تتميز محافظة حمص بغناها وتنوعها النباتي، الذي يعزى إلى تنوع المناخ والتضاريس من الجبال والسهول والبادية، ما وفر تشكلية واسعة من النباتات البرية والأعشاب الطبية، كما يتم إنتاج العديد منها من الفلاحين انطلاقاً من مردودها المادي المجزي.
تنوع كبير
بداية تشير الدكتورة "ماري رمضان"، عضو الهيئة التدريسية بكلية الزراعة (اختصاص نباتات طبية وعطرية) في جامعة البعث، في حديثها للمدونة إلى أن النباتات الطبية والعطرية تقسم إلى عدة أقسام، أولها الفصيلة الخيمية وأكثرها انتشاراً في الفترة الأخيرة (اليانسون والكمون والكزبرة والشمرة)، والثانية الفصيلة الشفوية ومنها (البردقوش والزعتر والميريمية وإكليل الجبل والزوفا)، وثالثها الفصيلة المركبة ومنها (البابونج والشيح)، بالإضافة إلى الفصيلة السوسنية منها (الزعفران والسوسن) وغيرها.
وتضيف "رمضان": "لا توجد إحصائية رسمية عن الإنتاج السنوي لهذه الأنواع، كونها تزرع ضمن حيازات زراعية صغيرة بقصد تأمين احتياجات السوق المحلية، أو بغرض الاستخدام الشخصي، وبعضها ينمو بشكل بري دون تدخل الإنسان، كما لا يمكن حصر النباتات الطبية والعطرية المنتشرة في محافظتنا، والتي تحوي كنزاً ثميناً من النباتات فهناك (الزعرور، العطرة، حبة البركة، الكراوية، الخلة، العصفر، الغار، الريحان، النعناع) وغيرها الكثير".
توزع جغرافي
تشير الدكتورة "رمضان" إلى النباتات الطبية والعطرية المهمة والمنتشرة في محافظة حمص والتي تستعمل بشكل خاص للأغراض الطبية والغذائية، ومنها الكمون واليانسون الذين ينتشران بكثرة في الريف الشمالي للمحافظة، مثل "الرستن وتلبيسة والدار الكبيرة" وفي الريف الشرقي مثل قرى منطقة "المخرم".
وتبين "رمضان" أنه يوجد من الزعتر أنواع عديدة منتشرة بشكل بري ومزروع بشكل واسع في مناطق محافظة حمص المختلفة، من هذه الأنواع "البردقوش Origanum" 9، والزعتر السوري، والشائع Thymus خاصة في منطقة الوادي، ويوجد نوع آخر يسمى زعتر الدقة (الشنكليش) بشكل بري في مناطق ريف حمص الشمالي الغربي، أما "عرق الطيب" أو "السوسن الألماني" وهو من الفصيلة السوسنيةIridaceae، ينمو في ظروف بيئية متباينة إذ يتحمل درجات الحرارة المرتفعة والمنخفضة أثناء نموه وإزهاره، وبالتالي يتواجد في مناطق مختلفة من حمص، أما البابونج، فإنه ينتشر بشكل بري بوفرة في ريف المحافظة ويزرع إكليل الجبل في عدة مناطق ريفية على شكل مزارع صغيرة.
وعن زراعة الزعفران الذي يسمى أيضاً بـ "الذهب الأحمر" تقول: "هو من الزراعات النوعية والواعدة في سورية، ويزرع الزعفران ضمن مشاريع استثمارية منتشرة بقرى المحافظة، حيث تمت زراعة نبات الزعفران منذ فترة طويلة في مركز بحوث حمص، وينتشر أيضاً نبات القبار بكثافة عالية بشكل طبيعي في مناطق "الرستن والمخرم وتلكلخ" ويمكن أن يزرع في الأراضي الزراعية أيضاً.
