بالتزامن مع إنشاء أول مشروع لمحطة القطار في مدينة "حلب" في عام 1905، جاء تأسيس "حي المحطة" ليضفي مزيداً من الحيوية على حركة المدينة والذي ترافق مع تزاحم وتسارع النشاط العمراني للسكن فيه.
"حي محطة بغداد" الذي يقع في وسط مدينة "حلب"، يشتهر بأسواقه ومحلاته وزواره فضلاً عن ما يتميز به من نظافة وهدوء بفضل مساكنه التي تجمع ما بين الحديث والقديم .
موقع استراتيجي
يقع "حي محطة بغداد" وسط المدينة ما أكسبه أهمية خاصة بقضاء حاجات وخدمات زواره، يجاوره من الشمال أحياء "الميدان والشيخ مقصود"، ومن الشرق حي "السليمانية" ومن الجنوب "العزيزية وباب الفرج" ومن الغرب "الجميلية والحديقة العامة"، ووسط الحي هناك محطة القطار ومجرى "نهر قويق" المسقوف وسوق الألبسة المودرن والمطاعم العامة والخاصة ومنتزه الحديقة العامة، الحي يعج بحركة القادمين إليه للتسوق والعمل، ومن وسطه تمر خطوط المواصلات لأحياء "الأشرفية والشيخ مقصود".
موقع مدونة وطن "eSyria" جال في "حي محطة بغداد" والتقى العديد من قاطني الحي وسألهم عن سر تعلقهم وحبهم لحيهم.
والبداية كانت مع مختار الحي "رامي الحديدي"
الذي يتحدث للمدونة عن تأسيس الحي قبل أكثر من تسعين عاماً، ويقول: حي "محطة بغداد" متداخل ومجاور لحي "الشيخ طه" ويقطن في الحيين معاً ما يقارب أربعة آلاف عائلة يقدر عددهم بـ20 ألف نسمة، ويعتبر الحي الأقدم والأشهر والأهم، ومن أهم شخصيات حارتنا الشاعر الغنائي الراحل "صفوح شغالة" الذي تغنى به كثيراً.
ويضيف: يتميز الحي بخدماته حيث يضم بنوكاً خاصة ودوائر خدمية عامة وخاصة، وأهمها مركز محطة القطار وعدداً كبيراً من محلات الألبسة والمطاعم والمقاصف الصيفية ومحلات الحلويات والعصائر، وعدداً لابأس به من المدارس الحكومية والخاصة وثانوية الفنون والأنشطة الطلائعية ومدرسة المعلوماتية ونادي شباب العروبة للموسيقا، وملعب خماسي لكرة القدم وثلاثة مخابز ومدرسة الباسل للمتفوقين ومشفى "أسطوريان"، وتقطن الحي شرائح متنوعة ومختلفة من المجتمع السوري يعيشون بسلام وأمان واطمئنان وعدد كبير من أبناء مدينتي "الحسكة ودير الزور والجزيرة"، الجميع هنا يحبون بعضهم البعض يتشاركون بأفراحهم وأحزانهم، ويشهد لأهالي الحي بأنهم فتحوا منازلهم خلال أزمتي الحرب والزلزال الأخيرتين ومحلاتهم أيضاً لإخوتهم القادمين إليهم من الأحياء الحلبية المنكوبة، وتقديمهم كل أشكال الدعم والمساعدة والعون من مال وطعام ومأوى ولباس.
عائلة واحدة
تجولنا على طول الشارع الرئيسي لحي "محطة بغداد" والتقينا العم "الياس حنا زهرة" والشهير بـ"أبو حنا" /81/ عاماً، ويعتبر من أقدم حلاقي الحي والمدينة الذي يسرد ذكرياته داخل الحي بالقول: تعلمت مهنة الحلاقة بشارع القوتلي عند معلمي "أبو جوزيف" ومن بعده عند معلم "آغوب"، وبعد تعلمي للمهنة وفي عام السبعين نقلت عملي لوسط "حي محطة بغداد".. الفروقات كثيرة في حلاقة الشعر ما بين الماضي والحاضر، الزبائن الآن يطلبون مني الحلاقة الحديثة "بانكي" وأنا لا أجيدها ولا أحبها، وحلاقتي قديمة تعتمد على استخدم المقص والمشط والماكينة الكهربائية والسيشوار، في السابق كانت الأجرة لاتتجاوز الليرة أما الآن فهي بحدود خمسة آلاف وأكثر.
