تعد الكتب والدوريات والمخطوطات القديمة المتوارثة بمثابة ثروة وطنية تجمع خلاصة العلوم ونتاج التجارب في كافة الميادين، وبالرغم من التطور العلمي والتقني الهائل الذي يشهده العالم، فقد حافظت الكتب الورقية على مكانتها وأهميتها التاريخية في مواجهة الكتب والمطبوعات الإلكترونية.
مكانة راسخة
ومن بين الجهود التي يتم بذلها للحفاظ على مكانة الكتب والوثائق، وبغية الحفاظ على تلك الكتب الثمينة من الضياع والإندثار والاهمال يسجل للمحامي الأديب "علاء السيد" افتتاحه لمكتبة في وسط شارع "بارون" بمدينة "حلب"، والتي أطلق عليها اسم "دار الوثائق الورقية" حيث ضمت آلاف الكتب العربية والمخطوطات القديمة والحديثة والمتنوعة ما بين الأدب والشعر والتاريخ والتراث والعلوم الأخرى، والتي تهدف إلى حملة ثقافية بتشجيع جيل الشباب للتوجه نحو القراءة الورقية.
يتحدث "السيد" للمدونة التي زارته في مكتبته، عن مشروعه الثقافي بالقول: "تربطني علاقة وثيقة وحميمة منذ الصغر بقراءة الكتب الورقية، فبداية شغفي بحب المطالعة كانت من خلال قراءة بعض الكتب الموجودة في مكتبة والدي، ومن ثم الاستماع لصوت والدتي وهي تقرأ لي كتب الأطفال من سلسلة "المكتبة الخضراء والزمار وميكي وأسامة"، وفي المرحلة الإعدادية واظبت على الذهاب لمكتبات "حي الجميلة" وشراء القصص والمجموعات الروائية، وواظبت على القراءة حتى خلال دراستي الجامعية بكلية الحقوق، ومع مرور الأيام أصبح في مكتبي أكثر من عشرة آلاف عنوان منوع".
ويتابع "السيد" حديثه: "كان حرصي الدائم خلال فترة الأزمة، هو الحفاظ على مكتبتي من الحرق أو السرقة أو التلف والضرر، لأن ما تحتويه من كتب ومخطوطات ودوريات ثمينة لا يمكن تعويضها إن فقدت".
وعن مشروعه الأخير "دار الوثائق الورقية" يقول: "كانت الفكرة تدوير الكتب الورقية بالمقايضة وتحريكها من على الرفوف من خلال التداول، وفي هذه الحالة يصبح اسم الكتاب رائجاً ومعروفاً بين القراء، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض سعره ويصبح متاحاً أمام عدد أكبر ممن يحتاجه، ووضعنا في الدار أكثر من ألفي عنوان وهي بمتناول الجميع من الجمهور والمثقفين والمهتمين ليطلعوا عليها، ونشرنا في الدار أيضاً أعداداً كبيرة من الصحف الحلبية والسورية والعربية تعود في أغلبها إلى أربعينيات وثلاثنيات القرن الماضي.. مشروعنا الثقافي الورقي خاسر مادياً ولكنه رابح ثقافياً، وهو يرتكز على عدة أسس وهي بيع كتب الدار بسعر رمزي ودون التكلفة، وشراء المكتبات المنزلية ووضعها في الدار، والبند الثالث يعتمد على التأجير، والرابع على المبادلة مع أصحاب المكتبات الخاصة والعامة، وتم التواصل مع جميع الزملاء وأصحاب المكتبات لمن يرغب بوضع بعض من كتب مكتبته في الدار".
ويؤكد" السيد" أن "دار الوثائق الورقية" تضم كتباً ومخطوطات وأبحاث مهمة وقديمة جداً تعود في طباعتها إلى أكثر من مئة عام، عدا عن القواميس والكتب العلمية والتراثية.
بين الورقي والإلكتروني
يكشف المحامي "السيد" خلال حديثه ما للكتاب الورقي من سحر خاص لدى القارئ من خلال تفاعل الحواس عند القراءة مثل (البصر والشم وسماع صوت تقليب الصفحات)، كل ذلك يعطي المتعة ويساهم في حفظ المعلومة أكثر من القراءة الإلكترونية التي ترهق النظر بالأشعة الصادرة عن الأجهزة الإلكترونية، ومقابل ذلك يذهب البعض للقراءة الإلكترونية تهرباً من دفع قيمة الكتب الورقية نتيجة غلائها وطباعتها وصعوبة حملها وتجليدها وإيجاد المكان المناسب لحفظها، فالكتب الإلكترونية يمكن حفظها ضمن فلاشة صغيرة، ورغم تلك الميزات الحديثة لكنها لم تستطع التفوق على أهمية الكتاب الورقي ومكانته لدى القراء في العالم.
ويضيف "السيد": "حرصت الدار خلال الحرب على تحويل آلاف الكتب لمحتوى رقمي حفاظاً عليها من الضياع والتلف أو الحرق، ومن أهم العناوين التي حولت لمحتوى الورقي كان "تاريخ حلب المصور، وطريق الحرير، أوهام الذات المقدسة" ومع انتهاء الحرب وعودة الأمان عاد العمل والتركيز باتجاه الكتاب الورقي".
شهادات أدبية
الدكتورة "بتول دراو" من كلية الآداب ترى أن علاقة الإنسان تتفاعل أكثر بالحساسية والأشياء، فالتاريخ الورقي للكتاب ممتد زمنياً إلى قرون عديدة تسبق بكثير الكتب الإلكترونية مما يجعل من الصعب التخلص من هذه الحساسية ببساطة، بالإضافة إلى أن الكتاب الورقي حاضر بوصفه حيزاً مكانياً بعكس الرمزية الموجودة في الكتاب الإلكتروني، ففي الكتاب الورقي ثمة معاينة مباشرة ومتعة بالنظر إلى الغلاف الخارجي وهو في مكانه، في حين يتطلب الكتاب الإلكتروني توفر التيار الكهربائي والضغط على الجهاز لمعرفة محتواه.
وتضيف: "لمسنا التاثير المباشر لمشروع "دار الوثائق الورقية" في "حلب" على القراء وروّاد الدار، وذلك من خلال الطلبات والأسئلة المستمرة والمتزايدة على عناوين الكتب والجرائد والاسطوانات، ومن هنا تأتي أهمية الدار في تفعيل الحركة الثقافية ونأمل لهذا المشروع النجاح والتوفيق والتوسع أكثر".
بدوره يقول الأديب الكاتب "نيروز مالك": "ندعم ونشجع مشروع "دار الوثائق الورقية" وهو خطوة إيجابية بالاتجاه الصحيح لتدوير وتفعيل الكتب الجامدة على الرفوف، فالقراءة المباشرة من الكتاب تعبر عن جزء من حياة الإنسان، حيث يقرأ كل فرد فينا ما يهمه وحسب أولوياته في سبيل الحصول على معلومة أو تدعيم ثقافته وتنشيط ذاكرته الفكرية للتخلص من الجمود والنسيان، وبالنسبة لي أنا متفاعل دائم مع قراءة الكتاب الورقي على شرفة المنزل والحديقة وأثناء السفر".
تم إجراء اللقاءات والتصوير داخل "مكتبة دار الوثائق الورقية بـ "شارع بارون" بتاريخ الثامن والتاسع من شهر أيار لعام ٢٠٢٣.