صيدلية طبيعية
تتحدث "رمضان" عن الفوائد الطبية الكبيرة لهذه النباتات والتي تدخل في تركيب مجموعة من الأدوية، إضافة الى استخداماتها في الطب الشعبي وكمنكهات غذائية، فنبات اليانسـون والزعتر مثلاً يدخلان فـي تركيـب أدويـة السـعال وآلام الحلـق وعلاج أمراض الجهاز التنفسي، ويدخل الزيت في تركيب المراهم المستخدمة لعلاج الأمراض الجلدية، أما الكمون، فإنه يستعمل طبياً كمنشط ويحتوي على البوتاسيوم والحديد ويفيد القلب والأوعية الدموية ومن يعانون من فقر الدم، وبعضها يُستخدم كمغلي النبات أو زيت طيّار كإكليل الجبل، كما يستعمل بعضها في صناعه مستحضرات التجميل والعطور والمقويات وبعض أنواع الشامبو والصابون المقوي للشعر كعرق الطيب، أوعلى شكل غسولات أو حمامات لمعالجة الالتهابات الجلدية والتقرحات كالبابونج.
وتضيف: "بينت الدراسات إمكانية استخدام الزعفران كعامل وقاية وعلاج من السرطان، فقد ثبت أن الزعفران لايمنع تشكل أورام سرطانية فحسب، بل يسهم أيضاً في تقلص وانكماش الأورام الموجودة بينما هناك فوائد صحية لا تحصى لنبات القبار".
عوائد اقتصادية
تتابع الأستاذة الجامعية حديثها بالإشارة إلى زراعة الزعفران الذي يسمى أيضاً بـ "الذهب الأحمر" و"زهرة السعادة"، وتبين أنه "من الزراعات النوعية والواعدة في سورية، وبدأت تنتشر مؤخراً نظراً لتوافر البيئة المناسبة لنموه بمواصفات إنتاجية موثوقة، سواء على مساحات واسعة، أو ضمن حيازات صغيرة، وقد تطورت زراعته وتحديداً في حمص، ويزرع الزعفران ضمن مشاريع استثمارية منتشرة بقرى المحافظة، وزرع منذ فترة طويلة في مركز بحوث حمص".
وتشير إلى نوع من النباتات الطبية المهمة والمنتشرة حالياً، وهو نبات القبار الشوكي الذي يتبع للفصيلة القبارية Capparidaceae، ويعد جمع البراعـم الزهرية لنبات القبار من الأمور الشائعة جداً في الكثير من المناطق خاصة في منطقة "المخرم"، وهو مصدر دخل للكثير من العائلات ووصل سعر الكيلو في السنة الحالية إلى حوالي 10000 ليرة
وتنوه "رمضان" إلى أن زراعة القبار على مستوى تجاري في سورية لا تزال في بداياتها، ولكن انتشاره الأكبر هو بري وهناك إمكانية كبيرة للتوسع في زراعته لأهميته الاقتصادية والطبية نظراً لمتطلباته الزراعية القليلة وتحمله للظروف البيئية القاسية.
مصدر رزق
"أبو بلال" (صاحب محل لبيع الأعشاب الطبيعية في السوق المسقوف بحمص)، يقول خلال حديثه "لمدونة وطن" إن: "محله ممتلئ بالكثير منها، كـ(البابونج والكمون والكزبرة وحبة البركة والزيزفون والورد الجوري والبنفسج) ، والعديد من أنواع الأعشاب، والتوابل".
ويضيف الرجل الستيني أن الأعشاب التي تنتشر بكثرة في حمص تعد بمثابة طب بديل لاسيما الزوفا والقرفة والخزامى وقشور الرمان المستعملة في الصبغة، وترابة حلبية لتنظيف الجلد من الأمراض الجلدية وصمغ عربي، و(ليفُ) حمام طبيعية وغيرها.
وعن النباتات الطبية الأكثر طلباً يتابع "أبو بلال" بالقول:" هناك (الميريمية والنعنع والمردكوش والصفصاف والبابونج وإكليل الجبل والكمّون)، والكثير من النباتات بالإضافة إلى أنواع الأعشاب والتوابل والزيوت العطرية بشتّى أنواعها".
من جانبه يشير "محمد السباعي" (صاحب محل لبيع الأعشاب) إلى أن الأعشاب الطبية والداخلة في المواد العذائية تعد مصدر رزق جيد، كالزعفران واليانسون والزوفا، حيث يثق الكثيرون بالأعشاب الطبيعية أكثر من الدواء الصناعي".
ويضيف "السباعي": "لاشك أن أسعار الأعشاب الطبيعية ارتفع نتيجة عدة عوامل معروفة لدى الجميع، إلا أن الجيل القديم بشكل خاص ظل محباً وواثقاً بخيرات الطبيعة".