من النباتات التي لم تأخذ حقها من الاهتمام الكافي بالرغم من تسميتها بالذهب الأحمر إنها نبتة الزعفران التي تعد أشهر وأقدم أنواع التوابل حول العالم إضافة لاستخداماتها بالطب والعطورات والمنكهات وغيرها.
وانطلاقاً من أهميتها وضعت الدكتورة المهندسة الزراعية "فاطمة مصطفى عبد الرحمن" فكرة تحويلها لمشروع زراعي ضمن أجندتها وأولوياتها وأعدت لها دراسة وافية من جميع الجوانب لتأتيها النتائج مبشرة.
مشروع رائد
موقع مدونة وطن "eSyria" التقى الدكتورة الباحثة والمختصة بالشؤون الزراعية "فاطمة مصطفى عبد الرحمن" في مقر عملها بمركز البحوث الزراعية.
قالت: "تقدمت لمنظمة "الفاو" للشؤون الزراعية بدراسة كاملة ومستفيضة من خمس صفحات ملونة مع الصور والثبوتيات والشروحات التي طلبتها المنظمة لتبني ودعم لمشروع زراعة الزعفران، وجاءتني المفاجأة السارة من المنظمة بقبول أولي لمشروعي من بين مئات المشاريع المتعلقة بالإنتاج الزراعي وخضعت بعدها لدورتين بالمنظمة تحت إشرافهم حاضر فيهما خبراء زراعيون الأولى كانت مدتها سبعة أيام والثانية أربعة أيام، وتلخصت محاضرات الدورة في كيفية تصنيع مشروع نباتي مع دراسة الفائدة منه ومعرفة حاجة السوق له وترويجه وحساب كلفته وأرباحه ومن جديد نسخت مشروعي على pdf وتم إرساله من المنظمة إلى "دمشق" لدراسته بشكل تفصيلي وأخذ الموافقة النهائية عليه واعطائنا شارة البدء والتنفيذ.
خطوات ملموسة
تضيف الدكتورة "فاطمة" أولى خطوات التنفيذ كانت استئجار قطعة أرض بالريف القريب من المدينة بمساحتها مئة وخمسين متراً مربعاً بـ"منطقة سمعان" وبقيمة أربعة ملايين ليرة سورية، وتواصلت مع جمعيات زراعية بـ"ريف دمشق" لشراء ألفي بصلة، وبعض المعدات الزراعية الخاصة بالتعشيب من "كريك ومجرفة ومقص ورفش" وعبوات، مع قلب وتهوية التربة وفتح خطوط جاهزة للزرع مع رش السماد البلدي، وانتظرنا حتى حلول الشهر العاشر مع انخفاض نوعي لدرجات الحرارة حتى تصبح ملائمة لزراعة بصيلات الزعفران، ومن بعدها تم غرس البصيلات مع تأمين عملية الري، وأهم شيء في مشروعنا كان استمرار عملية التعشيب حتى تنمو الزراعة بشكل صحي ومريح غير متأثرة بالأعشاب الضارة من حولها، وحرصنا على عدم استخدام المبيدات الكيميائية حتى نحصل على منتج نظيف خال من آثار المبيدات والأسمدة، وبعد فترة أسبوعين من الغرس في التربة بدأ النبات مع حالة الأزهار يظهر فوق سطح الأرض وهو بلون بنفسجي "موف"، ومع متابعتنا وعنايتنا استمر بالنمو بشكل جميل ومثمر، وخلال الشهر الأول والثاني قمنا بقطف تلك الأزهار واستخراج المياسم الموجودة بداخلها وحفظها بعبوات وهي ما تسمى "بالزعفران"، ومن ثم قمنا بتجفيفها هوائياً لمدة يومين، مع حفظها بعبوات ضمن الثلاجات.