وعن ذكرياته في الحي وعن الحي يضيف "أبو حنا": أذكر أن عربات الحنتور كانت تقف أمام محلي وتنقل الناس لباقي الأحياء الأخرى نحو "باب الحديد وجب القبة والجميلية"، ويشير بيده إلى محل قهوة "نوتوراكي" الذي تبدل وتحول إلى مخزن عام.
يحتفظ "أبو حنا" في ذاكرته بالكثير من القصص والطرائف عن الناس، ومن وراء عمله هذا أصبح يعرفهم ويطمئن عليهم وعلى أبنائهم وأحوالهم ويشاركهم همومهم وأفراحهم، على حد قوله.
بركة المحطة
يستعرض حلاق الحي الثاني "عبد الرحمن صباغ" "أبو محمود /78/ عاماً تفاصيل يصفها بالمهمة عن ذكريات الزمن الجميل وعن بداياته بمهنة الحلاقة: تعلمت المهنة وأنا شاب يافع عند معلمي "قدري قطاع أبو بكري"، وعند اتقاني للمهنة عملت في "لبنان" لفترة سنتين، وبعدها وفي مطلع السبعينيات استأجرت محلي هذا بـ "حي محطة بغداد".. أجور الحلاقة في ذلك الوقت كانت ليرات بسيطة وتدفع بطريقة مخفية ومن دون مفاصلة من يد الزبون ليد الحلاق ولا يشعر بها أحد، وعندها يرد الحلاق بعبارة "الله يعوض عليك ويرزقك"، كان لدى كل حلاق مسجلة بكر يستمع فيها الزبون لأغاني "صباح فخري ومحمد خيري وصالح عبد الحي وعبد الوهاب وأم كلثوم"، ويشتد العمل في أيام الخميس وفترات الأعياد ولكل زبون حلاقه خاصة، كما أن الحلاق أيام زمان كان نصف طبيب يداوي ويعقم بعض الجروح.
ويشير الرجل السبعيني إلى أن "حي محطة بغداد" كان في السابق شعلة نشاط في الحركة من الصباح وحتى المساء، تأتيه الزبائن من مختلف الأحياء لقضاء حوائجهم، والحي جميل وقديم وكانت له أهمية قصوى وأغلب زبائنه من مدن الجزيرة، تأتي للتداوي والسفر وركب القطار وشراء ألبسة وأطعمة العيد والمناسبات والأفراح ما يوفر حركة تجارية وخدمية نشطة لا تتوقف.
هدوء وراحة
"بشار العجيلي" /50/ عاماً من أبناء مدينة "الرقة" يقول: أنا مستأجر داخل "حي محطة بغداد منذ عامين، الحي هادئ وجميل ونظيف ومخدم استقبلني الجميع بالود والترحاب كأني واحد منهم، ولا أشعر بأي غربة ما يضفي على الحياة اليومية الراحة النفسية، وقد تكونت لي صدقات وعلاقة أخوية مع الكثير من أبناء الحي
ويقول "علي عويس" /75 / عاماً بائع كلف خياطة: أنا من أبناء حي الشعار، ولكن ونتيجة الظروف السابقة نقلت محلي وعملي إلى "حي محطة بغداد".. الناس هنا محترمون وكل بعمله ورزقه ولا يتدخل أحد في شؤون غيره، فضلاً عن أن الحي هادئ جداً والناس هنا يحبون بعضهم ويساعدون المحتاج بكل محبة وهم متعاونون في قضاء حاجاتهم كأنهم أسرة واحدة.
تم إجراء اللقاءات والتصوير داخل "حي محطة بغداد" بتاريخ الثامن من شهر آب لعام 2023.