضور المحاضرات، ولا بدّ أن أشير لدعم والدتي التي كانت من أكثر الداعمين لي، فقد كانت تأتي من "دمشق" أثناء الامتحانات لتقوم بتحمل مسؤولية المنزل وتأمين جو دراسي مناسب».
تختتم "منى قريش" حديثها للمدونة بالقول: «هدفي بالعودة إلى الدراسة إيصال رسالة ملخصها، "لا يوجد عمر محدد لتحقيق الأحلام سواء كانت تعليمية أو غير ذلك بالإصرار والمثابرة"».
نموذج يحتذى به
من جهته يُثني الدكتور "بشار عباس" نائب عميد كلية الآداب في جامعة تشرين على الطالبة "منى" قائلاً: «درّستها حين كنت رئيساً لقسم التاريخ، هي طالبة مجتهدة استطاعت أن تحقق إنجازاً رائعاً من خلال تفوقها في موادها وتخرجها من قسم التاريخ بمعدل مميز يؤهلها لمتابعة الدراسات العليا، فقد استطاعت أن تعطي مثالاً وأنموذجاً للطالبات في التفوق والنشاط والالتزام، وحققت نوعاً من التوازن في معادلة الأم والطالبة، وأثبتت أن المرأة قادرة على التميز والتفوق بالعمل والاجتهاد المستمر».
يذكر أن "منى قريش" من مواليد "اللاذقية" عام 1978، وتستعد لمتابعة مسيرتها التعليمية في الدراسات العليا