لأنها منارة الشرق القديم بلا منازع وبسبب ما تعرضت له من دمار ممنهج على يد المجموعات الإرهابية، جعلها تستحوذ على أنظار العالم، وتسرق الأضواء في المحافل السياحية في الغرب بشكل عام وفي "إيطاليا" بشكل خاص لتكون محط اهتمام المعرض المتوسطي للسياحة الأثرية في مدينة "بايستوم" الأثرية بمقاطعة "ساليرنو" الإيطالية.
الجناح التدمري
يتحدث الدكتور" محمد صالح" المدير السابق لسياحة تدمر والمختص بالإدارة السياحية وإدارة المواقع السياحية، عن معرض "بايستوم" ويقول: «المعرض هو المتفرد والوحيد في العالم في شموليته، لاحتوائه على معرض ومحاضرات وورشات عمل في وقت واحد، إضافة إلى أنه المعرض الوحيد في العالم المختص بالسياحة الأثرية، والذي يقام سنوياً ليكون صلة وصل مع الثقافات والحضارات التاريخية في الشرق والإضاءة على حضاراتها الإنسانية التي أغنت وجدان البشرية بالثقافات على أنواعها، والاهتمام بإرثها الحضاري».
إن الظروف الصعبة التي تمر بها بلدنا كانت سبباً في تراجع عدد السياح، إلا أنها مؤخراً بدأت باستعادة عافيتها من خلال توافد المجموعات السياحية إليها ولو بأعداد قليلة، ما يدل على بداية التعافي
يشارك في المعرض" حسب "صالح" أكثر من 25 دولة، إضافة إلى أكثر من 120 جهة تمثل مواقع أثرية عالمية منذ عام 2015 وحتى اليوم، وهو يسلط المعرض الضوء على مدينة تدمر المتربعة على قائمة أسماء ممالك الشرق الغنية بالأوابد التاريخية، التي احتفظت بالكثير من هندستها رغم مرور آلاف السنين، وتم تخصيص جناح للمدينة ألقيت فيه العديد من المحاضرات للدلالة على تاريخ هذه المدينة والسياحة الأثرية فيها، وعرض صور لها قبل وبعد تدميرها على يد المجموعات الإرهابية، ومناقشة كيفية إعادة إنعاش مدينة المدينة سياحياًِ.
الاعلامي "عدنان خطيب" /ابن تدمر/ يؤكد في حديثه لـ"مدونة وطن" أن إقامة مثل هذه المعارض السياحية الخارجية عن أيقونة الشرق تدمر، وملتقى الفن وعشاق الحضارة الإنسانية، هو دليل واضح على أهمية التاريخ الحضاري لهذه المدينة التي تعدّ إحدى أقدم المدن التاريخية في العالم، والتي ازدهرت بشكل خاص في عهد الملكة زنوبيا ونافست الحضارة الرومانية وقتها، وأصبحت مركزاًِ يربط حضارات وامبراطوريات مختلفة، وتميزت بتعددية ثقافية ذات فلسفة جمالية متميزة، حتى أصبحت وجهة للباحثين وعشاق الفن والعمارة والإرث الحضاري العالمي.
حارس المدينة
ساهم الدكتور "صالح" في خلق توأمة ما بين مدينة "بايستوم" الأثرية الإيطالية ومدينة تدمر الأثرية، انتهت بتوقيع مذكرة توءمة في مدينة "بايستوم" عام 2018، حيث مثّل الجانب السوري الدكتور "محمد خضور" رئيس اتحاد غرف السياحة في "سورية"، ومثل الجانب الإيطالي "فرانكو الفييري" عمدة "بايستوم" وتم خلالها المصادقة على التبادل الثقافي الذي أقرّ على دعم المعرض سنوياً لمدينة تدمر، وتعتبر مذكرة التوأمة هذه وما قدمه الخبراء العالميين حول المدينة وكيفية إعادة ترميمها مع الإشارة إلى العادات والتقاليد والإرث الحضاري المادي واللامادي والسياحي والعلمي والاجتماعي، أكبر مثال لهذا الدعم السنوي، الذي يدعو إلى إعادة معالجة الكثير من الجوانب التي تأثرت بتداعيات الإرهاب، من خلال مواظبة الدعم الاجتماعي والعمل على بذل الجهود من أجل استعادة ألق مدينة تدمر كما كانت من قبل».
وقد قام الدكتور "صالح" بجهود كبيرة أثمرت جائزة سنوية لأهم "عالم آثار عالمي" تحمل اسم الشهيد "خالد الأسعد"، أو كما يطلق عليه "حارس تدمر" لما قدمه من أمانة خلال مسيرته المهنية حتى الرمق الأخير، بالإضافة إلى توثيقه تاريخ مدينة تدمر في عدة مؤلفات.
وأدان جميع المشاركين في المعرض الجريمة البشعة التي تعرض لها الشهيد "الأسعد" على يد منظمة "داعش" الإرهابية. وتجدر الإشارة إلى الجهود الحالية التي يبذلها الدكتور" صالح" الهادفة إلى توقيع مذكرة توءمة بين مدينة تيفولي الإيطالية ومدينة تدمر.
الأزمات السياحية
وحول كتابه (إدارة الأزمات السياحية) ينوّه "صالح" إلى أنه وفي الآونة الأخيرة تمت الإشادة بهذا الكتاب من خبراء عالميين، ومنظمات دولية خاصة بالسياحة والآثار، على تفرده بمعالجة كافة أنواع الأزمات السياحية الطبيعية منها والمُفتعلة بغض النظر عن أسبابها، وأكد أن الأزمات السياحية هي نتاج أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية تؤدي إلى خلق أزمة سياحية.
ويختتم ابن تدمر حديثه بتأكيده على حضور تدمر الدائم في المشهد السياحي العالمي، ويقول: «إن الظروف الصعبة التي تمر بها بلدنا كانت سبباً في تراجع عدد السياح، إلا أنها مؤخراً بدأت باستعادة عافيتها من خلال توافد المجموعات السياحية إليها ولو بأعداد قليلة، ما يدل على بداية التعافي».
ويشير الاعلامي "عدنان الخطيب" إلى الدور الكبير الذي يقوم به الدكتور "محمد صالح" والذي يشارك سنوياً في عدة معارض ومؤتمرات دولية باسم مدينة تدمر، يلقي الضوء من خلالها على الحضارة التدمرية وسر وجودها في ملتقى قوافل تجارة طريق الحرير الدولي التي تربط كبرى الممرات التجارية البرية والبحرية والنهرية التي تمتد من "الصين" الى "روما"، كما يظهر حقيقة ما جرى للمدينة بدءاً من دخول المجموعات الإرهابية إليها وتدمير وسرقة الكثير من آثارها.