مع طلوع شمس صباح يوم السادس من شباط، بدأت تتكشف آثار كارثة الزلزال تدريجياً، عائلات منكوبة فقدت أحباء لها وأخرى تركت منازلها، وأبنية متهدمة وتداعيات اقتصادية واجتماعية ونفسية ترسخت مع مرور الوقت خصوصاً مع تواصل الهزات الارتدادية للزلزال، كل ذلك فرض تحركاً سريعاً ومبادرات لتخفيف الضرر وتجاوز تداعيات الكارثة.
الاستجابة المباشرة
انطلقت المبادرات الجماعية والفردية سواء من المحافظات المنكوبة ذاتها أو من خارجها، فقد كان من بين المبادرات الإغاثية الفردية مجموعة من الشباب والشابات، الذين انطلقوا باتجاه مدينة "حلب" لإيصال التبرعات العينية التي قاموا بجمعها وتقديمها للمتضررين هناك، وعن هذه المبادرة يقول "أسامة كرحوت" أحد الشباب المشاركين: «كنا مجموعة من الشباب والشابات قررنا بعد معرفة الأضرار التي لحقت بالناس جمع ما استطعنا من تبرعات عينية، كانت عبارة عن ملابس وأغطية ومبالغ مالية والانطلاق باتجاه المدينة المنكوبة».
كنا مجموعة من الشباب والشابات قررنا بعد معرفة الأضرار التي لحقت بالناس جمع ما استطعنا من تبرعات عينية، كانت عبارة عن ملابس وأغطية ومبالغ مالية والانطلاق باتجاه المدينة المنكوبة
ويتابع "أسامة" حديثه: «كان الوضع هناك صعباً وخاصة على الناس التي اضطرت إلى مغادرة منازلها خوفاً من حصول هزات ارتدادية، وتزامن الزلزال مع منخفض جوي زاد من الأمر صعوبةً على الناس، كانت فرق الإغاثة تعمل جاهدة على رفع الأنقاض وإنقاذ الناس، فيما الفرق الطبية تعمل على إجراء الفحوصات للناس وتقديم الأدوية لها، أما الفرق التطوعية النفسية فكانت قد بدأت بالتنسيق فيما بينها بعد أن عمّت الفوضى في الأيام الأولى للكارثة، حيث ساعدنا مجموعة من شباب مدينة "حلب" في إيصالنا للمناطق المنكوبة والأكثر حاجة للمساعدة».
ما بعد الكارثة
لم تقتصر الاستجابة على الأفراد فقط، بل تأهبت المبادرات المجتمعية والجمعيات لتلبية الواجب في تقديم المساعدة للمتضررين، وكانت مبادرة "ضيعتنا" في قرية "القنجرة" باللاذقية إحدى الجهات التي عملت على جمع التبرعات وتقديمها للمتضررين، والتشبيك بين الأفراد والجمعيات والمتضررين أيضاً، وعن ذلك تقول "منار عبود" منسقة المبادرة: «بدأنا بمرحلة الاستجابة الثانية للكارثة، وعملنا كفريق مبادرة "ضيعتنا" على جمع البيانات الدقيقة لكل الحالات التي وصلتنا والتأكد منها والتواصل معهم للحصول على المعلومات الدقيقة، في حين كانت مجموعة أخرى من الفريق تعمل على استقبال المساعدات من أهالي القرية ومن بعض الجمعيات الأهلية الأخرى والأفراد من خارج القرية، والتي كانت عبارة عن أدوية وألبسة وأحذية وحليب وحفاضات وأغطية».
وتضيف "منار": «لم تقتصر المساعدة التي قدمها الفريق على توزيع التبرعات العينية للمتضررين، والذين كانوا أفراداً نزحوا باتجاه القرية والقرى المجاورة، بل عملنا على التشبيك بين الناس المتبرعة والمتضررين، للتخفيف على المتضررين من الناحية الاجتماعية والنفسية والتي ظهرت بوضوح مع الوافدين الذين فقدوا أحباء لهم، أو بيوتهم وأصبحوا بلا مأوى، وخاصة شريحة الأطفال الذين فرقتهم الكارثة عن رفاقهم وأبعدتهم عن مدارسهم».