وتتابع حديثها: المرحلة الثانية تكون خلال الشهر السابع وهي حصد البصيلات الأم واقتلاعها من جذورها بعد أن يكون قد نما بجوارها من ثلاث إلى سبع بصيلات بحجم صغير، وبعد القلع نخزن البصيلات الكبيرة والصغيرة بعيداً عن الرطوبة لأجل زراعتها لموسم قادم بعد أن نكون قد ضاعفنا عدد البصيلات التي أصبحت بحوزتنا مع استئجار مساحة أرض أكبر من السابقة، وختمت الدكتورة "فاطمة" حديثها للمدونة عن دراستها لنبتة الزعفران بأن المناخ السوري البارد مع البيئة الجبلية الغنية بالآزوت ملائمة ومناسبة جداً لزراعة الزعفران، والمنتج الذي نحصل عليه مطلوب بكثرة بأسواق المدينة وهو غالي الثمن نظراً لفوائده الجمة حيث يقدر سعر الغرام بـ خمسة وعشرين ألف ليرة سورية، وفضلنا عدم عرض منتجاتنا هذا الموسم للبيع في الأسواق المحلية كي نحافظ عليها وتساعدنا في زراعة كمية أكبر للموسم القادم.
متابعات أكاديمية
أما المهندس الزراعي "مصطفى مازن عطري" المشارك بالمشروع فيقول: تحمست جداً للفكرة والدراسة المستفيضة التي أعدتها الدكتورة "فاطمة" عن زراعة نبتة "الزعفران" كونها نادرة جداً بالأراضي الزراعية في ريف مدينة "حلب"، بينما نراها منتشرة ومتواجدة بأرياف مدن "طرطوس وريف دمشق والسويداء وحمص" ومن هذا المنطلق ونظراً للفوائد العديدة في عدة مجالات أهمها في إعداد الطعام والتوابل والمنكهات والحلويات والصبغات وفوائدها العلاجية لأمراض ضيق الصدر والربو، أحببت الفكرة وشاركت فيها وتابعتها بكل تفاصيلها مروراً بزرع الأبصال والتعشيب المستمر والسقاية وجني الزهرات وتجميع المياسم وتقاسمت العمل مع الدكتورة من خلال زيارات متلاحقة للمشروع للاطمئنان على نجاحه، والحمد الله النتائج والحصاد كان فوق المتوقع وللعلم تأتي "إيران والهند واليابان والمغرب" في طليعة دول العالم التي تهتم بزراعة "الزعفران" عالمياً.
وعن تجربة زراعة الزعفران الدكتور المهندس "يحيى قمري" الذي أشرف على مراحل مشروع زراعة الزعفران يقول: يحسب للدكتورة الباحثة "فاطمة" حماسها واندفاعها وشغفها لإتمام مشروعها رغم الوقت الطويل والدراسات التي قدمتها، والبداية كانت بحصولها على التمويل والقرض من منظمة الفاو حيث اعتبر مشروعها من المشاريع التنموية الرائدة والمولدة للدخل والتي يمكن أن تبدأ برأس مال صغير وإنتاج محصول مهم وغالي الثمن ومطلوب في الأسواق، ويضيف: يمكن لنبات الزعفران التأقلم مع الظروف البيئية المحلية لوجود عدد من الأنواع البرية من الزعفران في "سورية" وفي "محافظة حلب" تحديداً والصعوبة الوحيدة التي يمكن أن تعترض المشروع ضرورة معاملة كورمات الزعفران بمعاملات خاصة لحضها على الإزهار وبكل الأحوال النبات يعطي كورمات جديدة (إذا لم يزهر) يمكن بيعها والاستفادة منها، تابعت أغلب مراحل المشروع منذ زرع البصيلات وحتى فترة الأزهار، وبالمجمل نستطيع القول إن المشروع كان موفقاً وناجحاً ويحسب للدكتورة ما قمت به.
تم إجراء اللقاءات والتصوير بتاريخ الثاني عشر من شهر تموز لعام 2023 داخل مركز الأبحاث الزراعية بـ"حي الميدان" بمدينة "حلب".