جمعيّة "التوحد"
وكان للجمعيات الأهلية دور في مدّ يد العون للمتضررين، ومنها جمعية "التوحد" في "اللاذقية" فبعد الاستجابة السريعة التي قامت بها في تقديم الدعم الإغاثي للمتضررين، عملت فيما بعد على تقديم الدعم النفسي للأطفال والكبار، وعن ذلك تتحدث "شهيدة سلوم" رئيسة الجمعية بالقول: «قامت منظمة الصحة العالمية بإجراء تدخل إغاثي بعد حدوث الكارثة، وعملت على التشبيك مع قطاع الصحة ومديريات الصحة في المحافظات المنكوبة، والتي عملت بدورها على التشبيك مع الجمعيات الأهلية في المحافظات وكانت جمعية "التوحد" من بينها، حيث تشكلت فرق صحية تقدم خدماتها للمتضررين من الكارثة، وكان فريق الدعم النفسي في الجمعية مرافقاً لعدد من هذه الفرق، وقدمت الجمعية في الأيام الأولى الدعم الإغاثي بتقديم المساعدات العينية للمتضررين، لننتقل إلى مرحلة الاستجابة الثانية وهي تقديم الدعم النفسي من خلال متطوعي الجمعية من أطباء وداعمين نفسيين خضعوا سابقاً للعديد من التدريبات في الدعم النفسي سواء مع الجمعية ومع منظمة الصحة العالمية ومع جهات مختلفة».
صقل المهارات
وعن دور الدعم النفسي في العمل الميداني تقول "رولان رضوان" متطوعة في جمعية "التوحد" ومشاركة في تقديم الدعم للمتضررين: «حضرت العديد من تدريبات الدعم النفسي للأفراد سواء مع الجمعية أو خارجها، حالي كحال الكثيرين من المتطوعين معي، وبعد حدوث الكارثة خضعنا لعدّة جلسات تدريبية مع منظمة الصحة العالمية، قدمت فيها معلومات عن كيفية التعامل مع منكوبي الكوارث وتقييم الحالات وتحويلها للاختصاصيين، بالإضافة إلى العديد من الاجتماعات للتنسيق بين الأفراد وتوزيع العمل، كما خضعنا لتدريبات مع الجمعية تعلمنا فيها كيفية تشخيص الحالات النفسية ومعرفة أي الحالات التي تحتاج إلى طبيب أخصائي نفسي، وتحويلها للطبيب المتواجد معنا ضمن الفريق الطبي من مديرية الصحة، ونستطيع القول إن هذه التدريبات عبارة عن صقل مهارات لتدريبات سابقة».
في الميدان
وعن العمل والتعامل مع الأفراد على الواقع تقول "رولان": « لا يزال كثيرون في حالة صدمة مما حدث، وواجهنا الكثير من حالات الخوف والقلق واضطرابات النوم سواء بين الأطفال أو الكبار، وقدمنا جلسات في الأحياء الشعبية (سنجوان وسقوبين وبساتين الريحان وحي المنتزه في اللاذقية وحي العمارة في جبلة)، وتنوعت الأنشطة بين ألعاب حركية ومسرح تفاعلي ورسم وجلسات فردية للأطفال، وتمكنا من خلال هذه الأنشطة مساعدة العديد من الأفراد الذين كانوا بحاجة إلى الحديث عن هول ما عاشوه، ففي إحدى الجلسات مع مجموعة من النسوة لم يحتجن أكثر من الحديث عما جرى، وبعد ساعات من الكلام طلبن جلسة أخرى لمتابعة الحديث، أما عن الأطفال، فقد حاولنا عن طريق الألعاب التفاعلية والرسم والألوان والاستماع لهم، مساعدتهم في التخفيف من الصدمة التي تعرضوا لها، فالأطفال في هذا الوضع بحاجة لمن يستمع لهم ويطمئنهم وهنا كان دورنا خاصة وأن الأهل أيضاً في حالة صدمة مشابهة لأطفالهم، واجهنا بعض الأطفال الذين فضلوا البقاء في أحضان أهلهم نتيجة بحثهم عن الأمان، ولكن انضموا إلينا إما بعد وقت قصير أو في اليوم التالي للمشاركة بالألعاب، أما بالنسبة للحالات الصعبة والتي لا يمكن لجلسات الدعم النفسي علاجها فقد تم تقييمها وتحويلها إلى الأخصائي النفسي».